وبات السؤال المتداول في أسواق العالم وبلا استثناء: ألا يعرف الناخب البريطاني أنه سيتضرر مالياً واقتصادياً وبشدة من قراره؟ ألا يعرف أنه باختياره ينتحر اقتصادياً؟
ألم يسمع الناخب تصريحات وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، التي قال فيها إن حرمان بريطانيا من دخول السوق الأوروبية الموحدة بعد قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي سيكون "كارثياً" على البلاد؟
ألم يخش الناخب على مستقبل الجنيه الإسترليني الذي تكبد يوم الجمعة الماضية أكبر خسارة في تاريخه، حيث هوى إلى أدنى مستواه منذ 31 عاماً، وهناك توقعات قوية بفقدانه 20% من قيمته في غضون فترة بسيطة؟
ألا يعرف الناخب البريطاني أن معدل التضخم يمكن أن يرتفع بنسبة 5% جراء تداعيات الخروج، كما تقول مؤسسات دولية كبرى، وبالتالي فإن أسعار السلع والخدمات مرشحة للارتفاع داخل الأسواق؟
ألا يعرف الناخب أن الأصول التي بحوزته، خاصة العقارات والوحدات السكنية والأسهم والسندات والودائع، ستتراجع قيمتها بسبب هروب بعض المستثمرين الأجانب من القطاع خوفاً من التعرض لخسائر بسبب حالة الغموض والضبابية التي باتت تكتنف مستقبل الاقتصاد البريطاني؟
لماذا لم يستمع الناخب للتحذيرات الجماعية، التي صدرت من مؤسسات عالمية كبرى، منها صندوق النقد الدولي وبنك إنجلترا المركزي وبنك التسويات الدولية ووزراء مالية ومحافظو بنوك مركزية، والتي حذرت جميعها من انعكاسات خطيرة على الاقتصاد البريطاني في حال مغادرة الاتحاد الأوروبي؟
ألم يسمع الناخب عن خسائر الاقتصاد البريطاني المتوقعة، والتي قدرها اتحاد الصناعات البريطاني نفسه بنحو 145 مليار دولار، في حين قدرتها مصادر أخرى بنحو 76 مليار دولار، إضافة لفقدان آلاف فرص العمل وتراجع الصادرات ومعدل النمو الاقتصادي؟
ألم يتوقع الناخب فقدان حيّ المال بلندن بريقه، وزيادة معدل البطالة داخل البلاد، ومغادرة بنوك عالمية كبرى بريطانيا متجهة نحو سويسرا أو فرنسا أو لوكسمبورغ أو ألمانيا أو حتى خارج الاتحاد الأوروبي؟
ألم يتوقع هذا الناخب تكبد البورصات العالمية وأسواق المال خسائر فادحة تجاوزت 2.8 تريليون دولار وتعد الأعلى من نوعها منذ انهيار بنك ليمان براذرز الأميركي في عام 2008، عقب اندلاع الأزمة المالية العالمية.
ألم يتوقع فقدان بريطانيا مركزها كثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا والمدافع القوي عن اقتصاد السوق الحر بعد الولايات المتحدة عقب مغادرتها الاتحاد الأوروبي.
أظن أن الناخب البريطاني كان يدرك كل هذه المخاطر الاقتصادية والمالية وربما أكثر من ذلك، ورغم ذلك صوّت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والسبب أن الناخب أراد من خلال تصويته السلبي معاقبة حكومة ديفيد كاميرون، التي تبنت البقاء داخل الاتحاد.
معاقبتها على سياستها التقشفية الحادة، التي طاولت الفقراء وطبقة العمال وأصحاب المعاشات، وربما يفسر هذا سر تصويت هؤلاء بالخروج من الاتحاد الأوروبي بكثافة على عكس الشباب الذين تحمسوا للبقاء.
الناخب عاقب حكومة المحافظين على تطبيقها أقسى خطط تقشفية تشهدها البلاد منذ نحو 50 عاماً، خسر بسببها نحو نصف مليون موظف من القطاع العام وظائفهم، أي بمعدل موظف واحد من بين كل 12 موظفاً، وعاقبها على تطبيق أقسى الخطط التقشفية في أوروبا.
عاقبها على استقطاع مليارات الجنيهات من نظام الرعاية الاجتماعية، وهو ما أثر سلباً على ملايين البريطانيين، خصوصاً العائلات المتوسطة والفقيرة التي تعتمد على مساعدات الدولة، في مجالات حيوية مثل التعليم والرعاية الصحية.
صحيح أن ديفيد كاميرون سعى من خلال خطة التقشف لإنقاذ البلاد من الإفلاس خاصة مع تفاقم مشكلة الديون المستحقة على الدولة وارتفاع أسعار الفائدة المستحقة عليها، لكن الناخب لم ينس له أن الخطة حولت ملايين البريطانيين لفقراء لدرجة أن العديد منهم لم يجد المال الذي يكفي لإلحاق أبنائهم بالتعليم الجامعي.