"انتهاكات حقوق العمال" كانت أبرز الأوراق التي لعب بها البعض، من أجل تشويه صورة قطر منذ فوزها باستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم قبل نحو 12 عاماً.
وحسب مراقبين، فإن حملة الافتراءات "غير المسبوقة" حاولت توظيف ملف العمال تحديداً، لما له من دور كبير في بناء البنية التحتية العملاقة والاستادات التي تستضيف كأس العالم 2022 خلال الشهر الجاري.
سجلت العمالة الوافدة في قطر زيادة سريعة بدءاً من عام 2010، الذي مُنحت فيه قطر حق استضافة بطولة كأس العالم لعام 2022. فنتيجة لأسباب، من بينها الطفرة في أعمال البناء والتشييد، قفز عدد سكان البلاد من نحو 1.6 مليون نسمة في ديسمبر/كانون الأول 2010 إلى نحو 2.9 مليون نسمة حالياً.
كيف بدأت القصة؟
تشكّل العمالة الوافدة، حسب إحصائيات رسمية، أكثر من مليوني شخص من إجمالي عدد السكان، الأمر الذي جعل هذا الملف مهماً جداً، واتجه البعض من أجل استغلاله، فما هي قصة تلفيق الاتهامات؟ ومن يقف وراءها؟ وبماذا ردت الدوحة؟
بدأت الاتهامات عبر وسائل إعلامية غربية وعربية، بوقوع العديد من الانتهاكات لحقوق العمال من دون أي دليل أو وثائق، عبر كلام مرسل وبمصادر مجهّلة في أغلب الأحيان، وكان الهدف هو السعي نحو إصدار قرار بحرمان قطر من استضافة تاريخية للمونديال.
وانضمت إلى هذه الوسائل منظمة العفو الدولية التي قالت في تقرير لها منذ أربع سنوات إنه رغم الإصلاحات التي قامت بها الحكومة القطرية والمرحب بها في ملف العمال، فقد ظل الواقع بالنسبة إلى كثير من العمال الأجانب في قطر قاسياً، من دون أن تضع نقاطاً موثقة تثبت بها رأيها. ثم عادت لتكرر بعض الاتهامات في العام الماضي بنفس الطريقة.
التعامل بشفافية
رغم أن معظم الاتهامات كانت من دون أدلة، إلا أن الحكومة القطرية، حسب مراقبين، تعاملت بشفافية مع تقارير المنظمات والهيئات الدولية، التي تتناول أوضاع العمالة الوافدة في قطر.
ورداً على التقرير الصادر عن منظمة العفو الدولية بعنوان "الواقع عن كثب 2021 عام على انطلاق كأس العالم 2022"، أوضحت وزارة العمل القطرية في بيان نشرته في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أن التقرير تجاهل تمكّن نحو 242870 عاملا وافدا من تغيير جهة عملهم منذ الإعلان عن تسهيل إجراءات انتقال العامل بين جهات العمل المختلفة، في شهر سبتمبر/أيلول 2020.
يقول مراقبون لـ"العربي الجديد" إنّ مراجعة سريعة للقوانين والتشريعات والقرارات الوزارية، التي شملت سوق العمل، خلال السنوات الخمس الماضية، تدحض هذه الافتراءات
كما ردت وزارة العمل القطرية، في 19 مايو/أيار 2022، على تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية طالبت فيه الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بالعمل مع قطر من أجل إنشاء برنامج شامل للتعويضات، يقوم على تخصيص 440 مليون دولار من جوائز بطولة كأس العالم لمن أسمتهم "ضحايا الانتهاكات من العمّال الأجانب"، بالتأكيد على أن قطر تواصل تنفيذ إصلاحات سوق العمل بوتيرة تضمن التغيير الشامل والدائم.
وأضافت أن ما حقّقته قطر في بضع سنوات استغرق عقوداً عدّة لتحقيقه في دول أخرى، وهي تمضي بثبات في تعزيز إصلاحات سوق العمل. وافتتحت منظمة العمل الدولية أول مكتب للمشاريع لها في الدوحة في 30 إبريل/نيسان 2018. ويدعم المكتب تنفيذ برنامج تعاون فني شامل بشأن ظروف العمل وحقوق العمال في قطر.
التحقيق في الشكاوى العمالية
حول الشكاوى العمالية، ذكرت وزارة العمل أن عدد الشكاوى التي تلقّتها الشهر الماضي من عمالة منزلية ضد أرباب العمل بلغ 117 شكوى، جرت تسوية 96 منها، وأحيلت 10 شكاوى إلى اللجان، وبقيت 11 شكوى تحت الإجراء.
فيما بلغ عدد الشكاوى المقدمة من عمالة ضد المنشأة الخاضعة لأحكام قانون العمل 2895 شكوى، بقي منها 2040 شكوى تحت الإجراء، بعد تسوية 451 شكوى، وإحالة 404 شكاوى إلى اللجان. وسجلت خلال أغسطس/آب الماضي 1551 قضية محالة إلى لجان فض المنازعات العمالية.
ونفذت وزارة العمل 4602 زيارة تفتيشية، أسفرت عن تقديم التنبيه لـ528 شركة لإزالة المخالفات، وتحرير 910 محاضر ضبط مخالفات، إلى جانب مخالفة 120 منشأة لمخالفتها القرار الوزاري بشأن الاحتياطات اللازمة لحماية العمال من الإجهاد الحراري.
تطوير التشريعات لحماية الحقوق
يقول مراقبون لـ"العربي الجديد" إنّ مراجعة سريعة للقوانين والتشريعات والقرارات الوزارية، التي شملت سوق العمل، خلال السنوات الخمس الماضية، تدحض هذه الافتراءات.
وفي هذا السياق، يقول أستاذ العلوم السياسية والاقتصاد الدولي، رائد المصري، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ قطر اتخذت العديد من الخطوات لتحفيز حركة النشاط الاقتصادي داخلياً، إلّا أنَّ العديد من القوانين والتشريعات الخاصة بالاستثمار استلزمت مرونة للحصول على خدمات ميسرة بسيطة توصله إلى أهدافه الاستثمارية بأسرع وقت.
وفي ما يتعلق بسوق العمل، يبيّن المصري أنّ الدولة الخليجية الغنية بالغاز أجرت حزمة من الإصلاحات الهيكلية، ساهمت بشكل ملحوظ في زيادة ديناميكية السوق وتحريره من المعوقات، وهي إجراءات مهمة وتحفيزية للعمالة الوافدة، وتراعي احتياجات السوق وحركته حتى يتطور قطاع الأعمال ويزيد من قدرته التنافسية.
إصلاحات سوق العمل
يقول المستشار القانوني الأول في مكتب سلطان النعيمي للمحاماة، يوسف الطويل، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ إصلاحات سوق العمل في قطر منحت العامل الثقة بالنفس، والشعور بصون حقوقه وفقاً للقانون، لافتاً إلى أنّ الحديث عن هذه الخطوات التشريعية والقانونية يحتاج إلى كثير من الحبر والورق، نذكر منها تحديد ساعات العمل في الصيف وتوقف العمل تحت أشعة الشمس وقت الظهيرة، ونظام حماية الأجور، وإقرار لجنة فض المنازعات العمّالية بهدف تحسين الوصول إلى العدالة عن طريق فض المنازعات العمّالية في غضون ثلاثة أسابيع من تقديم العامل الوافد للشكوى.
صدر عام 2018، قانون بإنشاء صندوق دعم وتأمين العمّال. ويهدف إلى حمايتهم من عدم صرف مستحقاتهم في حال إغلاق صاحب العمل المنشأة
ويلفت إلى أنّ قطر عملت على حماية العمّال من التعرض للاستغلال، عبر وضع نظام حماية الأجور (WPS)، والذي يسعى لإنهاء ثقافة دفع الرواتب نقداً، يُمكّن النظام السلطات القطرية من مراقبة دفع الأجور، وضمان حصول العمّال الوافدين على رواتبهم كاملة في الوقت المحدد دون تأخير، كما هو منصوص عليه في عقودهم.
وأشار المستشار القانوني إلى أنّ قطر وظّفت مفتشين ومفتشات عمل يتحدثون لغات عدة لديهم مهارات متخصصة في تفتيش العمل، مما يتيح لهم تقديم التقارير إلكترونياً وبصورة فورية، كما أقرت الحكومة إلزامية التأمين الصحي ليكون شرطا أساسياً لمنح تصاريح الإقامة والعمل.
كما صدر عام 2018، قانون بإنشاء صندوق دعم وتأمين العمّال. ويهدف إلى حمايتهم من عدم صرف مستحقاتهم في حال إغلاق صاحب العمل المنشأة، أو في حال أجبر على الإغلاق بسبب نشاط غير قانوني.
وفي مطلع عام 2020، ألغى قرار وزاري تصاريح الخروج لجميع الوافدين من غير الخاضعين لقانون العمل، وسمح القانون للعمال الوافدين، ومنهم المستخدمون في المنازل، بمغادرة البلاد من دون الحصول على إذن مسبق من صاحب العمل، عدا العاملين في الجهات العسكرية.
ومُنح صاحب العمل الحق في تقديم طلب مسبب ومسبق لوزارة الداخلية بأسماء من يرى ضرورة إعطاء موافقته المسبقة قبل مغادرتهم للبلاد بسبب طبيعة عملهم، بما لا يتجاوز 5% من عدد العاملين لديه.
إشادات دولية
أشاد التقرير السنوي للاتحاد الأوروبي حول "حقوق الإنسان والديمقراطية في عالم 2021" الصادر في إبريل/نيسان 2022، بالإصلاحات التي أجرتها قطر في مجال حقوق العمال، كإلغاء نظام الكفالة، وإقرار الحد الأدنى للأجور.
وقال التقرير الأوروبي إن العمال الأجانب يمثلون 88% من سكان البلاد، وإصلاح قانون العمل جعل من قطر الدولة الأولى في منطقة الخليج العربي التي تسمح للعمال بتغيير وظائفهم قبل انتهاء عقودهم، ومن دون الحصول على موافقة صاحب العمل، كما أنها باتت ثاني دولة في منطقة الخليج تضع حداً أدنى للأجور.
وفي مارس/آذار 2021 بدأت قطر تطبيق حد أدنى للأجور يبلغ ألف ريال (275 دولاراً) شهرياً لجميع الموظفين في كلّ القطاعات، بما في ذلك مستخدمو المنازل. وعلى صاحب العمل أن يدفع أيضاً 500 ريال شهرياً بدل سكن، و300 ريال شهرياً بدل غذاء، إلّا في حال توفيره السكن الملائم والغذاء للعامل (الدولار = نحو 3.65 ريالات).
وقالت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للهجرة لدى قطر، إيمان يونس عريقات، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، إن قطر هي أولى دول المنطقة التي تطبق حداً أدنى غير تمييزي للأجور، وهو جزء من سلسلة من الإصلاحات التاريخية لقوانين العمل في الدولة.
وأشاد رئيس الاتحاد الدولي لنقابات آسيا وأفريقيا، سعود الحجيلان، بالإجراءات والإصلاحات التي اتخذتها قطر لصالح العمال، وقال في تصريح سابق لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، إن قرار الدوحة، بشأن تطبيق الحد الأدنى للأجور للعمال الوافدين، خطوة رائدة في منطقة تتميز بكثافة العمالة الوافدة، منوهاً بجهود قطر من أجل تحسين ظروف العمل.
وحسب تصريحات رئيس غرفة تجارة وصناعة قطر، الشيخ خليفة بن جاسم آل ثاني، لصحف محلية، فقد استطاعت قطر خلال السنوات القليلة الماضية أن تجري سلسلة من الإصلاحات والتحسينات والتشريعات في سوق العمل، بهدف توفير بيئة عمل مناسبة وحماية العمالة الوافدة وتوفير السكن اللائق.
ويؤكد أنه في سبيل تحقيق ذلك، تعاونت الدولة الخليجية مع شركاء دوليين لإصلاح سوق العمل، مثل منظمة العمل الدولية والعديد من المنظمات غير الحكومية.
كما عملت الحكومة بشكل وثيق مع مجتمع الأعمال والذي يشمل الشركات القطرية والأجنبية، لضمان امتثالها لهذه المعايير، لافتاً إلى أنَّ هذه الإصلاحات حقَّقت التوازن المطلوب بين حقوق العمالة وحقوق أصحاب الأعمال.
أصحاب الشركات
حتى تكتمل ملامح القصة حاولنا الإجابة على سؤال: كيف يرى مديرو وأصحاب الشركات الخطوات الإصلاحية لسوق العمل؟
يقول مدير عام شركة إكسل للصناعات المعدنية، فادي ساسين، لـ"العربي الجديد"، إن كافة القوانين والقرارات التي صدرت أخيراً وتخص العمالة وتحفظ حقوق العمال، جيدة، لكن على أرض الواقع نعاني من آلية التطبيق، مثل قرار السماح للعامل بتغيير جهة العمل وفق رغبته.
يضيف: "هذا ممتاز ومن حق العامل، لكن المشكلة لدى الشركات في تأمين بديل لهذا العامل، إذ تقدّم إدارة الشركة على تأشيرة لعامل بديل، وفقاً لحاجة الشركة، وهنا تتمثل المشكلة في الانتظار فترة طويلة للمراجعة وتقديم المستندات في أكثر من جهة رسمية، ما يؤخر مسيرة العمل اليومية وينعكس سلباً على أداء الشركة".