يتزايد القلق في دوائر المال والاستثمار العالمية من وقوع منطقة اليورو في أزمة مالية جديدة، ربما ستكون أشد حدة من أزمة المال التي ضربتها في العام 2011، حين سقطت عدة دول في شراك التخلف عن سداد الديون، واضطرت المفوضية الأوروبية للاستعانة بصندوق النقد الدولي لإنقاذ اليونان من الإفلاس، حيث وافقت جميع دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى صندوق النقد الدولي، في 2 مايو/أيار 2010، على منح اليونان سلسلة من القروض المالية بمجموع 110 مليارات يورو على مدى 3 سنوات، خلال الفترة من مايو 2010 حتى يونيو/حزيران 2013. وتواصل أسعار الفائدة على الدين الأوروبي الارتفاع في وقت يتزايد هروب المستثمرين الأجانب من السندات السيادية لكل من إيطاليا واليونان وإسبانيا. ويتزامن هروب المستثمرين من السندات السيادية في أوروبا مع الانهيار الكبير في سعر صرف اليورو، حيث تجاوز سعر صرف العملة الأوروبية مستوى التعادل مع الدولار، للمرة الأولى في ما يقرب من عقدين، خلال تعاملات يوم الأربعاء، وجرى التعامل فيه بأقل من دولار، عند مستوى 0.9997 دولار. وتعد الديون الإيطالية أكبر صداع في الوقت الراهن لدول الاتحاد الأوروبي، بسبب حجمها الضخم وارتفاع قيمة خدمتها وسط أزمات الجفاف والطاقة التي تضرب الاقتصاد الإيطالي وتزيد من عجز الميزانية.
وحسب المديرة السابقة لمركز الدراسات الاقتصادية في صندوق النقد الدولي ليزلي ليبشتز، فإن الدين الإيطالي يهدد بحدوث أزمة مالية في منطقة اليورو.
ويقترب الدين الإيطالي حالياً من 3 تريليونات دولار أو ما يعادل نسبة 150% من إجمالي الناتج المحلي الإيطالي.
وترى الخبيرة الدولية ليبشتز أن مشكلة إيطاليا تكمن في أن هذا الدين يواصل الارتفاع في وقت يتزايد فيه عجز الميزانية بإيطاليا. ويجتمع البنك المركزي الأوروبي في جلسة طارئة يوم 21 يوليو/ تموز الجاري، لاتخاذ إجراءات كفيلة بمعالجة ديون الدول الضعيفة في منطقة اليورو في ذات الوقت الذي تُشدد فيه السياسة النقدية.
وإلى جانب إيطاليا، تواجه كل من إسبانيا واليونان أيضاً أزمة في جذب المستثمرين إلى شراء سنداتها السيادية. ويعد سوق الدين الإيطالي الأكبر في أوروبا، كما يعد الاقتصاد الإيطالي ثالث أكبر اقتصاد في الكتلة الأوروبية. وكانت الفائدة على السندات السيادية الإيطالية أجل 10 سنوات قد ارتفعت إلى 4% في يونيو/ حزيران الماضي، وهو أعلى معدل ارتفاع في الفائدة عليها منذ العام 2014.
ويرى الاقتصادي في معهد التمويل الدولي في واشنطن روبن بروكس، في تغريدة على تويتر، أن ارتفاع الفائدة على السندات الإيطالية في سوق التمويل هو تقييم واقعي لأزمة المال في إيطاليا، إذ إن روما اعتمدت على تمويل البنك المركزي لإنفاق العجز في الميزانية في 6 سنوات من السنوات السبع الماضية ومنذ العام 2021. من جانبها، قالت الخبيرة الاقتصادية مديرة شركة كويل انتلجينس دانيال دي مارتينو بوث، في تغريدة، إن الدلائل على أزمة إيطاليا ظهرت حينما ارتفعت الفائدة على سنداتها السيادية بشكل كبير، مقارنة بالفائدة على السندات الألمانية، لأعلى مستوى منذ العام 2014". وترى وكالة موديز للتصنيف الائتماني، في تحليل، أن ارتفاع الفائدة على السندات سيعني زيادة كبيرة في حجم الدين الإيطالي وكلف خدمته، ما سيعقد أزمة اليورو".
ويشير محللون، في ذات الصدد، إلى أن الحل المتاح أمام البنك المركزي الأوروبي، في اجتماعه يوم 21 يوليو/ تموز الجاري، هو تفعيل برنامج شراء السندات الإيطالية والإسبانية واليونانية، حتى يتمكن من تلافي الوقوع في أزمة مال جديدة بمنطقة اليورو التي تعاني حالياً من الضعف الاقتصادي الشديد.
ويقول خبراء إنه بينما يسعى البنك المركزي الأوروبي إلى رفع نسبة الفائدة من دائرة السالب وخفض معدل التضخم، فإنه يخاطر بوضع السندات الإيطالية في دائرة "المنطقة الحمراء" بالنسبة للمستثمرين. وترى الخبيرة السابقة بصندوق النقد الدولي، ليبشتز، أن البنك المركزي الأوروبي يواجه مشكلة في حال تشديد السياسة النقدية، لأن أسعار الفائدة على الديون الإيطالية الجديدة سترتفع بنسبة كبيرة، وربما تدخل إيطاليا في دائر الشكوك الاستثمارية بين البنوك حول مدى قدرتها على سداد الديون، وتتسع بذلك دائرة الشكوك بين المستثمرين لتشمل سندات منطقة اليورو بأكملها. وبالتالي، فإن البنك المركزي الأوروبي سيجد نفسه أمام خيارات صعبة في اجتماعه المقبل، مثلا بين خيارات التضخم وتفادي الوقوع في كارثة مالية تهدد سندات الدين الأوروبية بأكملها.
وتواجه منطقة اليورو حالياً تحديات الطاقة التي سترفع معدل التضخم وسط تهديد موسكو بوقف كامل إمدادات الغاز في الشتاء المقبل، واحتمال دخول اقتصادات المنطقة في الركود الاقتصادي. وهذه العوامل ربما تفاقم قلق المستثمرين بالسندات الأوروبية، وتضاف أزمة الطاقة إلى عوامل أخرى غير مساعدة لأوروبا، من بينها الصعود القوي للدولار وجاذبية الأصول الأميركية وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا.
وكانت المفوضية الأوروبية قد خفضت توقعات نمو اقتصاد منطقة اليورو أمس الخميس. وتوقعت المفوضية في تقرير نمو الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو بنسبة 2.6% هذا العام، و1.4% في عام 2023، انخفاضاً من توقعات مايو/أيار البالغة 2.7% و2.3%. كما رفعت بيانات المفوضية تقديرات التضخم في المنطقة إلى 7.6% في عام 2022 و4% العام المقبل، ارتفاعاً من 6.1% و2.7% المتوقعة سابقاً.
ورغم تزايد إنفاق المستهلكين في أشهر الصيف الحالية وارتفاع الطلب على السفر بعد تخفيف قيود الوباء، فإن مخاوف تباطؤ النمو وتسارع التضخم لا تزال تلقي بظلالها على النشاط الاقتصادي. ومن المتوقع أن يدعم التراجع الحاد في سعر صرف اليورو السياحة والتصدير لمنطقة اليورو خلال الصيف الجاري، إلا أنه سيرفع في ذات الوقت معدل التضخم الذي يؤرق البنك المركزي الأوروبي.