هل يرفع المركزي المصري الفائدة؟

29 مارس 2023
رفع الفائدة يؤدي إلى زيادة أعباء الاقتراض ويضغط على الموازنة المصرية (العربي الجديد)
+ الخط -

تجتمع لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري غداً الخميس، لاتخاذ قرار بخصوص أسعار الفائدة على الجنيه المصري. ويأتي هذا الاجتماع بعد ثمانية أيام من آخر اجتماع عقده مجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" وقرر فيه رفع معدل الفائدة الفيدرالية بربع بالمائة.

وقالت "رويترز" إن استطلاعاً للرأي قامت به، وشمل 15 محللاً اقتصادياً، أظهر توقع أغلبهم رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة الأساسية لديه 200 نقطة أساس (2%)، في إطار محاولاته للسيطرة على التضخم المتصاعد.

وأشارت رويترز إلى أن سبعة من المحللين توقعوا زيادة قدرها 300 نقطة أساس. وقبل استطلاع رويترز، توقعت بنوك "إتش إس بي سي" و"ستاندرد أند بورز" و"غولدمان ساكس"، وشركتا "فيتش سوليوشنز" و"العربية أونلاين"، رفع البنك المركزي سعر الفائدة 3% في اجتماع يوم الخميس.

وجاءت كل تلك التوقعات على الرغم من تثبيت البنك المركزي الفائدة الشهر الماضي، واقتناع الكثيرين بأن الفائدة على الجنيه بلغت ذروتها، بعد رفع 800 نقطة أساس (8%) في أقل من عام.

يقول البنك المركزي إنه يرفع الفائدة لمحاربة التضخم، ويقول مسؤولون مصرفيون إنه يرفعها لتعويض حاملي العملة المصرية عن تراجع قيمة ما بحوزتهم، مع الارتفاع المستمر لسعر الدولار مقابل الجنيه.

ورغم كل هذا الرفع في سعر الفائدة، لم يحصل المصريون على عائد يعوض ضياع خمسين بالمائة فقدتها العملة المصرية من قيمتها منذ مارس/ آذار الماضي، ولم يتراجع التضخم، بل ارتفع إلى مستويات غير مشهودة في سنوات، حيث أظهرت البيانات الرسمية تجاوز معدله الأساسي في البلاد 40%، ولم يتوقف ارتفاع سعر الدولار في مصر.

والأسبوع الماضي، بدأت شهادات الإيداع التي أطلقها بنكا الأهلي ومصر في ذات التوقيت من العام الماضي، مع التخفيض الأول في سعر الجنيه منذ الربع الأول من عام 2017، في الاستحقاق، وكانت تدفع عائداً 18%.

استهدف البنك المركزي وقتها، من خلال ذراعيه في القطاع المصرفي، سحب السيولة بالجنيه من السوق، خوفاً من توجهها للمضاربة على الدولار. وبالفعل، نجح البنكان في جمع ما يقرب من 750 مليار جنيه، التي يتوقع أن تعود إلى الأسواق حالياً، بعوائدها.

كل هذه المليارات تحلم بشهادات جديدة تدفع عائداً يعوض التراجع المتوقع للعملة المصرية خلال الفترة القادمة. وقد يكتفي البنك المركزي بما هو متاح في الوقت الحالي لدى البنوك، رغم ما قد يسبب ذلك من محاولة هذه المليارات شراء العملة الأجنبية من الأسواق، أو الذهب، وهو ما يؤدي عادة إلى قفزة كبيرة في السعر في السوق غير الرسمية، يعقبها ارتفاع مقارب في السوق الرسمية.

ومن ناحية أخرى، ما زالت مليارات الدولارات الخليجية تنتظر اللحظة المناسبة للهجوم على أوراق الدين بالعملة المصرية (الأموال الساخنة)، لكنها تتعمد التباطؤ، انتظاراً لسعر أفضل لتحويل دولاراتها إلى الجنيه، وربما معدل فائدة أعلى على أدوات الدين، التي تدفع حالياً ما يدور حول 22%، معفاة من الضرائب للأجانب فقط.

لم تفلح محاولات استقطاب الأموال الساخنة من جديد، رغم رفع الفائدة وتخفيض قيمة الجنيه، مع العلم أن هذه الأموال كانت سعيدة بمعدل فائدة على أدوات الدين في حدود 15%، وذلك بعد تحويل الدولارات إلى جنيه بسعر يقلّ عن 16 جنيهاً للدولار، مطلع العام الماضي.

أما الآن، فلا يبدو أن أسعار العملة والعائد المتاحين ترضي المستثمرين، على ارتفاعها، وهو ما يعكس توقعهم المزيد من التراجع في قيمة الجنيه، أو الارتفاع في معدل الفائدة.

وتجدر الإشارة إلى أن وزير المالية محمد معيط، كان قد أعلن في أكثر من مناسبة، رفضه الاعتماد على الأموال الساخنة مرة أخرى، بعد أن اكتوينا بنارها "ثلاث مرات" على حد تعبيره. لكن يبدو أن المثل الشعبي صدق حين قال: "المحتاجة ترضى بأي حاجة".

لن يجدي رفع الفائدة على الجنيه المصري في الوقت الحالي، كما لم يجد خلال السنة الماضية. ولن تأتي الأموال الساخنة، مع تحفظي الشديد على اعتبارها الحل الوحيد لأزمتنا، إلا بعد التأكد من اقتراب سعر الجنيه مقابل الدولار من الاستقرار، وهذا بالتأكيد لن يحدث برفع الفائدة عليه.

وفي أميركا، رفع البنك الفيدرالي الفائدة للمرة التاسعة على التوالي، بإجمالي رفع 475 نقطة أساس (4.75%)، إلا أن أسواق العقود المستقبلية والآجلة تعكس توقعات على نطاق واسع بالاقتراب من نهاية دورة الرفع الحالية.

وفيما تعكس توقعات البنك الفيدرالي نفسه وصول الفائدة الفيدرالية إلى ذروتها برفع 50 – 25 نقطة أساس إضافية، يكثر الحديث في أروقة "وول ستريت" حالياً عن إمكانية بدء البنك المركزي في تخفيض الفائدة اعتباراً من الصيف القادم، وهو ما يرفع الضغوط عن أغلب الأسواق الناشئة والنامية، ومنها مصر بالتأكيد، في ما يخص رفع الفائدة.

وخلال الأشهر الأخيرة، بدأت علامات تؤكد تراجع التضخم في أغلب الاقتصادات الكبرى، وأشارت رئيسة صندوق النقد الدولي إلى أن الأسواق لديها مبرر للتفاؤل.

وحين ارتفع أحد مؤشرات التضخم في بريطانيا الشهر الماضي، أكد مسؤولون حكوميون أن الارتفاع سيكون مؤقتاً، وأن التضخم سيعاود تراجعه خلال الأشهر التالية.

ومع أزمات البنوك في الاقتصادات الكبرى، تشير التوقعات إلى الاقتراب من إنهاء دورة رفع الفائدة، والبدء بالتخفيض، وهو ما عكسته بالفعل معدلات العائد على سندات الخزانة الأميركية، التي تراجعت بصورة واضحة خلال الأسبوعين الماضيين.

موقف
التحديثات الحية

رفع الفائدة لن يأتي بالمستثمرين، ولن يدعم الجنيه، ولن يساعد المستورد على توفير العملة الأجنبية، بل سيسبب ارتفاع تكاليف الاقتراض، للحكومة والشركات والأفراد.

سيؤدي رفع الفائدة إلى زيادة أعباء الاقتراض، وسيضغط على الموازنة المصرية، ما يؤدي إلى ارتفاع عجزها، وتخفيض المبالغ الموجهة للإنفاق الحكومي على التعليم والصحة والبحث العلمي والإنفاق الاجتماعي.

قد يحتاج البنك المركزي المصري للتروي مرة أخرى في هذا الاجتماع، إذ ربما بدأت دورة تخفيض الفائدة قبل موعد الاجتماع التالي، أو على الأقل تظهر إشاراتها في الآفاق.

المساهمون