ورطة اقتصادية للسلطة التونسية.. المخزونات السلعية نحو النفاد

16 أكتوبر 2022
معيشة التونسيين تزداد صعوبة وسط عجز حكومي في مواجهة الأزمات (غادي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -

تُضعف الأزمات المتتالية مخزونات تونس الاحتياطية من المواد الأساسية، بعد أن لجأت السلطات في أكثر من مناسبة إلى استعمال مخزوناتها الاستراتيجية لتحسين العرض في الأسواق، وسط تحذيرات من تداعيات الأزمة المالية على قدرة السلطات على إعادة تكوين احتياطيات جديدة من الغذاء والطاقة والدواء.
وتعيش تونس منذ أشهر على وقع غضب شعبي بسبب أزمة التموين المتفاقمة، والتي تتوسع معها يوميا قائمة المواد المختفية من السوق، ما يضطر الحكومة إلى استعمال المخزونات الاحتياطية المخزنة لامتصاص جزء من الأزمة.
وتتولى المؤسسات الحكومية، المكلفة بالشراءات العمومية للمواد الحيوية من حبوب ودواء وطاقة وسكر، تكوين مخزوناتها الاحتياطية سواء عبر الإنتاج المحلي أو الواردات، غير أن عدم توفر السيولة لخلاص المزودين تدفع السلطات إلى استعمال المخزون الاحتياطي الذي يتم استنفاده أحيانا.
ويقول عضو النقابة الأساسية لمصنع السكر الحكومي أحمد الوحيشي إن المصنع يوفر احتياطيا استراتيجيا سنويا بالتوازي مع الإنتاج بما يقدر بـ7 آلاف طن يتم تخزينها في مستودعات المصنع، غير أن نقص العرض المحلي الناجم عن تأخر الشحنات الموردة من قبل ديوان التجارة أدى إلى استنزاف كامل الاحتياطي.
ويؤكد الوحيشي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن المصنع بصدد تكوين مخزون جديد مع عودة الإنتاج ووصول باخرة تحمل مواد أولية من القصب السكري بنحو 27 ألف طن، معتبرا أن تكوين الاحتياطي أمر مهم لضمان انتظامية تزويد السوق وكبار المصنعين.

غير أنه يضيف أن تكوين احتياطي بـ7 آلاف طن سيكون صعبا نظرا للطلب الكبير على السكر، مرجحا ألا يتجاوز الاحتياطي 4 آلاف طن خلال المرحلة الحالية وفق تقديره.
ويحذر خبراء اقتصاد من مخاطر تآكل احتياطي المواد التموينية الأساسية، وتواصل شح السيولة المالية في ظل تأخر الحلول لأزمة المالية العمومية، وعدم توصل السلطات إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وبداية الأسبوع الماضي بدأ وفد رفيع المستوى محادثاته مع خبراء صندوق النقد الدولي في واشنطن، بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي يسهّل صرف قسط أول من قرض قد تتراوح قيمته ما بين 2 و4 مليارات دولار.

ويقول وزير المالية السابق سليم بسباس: من بين الأسباب الأساسية لهبوط احتياطي البلاد من المواد الأساسية هو تراجع الترقيم السيادي لتونس الذي تسبب في طلب المزودين للضمانات المالية الكافية مقابل تفريغ شحنات الحبوب والبترول والسكر.
وأكد بسباس في تصريح لـ"العربي الجديد" أن المزودين أصبحوا أكثر تشددا مع ارتفاع المخاطر على السندات التونسية، وعدم قبول مؤسسات القرض الأجنبية فتح اعتمادات بنكية لتسيير خلاص المزودين.
وبداية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أعلنت وكالة موديز للتصنيف الائتماني، عن وضع تصنيف تونس عند CAA1 قيد المراجعة من أجل الخفض.
ووصلت معدلات التضخم إلى معدل قياسي بلغ 9.1 بالمائة، وهو أعلى معدل منذ ثلاثة عقود، بحسب المعهد الوطني للإحصاء (حكومي).
وتقول المديرة العامة لشركة "ستير" المورد الحكومي للمحروقات، فاختة المحواشي، أن تونس لجأت إلى احتياطي المحروقات لتلبية الطلب المتزايد على البنزين، مؤكدة أن الأمر متوقع بسبب تأخر الشحنات.

وأفادت المحواشي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن اللجوء إلى استعمال الاحتياطي أمر متواتر ويحصل عند الحاجة لذلك، مشيرة إلى عوامل، منها تأخر أحيانا وصول البواخر إلى الموانئ يضطر الشركة إلى تزويد السوق من المخزون الاحتياطي.

يحذر خبراء اقتصاد من مخاطر تآكل احتياطي المواد التموينية الأساسية، وتواصل شح السيولة المالية في ظل تأخر الحلول لأزمة المالية العمومية


غير أنها فضلت عدم الكشف عن كمية هذا المخزون ومدى قدرته على تغطية الطلب للفترة القادمة.
في المقابل، يؤكد الخبير الطاقي والمسؤول السابق بديوان وزير الطاقة حامد الماطري، أن السلطات مطالبة بالحفاظ على المخزونات الاستراتيجية من المواد الأساسية والعملة الصعبة، مؤكدا أن معدل المخزون الاستراتيجي في المنطقة هو تسعون يوما من الاستهلاك.
وأفاد الماطري في تصريح لـ"العربي الجديد" أن متوسط مخزون الطاقة في تونس لا يجب أن يقل عن 60 يوما.
وأشار إلى أن البلاد لجأت إلى المخزونات الاحتياطية منذ ظهور بوادر أزمة الطاقة في أغسطس/ آب.
ورجّح الماطري أن يواجه التونسيون شتاء صعبا نسبيا بسبب تواتر أزمات التموين وتراكم المشاكل التي حولت الأزمة إلى ما يشبه كرة الثلج في غياب مساعٍ جدية للبحث عن حلول جذرية، بحسب قوله.
وتعاني المؤسسات الحكومية المكلفة بالشراءات، على غرار ديواني التجارة والحبوب وشركة الستير والصيدلية المركزية، من ارتفاع ديونها لدى البنوك واختلال توازناتها الماضية.
وتكشف بيانات رسمية أن ديوان التجارة (المورد الحصري للسكر والقهوة والشاي والأرز) استنفد منذ سنة 2011 أمواله الذاتية لتصبح سلبية بـ 234 مليون دينار سنة 2021، كما لجأت مؤسسة التموين إلى التداين بداية من 11 عاماً لدى الجهاز البنكي بمبلغ قدره 370 مليون دينار، مما نتج عنه تحمل الديوان لأعباء مالية كبيرة (الدولار = نحو 3.3 دنانير).
وتضغط أزمة شح السيولة وصعوبات التموين على احتياطي العملة لدى البنك المركزي التونسي الذي تراجع إلى مستوى 108 أيام من الواردات، بما قيمته 23.6 مليار دينار بينما يواصل الدينار تراجعه أمام العملات الأجنبية.

المساهمون