واشنطن تسابق الزمن لطي أزمة رفع سقف الدين مع زيادة المخاطر المالية

15 مايو 2023
قلق في وول ستريت من التخلف عن السداد (Getty)
+ الخط -

تسابق واشنطن الزمن لطي أزمة رفع سقف الدين العام بعد تجاوزه 31.4 تريلويون دولار، وهو ما يزيد عن السقف الذي حدده الكونغرس للحكومة بحيث لا يجوز السحب أكثر منه.

ويسعى قادة من الكونغرس والبيت الأبيض إلى صياغة اتفاق لرفع سقف الديون الفيدرالية، قبل أسابيع قليلة من إعلان وزارة الخزانة الأميركية أنها قد لا تكون قادرة على تجنب تعثر الولايات المتحدة وعدم القدرة على الإيفاء بالتزاماتها المالية.

وجاء هذا التحرك وسط توقعات بحدوث فوضى مالية إذا لم تتمكن واشنطن من سداد فوائد سندات الخزانة ورفع سقف الدين العام الذي يتيح للحكومة سداد أعباء الديون.

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن، أمس الأحد، إنه يتوقع أن يجتمع مع زعماء بالكونغرس غدا الثلاثاء، لإجراء محادثات بشأن خطة لرفع سقف الدين وتجنب تخلف عن السداد قد يسفر عن أزمة كبيرة.

وفي تصريحات إلى الصحافيين في ولاية ديلاوير، قال بايدن إنه لا يزال متفائلا بشأن التوصل إلى اتفاق. وكان من المقرر أن يجتمع بايدن مع أعضاء مجلس النواب يوم الجمعة، لكن الاجتماع أُجّل.

وقال بايدن إنه تلقى تحديثا حول كيفية سير المحادثات بين مسؤولي الإدارة ونظرائهم في الكونغرس.

وأضاف: "ما زلت متفائلا لأنني متفائل بطبعي"، وعبر عن اعتقاده أن هناك رغبة لدى الجانبين للتوصل إلى اتفاق. وقال: "أعتقد أننا سنكون قادرين على تحقيق ذلك".

بايدن يتوقع أن يجتمع مع زعماء بالكونجرس غدا الثلاثاء لإجراء محادثات بشأن خطة لرفع سقف الدين وتجنب تخلف عن السداد قد يسفر عن أزمة كبيرة

في شأن مخاطر التأخر في رفع سقف الدين، قال كبير الاقتصاديين في شركة موديز للتصنيف الائتماني، مارك زاندي: "يمكنك أن ترى كيف يمكن أن يؤدي هذا الفشل إلى فوضى مالية ويدمر النظام المالي بأكمله، الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى تدمير الاقتصاد".

وكانت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، قد ذكرت أن الوزارة قد تكون قادرة فقط على الاستمرار في سداد التزامات الحكومة حتى الأول من يونيو/ حزيران المقبل قبل نفاد الأموال، إذا لم تتمكن الحكومة من الاقتراض أكثر.

وهذا الموعد النهائي المحدد يعتمد على الإيرادات الضريبية ومستوى الإنفاق الذي يتقلب وفقاً لمعدلات تحصيل الضرائب من أسبوع لآخر.

وحسب تقرير في صحيفة " واشنطن بوست"، من المحتمل أن تتفاقم الآثار المتتالية للتخلف عن سداد الالتزامات المالية، فالتوقف المؤقت في المدفوعات الفيدرالية سيضر بكل مكونات الاقتصاد الأميركي، وتشمل تداعياته السلبية سوق الأسهم، كما سيضر بدوره في الاقتصاد الكلي، ومن المتوقع أن تمتد التفاعلات إلى انهيار قطاع المساكن وارتفاع أسعار الفائدة وعدم استقرار النظام المالي العالمي.

وتشير بعض التقديرات التي أوردها التقرير إلى أنه يمكن يقود التخلف عن السداد إلى شطب أكثر من 8 ملايين وظيفة. وقد ترتفع معدلات الرهن العقاري بأكثر من 20%، وفقًا لبعض التوقعات، وبالتالي ربما ينكمش الاقتصاد بنفس المعدل الذي حدث خلال فترة الركود العظيم عام 2008.

لكن ما يؤكده الاقتصاديون قبل كل شيء هو عدم القدرة على التنبؤ بكامل تداعيات خطوة التخلف عن السداد، أو عدم قدرة الحكومة الأميركية على الدفع للفواتير والالتزامات والمخصصات، خاصة إذا استمرت عقبة التوصل إلى اتفاق لأسابيع أو لأشهر.

حتى الآن ، لم تتأرجح الأسواق المالية كثيراً بسبب المواجهة المتعلقة بسقف الديون العامة الأميركية

ويشدد الخبراء على أن أسوأ السيناريوهات غير المرجحة أن المخاطر ستتضاعف بشكل كبير في حال استمرار المواجهات بين الحزبين، الديمقراطي الحاكم والجمهوري، بشأن رفع سقف الدين.

في هذا الصدد، قالت كلوديا سام، وهي اقتصادية ليبرالية عملت في مجلس الاحتياط الفيدرالي: "لا نعرف التداعيات : مثل هذا لم يحدث أبدًا من قبل... وما يجعلني قلقة للغاية هو أنني لا أستطيع التخطيط  ولا أعتقد أن أي شخص يمكنه ذلك".

عوامل القلق
حتى الآن، لم تتأرجح الأسواق المالية كثيراً بسبب المواجهة المتعلقة بسقف الديون العامة الأميركية، حيث ارتفع سعر التحوط ضد التخلف عن السداد من قبل الحكومة الأميركية، كما ارتفعت تكلفة السندات الحكومية المستحقة، ما يعكس شكوكًا بشأن السداد.

لكن هذه الهزات ليست ملحوظة لمعظم الأسر في البلاد بعد. ولكن من المتوقع أن يتغير رد فعل الأسواق المالية كلما اقتربت الحكومة من التخلف عن السداد.

ويقول خبراء في هذا الصدد، لـ"واشنطن بوست"، إن صدمة السداد ستتفاعل في النظام المالي كله، وستصل إلى الأسهم والسندات وصناديق الاستثمار المشتركة والمشتقات المالية، قبل أن تتسرب إلى الاقتصاد الأوسع.

ومن المحتمل أن تنخفض الأسهم بسبب توقع حدوث تباطؤ اقتصادي أوسع، حيث ترتفع أسعار الفائدة ويسحب المستثمرون الأموال من السوق للحفاظ على السيولة قصيرة الأجل التي يحتاجونها. ويمكن للقطاع المصرفي، الذي يشعر بالقلق بالفعل، التردد في تقديم قروض جديدة وأن يتشدد أكثر في منح القروض.
في المرة الأخيرة التي اقتربت فيها الحكومة الأميركية من التخلف عن السداد، تعرضت الأسهم لهزات، ففي عام 2011، حينما حدثت مواجهة بين الرئيس باراك أوباما والجمهوريين في الكونغرس حول زيادة سقف الدين السيادي، انخفضت المؤشرات الرئيسية بنحو 20 في المئة.

تقلبات حادة في أسواق الأسهم

من جانبه، يتوقع مايكل ويلسون، الخبير الاستراتيجي لدى مصرف "مورغان ستانلي"، أن يُحدث النقاش حول رفع سقف اقتراض الحكومة الأميركية، البالغ 31.4 تريليون دولار، بعض التقلبات الحادة في أسواق الأسهم.

قد يؤدي تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها بإطلاق موجة بيعية في السوق، وارتفاع تكاليف الاقتراض، وقد يوجه ضربة للاقتصاد العالمي

ووفق "بلومبيرغ"، كتب ويلسون في مذكرة: يعتقد معظم العملاء أنه الأمر سيُحلّ في نهاية المطاف، ولكن ليس من دون بعض التقلبات على المدى القريب.

وأضاف أنه حتى لو تم رفع سقف الدين بحلول الموعد الذي تنفد فيه أموال وزارة الخزانة، فإن ذلك من المحتمل أن يضغط على السيولة، ويقود مؤشر "إس أند بي 500" للانخفاض، نظرًا لحساسية المؤشر للتغيرات في السيولة في التاريخ الحديث.

وقد يؤدي تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها لإطلاق موجة بيعية في السوق، وارتفاع تكاليف الاقتراض، وقد يوجه ضربة للاقتصاد العالمي.

وأظهر تحليل تاريخي من قبل استراتيجيي "مورغان ستانلي" أن أسهم الطاقة والمرافق كانت الأفضل أداءً نسبيًا خلال مناقشات سقف الديون السابقة.

10 تريليونات دولار

من جهتها، قدرت وكالة موديز للتصنيف الائتماني أن أسعار الأسهم الأميركية يمكن أن تنخفض بنحو الخمس في حال عدم رفع سقف الدين، ما يؤدي إلى القضاء على 10 تريليونات دولار من ثروة الأسر وتدمير حسابات التقاعد لملايين الأميركيين.

وقدر البيت الأبيض أن الانخفاض قد يقترب من 45 في المائة. وقد يرتعد سوق السندات البالغ 46 تريليون دولار أيضاً، حيث من المتوقع أن تنهار قيم سندات الخزانة الحالية بسبب ارتفاع العوائد على السندات الجديدة. ومن المرجح أن توقف الشركات التوسع، ما يؤدي إلى انخفاض سوق الأسهم أكثر.

مخاطر الدولار
على صعيد العملة الأميركية، يقول خبراء إن التخلف عن السداد قد يضر بمكانة الولايات المتحدة على المسرح العالمي، من خلال الكشف عن عمق الخلل السياسي الداخلي للبلاد.

وبالفعل، لاحظ خبراء ماليون بعض الإشارات المبكرة على أن الاقتصاد العالمي بدأ في التخلص من اعتماده على الدولار، حيث دعت دول مثل البرازيل وماليزيا إلى التجارة بعملات أخرى.

لا تزال نحو 60% من عمليات تبادل العملات الأجنبية تتم بالدولار، لكن التخلف عن سداد ديون الولايات المتحدة قد يغير ذلك ويؤدي إلى تدهور العملة

لكن رغم ذلك، لا تزال نحو 60 في المائة من عمليات تبادل العملات الأجنبية تجرى بالدولار، لكن التخلف عن سداد ديون الولايات المتحدة قد يغير ذلك ويؤدي إلى تدهور قيمة العملة الأميركية.

وقالت يلين، في اليابان، يوم الخميس، للصحافيين: "إن التخلف عن السداد من شأنه أن يخاطر بتقويض القيادة الاقتصادية العالمية للولايات المتحدة ويثير تساؤلات حول قدرتنا على الدفاع عن مصالح أمننا القومي".

وأضافت: "قد يكون هناك شيء أكثر جوهرية على المحك يرتبط  بمصداقية الحكومة الأميركية، ويلقي بظلال من الشك على قدرة الحكومة الفيدرالية، ليس فقط على الاستجابة لحالات الطوارئ، ولكن أيضًا للوفاء بواحدة من وظائفها الأساسية، وهي دفع الفواتير".

وأضافت: "إذا لم تستطع الولايات المتحدة فعل ذلك، فقد يتساءل المواطنون والقادة في البلدان الأخرى عما تستطيع  أميركا فعله بعد الآن".

الاقتصاد العالمي
 بشأن الاقتصاد العالمي وتأثره بأزمة رفع سقف الدين الأميركي، تحفظ العديد من الدول مواردها المالية عن طريق شراء كميات كبيرة من ديون الحكومة الأميركية، التي يُنظر إليها على نطاق واسع أنها واحدة من أكثر الأصول أمانًا في العالم. لكن عدم رفع سقف الدين والتخلف عن السداد يمكن أن يؤديا إلى انخفاض قيمة تلك السندات، ما يضر باحتياطيات العديد من الدول.

كما يخشى اقتصاديون أن يؤدي ذلك إلى زيادة كبيرة في ديون البلدان النامية والفقيرة، مثل سريلانكا وباكستان، مع احتمال تصاعد الاحتجاجات وعدم الاستقرار الجيوسياسي العالمي.

ورغم أن زيادة مجلس الاحتياط الفيدرالي أسعار الفائدة خلال العام الماضي حدت من التضخم بالفعل، فإنها أدت إلى تآكل قيمة السندات للعديد من الدول. ووفقًا لمجلس العلاقات الخارجية، فإن أكثر من نصف احتياطيات العملات الأجنبية في العالم محتفظ بها بالدولار.

كلفة الاقتراض
الحكومة الفيدرالية قادرة على اقتراض الأموال بسعر رخيص نسبيًا، لأنه يُنظر إليها على أنها مخاطر ائتمانية آمنة للغاية، ولا يتوقع أحد في الظروف العادية أنها قد تعجز أو تتأخر عن تسديد أي مدفوعات. وتعد سندات الحكومية الأميركية لبنة أساسية في النظام المالي العالمي.

موقف
التحديثات الحية

وتعتبر الخزينة الأميركية التي تُعدّ احتياطياً لكل شيء، بدءًا من البنوك المركزية للدول الأجنبية إلى صناديق أسواق المال، واحدة من أكثر الاستثمارات المتاحة أمانًا وسيولة، وأي اهتزاز في سمعتها سيؤدي إلى التقلب وعدم اليقين في جميع أنحاء العالم.

وفي هذا الصدد، يقول اقتصاديون إن الحسم الذي تتمتع به الولايات المتحدة لعقود من الزمن على الاقتراض يمكن أن ينتهي.

وحسب تقديرات معهد بروكينغز في واشنطن، فإن التخلف عن السداد قد يزيد تكاليف الاقتراض للحكومة الأميركية بمقدار 750 مليار دولار على مدى العقد المقبل.

وعلى صعيد الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي، يتلقى أكثر من 60 مليون شخص مدفوعات الضمان الاجتماعي الشهرية، معظمهم من كبار السن. ويعتمد عدد مشابه على الحكومة في التأمين الصحي.

المساهمون