هل يدوم الصراع الروسي الغربي؟

01 فبراير 2023
روسيا توجه المزيد من صادرات الغاز نحو الصين لتجنب العقوبات الغربية (Getty)
+ الخط -

ما إن اشتعلت الحرب شرقي أوروبا بين روسا وأوكرانيا، حتى وضع الجميع الطاقة على الطاولة كأداة للتلويح. فمعسكر الغرب بزعامة الولايات المتحدة يعلن المقاطعة، بعد أشهر من التردد، ويضع أسقفاً لأسعار الطاقة الروسية، وموسكو تلوح بقطع الإمدادات، لتستمر المعركة منذ فبراير/ شباط 2022.

وتعددت مناورات الطرفين في ذات الشأن، خلال تلك الفترة، إذ أعلنت شركة غازبروم التابعة للحكومة الروسية إغلاق خط الغاز من أجل أعمال الصيانة إلى أجل غير مسمى مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي، ثم بعدها بثلاثة أسابيع حادثة تدمير خطي نورد ستريم 1 و 2 لنقل الغاز بين روسيا وألمانيا، أكبر المستوردين، وتفرقت دماء هذين الخطين بين الدول، إذ لم نعرف على وجه اليقين من سبّبها.

وتجدر الإشارة إلى أن طاقة الخطين الاستيعابية تزيد على 110 مليارات متر مكعب، ما يعادل نصف صادرات روسيا من الغاز الطبيعي.

وفي أعقاب ذلك، عمدت موسكو إلى تصدير الغاز إلى كل من الهند والصين وباكستان، وحولت مسار صادراتها من الطاقة من الغرب إلى الجنوب الشرقي، إلّا أنّ الدول الغربية عملت على الحد من التداعيات، باستخدام الطرق المتاحة كافة.

ولجأت أوروبا إلى التعامل من خلال الغاز المسال، واللجوء إلى خطط تقشفية داخل البلاد، مع دعم الأسر داخلياً لتعويضهم عن ارتفاع الأسعار.

وتوسعت الدول الأوروبية في تنويع مصادر إمدادها بالغاز، باللجوء إلى أسواق أخرى، في قطر ومصر والجزائر، وكذلك في الداخل الأفريقي، كالكونغو الديمقراطية وموزمبيق وتنزانيا وغيرها، ما أعطى فرصة لاقتصادات العديد من تلك الدول لمواجهة الأزمات الاقتصادية بكميات ضخمة من العملة الصعبة.

وجاء الرد الروسي من خلال توجيه مبيعات منتجات الطاقة من بلاده إلى جنوب شرق آسيا، وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن روسيا أصبحت أحد أكبر موردي النفط والغاز للصين.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

وبحسب قناة "سي ان بي سي" CNBC الإخبارية، فقد ضخت روسيا للصين 13.8 مليار متر مكعب من الغاز عبر خط أنابيب "قوة سيبيريا" في أول 11 شهراً من عام 2022.

وتشير التغيرات الحادثة أخيراً على الجانبين إلى تعقد الصراع، وتفاقم الخسائر لدى الطرفين، ما يزيد صعوبة التنبؤ بما يمكن أن تصير إليه الأمور، فالطرفان يتضرران، وعملية عضّ الأنامل ما زالت مستمرة.

حولت روسيا صادراتها إلى الشرق، وتسعى لبناء خط غاز جديد يضاعف صادراتها إليه، فيما تأثرت الصناعة الألمانية والأوروبية المعتمدة على الغاز الروسي. وزادت موسكو من صادراتها من الغاز، لتلتف على محاولة فرض سقف السعر الذي وضعته أوروبا، واضطرت إلى البيع بأقل من الأسعار العالمية، وبدأت التأثيرات السلبية تظهر في تراجع سعر الروبل مقابل الدولار، وفي تراجع إيرادات البلاد، وفي تصريحات المسؤولين في الحكومة الروسية.

لكن على الجانب الآخر، خسرت أوروبا غازاً رخيص الثمن، في مقابل بديل مكلف، يتمثل بشراء غاز مسال يُستخدَم بتكلفة مرتفعة، وهو ما تجلى في شكوى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن "الولايات المتحدة ترفع سعر الغاز على حلفائها، لكن بالفعل أوروبا تدير معركة اقتصادية توقعتها".

لا يمكن التنبؤ بمستقبل معركة الطاقة الجارية حالياً، كما هو الحال مع المعركة العسكرية الجارية على الأراضي الأوكرانية، وخاصة مع التصاعد المتتالي في تسليح القوى الغربية لكييف.

ومع ذلك، لا يمكن التأكد بشكل كامل من استمرار القطيعة بين غرب القارة العجوز وشرقها، حيث يدرك الجميع، من خلال خبرات الحروب والمواجهات السابقة، ضرورة العودة إلى التعاون وإعادة العلاقات إلى طبيعتها لمصلحة الجميع، خاصة مع ما يراه بعض المحللين من "تحلل التحالف الدولي المواجه لروسيا، وزيادة الحديث عن الاستفادة الأميركية المنفردة من الأوضاع الحالية".

ورغم زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، وكلمته "العاطفية" أمام الكونغرس الأميركي قبل نهاية العام الماضي، لا يبدو الغرب مستعداً للاستجابة الكاملة لطلبات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، خاصة ما يتعلق بالتعزيزات العسكرية لبلاده.

وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، نقلت صحيفة إزفستيا الروسية تصريحات للنائب الفرنسي تييري مارياني، يزعم فيها أن "الاتحاد الأوروبي سيبدأ قريباً التفاوض حول الغاز الروسي، ولن يتحمل ابتزاز زيلينسكي أو استياء واشنطن".

ويوم الاثنين الماضي، أعلن ماكرون أن الأسلحة التي تقدمها الدول الغربية إلى أوكرانيا يجب ألا تستخدم لاستهداف الأراضي الروسية، مضيفاً خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الهولندي مارك لوتيه في لاهاي أن "أحد معايير توريد الأسلحة (الغربية لأوكرانيا)، أنها يجب ألا تؤدي إلى تصعيد النزاع".

وبغضّ النظر عن صدق التصريح أو عدمه، تشير الوقائع الدائرة حولنا إلى عدم رغبة الأوروبيين في استفزاز الدب الروسي، أو تجريده من البدائل بصورة كاملة، في ما يبدو أنه رغبة في "عدم حرق المراكب الموصلة إليه"، أملاً في التوصل إلى اتفاق قريب يحدّ من الخسائر الاقتصادية الضخمة التي تتكبدها الدول الغربية، مع استمرار النزاع وتصاعده.

وعلى الجانب الآخر، لا يبدو الروس سعداء بما صارت إليه الأمور، خلال الأشهر الـ11 الأخيرة، وتحديداً منذ غزوهم للأراضي الأوكرانية، حيث تبددت الآمال في حسم سريع للمعارك، وتعاظمت الخسائر البشرية والمادية في القوات الروسية، بينما تشير التوقعات إلى أنّ الإيلام الاقتصادي قد يتعاظم خلال الأشهر المقبلة.

وفيما يدعو العقلاء من كلا الجانبين إلى ضرورة تقديم كل الأطراف لتنازلات، حتى يمكن التوصل إلى اتفاق، ورغم الاستفادة الاقتصادية الكبيرة التي يمكن تحقيقها لأطراف الصراع المباشرين من التوصل إلى السلام، تبدو القوى العظمى خارج الصراع، ممثلة بأميركا والصين، مستفيدة بصورة كبيرة من الوضع الحالي، الذي يزيد الطلب الأوروبي على منتجات الطاقة الأميركية، بينما يساعد الصين على الحصول عليها، بتكلفة مخفضة، من روسيا.

وسيبقى السؤال خلال الفترة القادمة هو: لمصالح مَن ستكون الغلبة، في عالم يدعي المثالية، ولا يترك مكاناً للضعفاء؟

المساهمون