هل تعاني البنوك المصرية من أزمة سيولة؟

16 يناير 2022
الجنيه المصري يتعرض لضغوط في حال زيادة سعر الفائدة الأميركية (فرانس برس)
+ الخط -

في نهاية شهر ديسمبر الماضي، وعلى هامش احتفالية أقامها في مدينة أسوان الجديدة، دعا السيسي المصريين، إلى "وضع مدخراتهم من الأموال في البنوك بدلا من استثمارها في مجال العقارات" بدعوى إتاحة المجال لوزارة الإسكان لبناء المزيد من الوحدات السكنية في المدن الجديدة.

ساعتها نظر البعض إلى الأمر على أنه مجرد دعوة تساهم في توفير مزيد من الأموال والسيولة الإضافية للبنوك، وبالتالي مساعدتها في توفير التمويل اللازم للدولة، إما لإقامة مزيد من الوحدات السكنية ومشروعات البنية التحتية الكبرى من طرق وكباري وغيرها، أو لتمويل عجز الموازنة العامة للدولة وتدبير النفقات العامة من سداد أجور ورواتب وتمويل بنود الدعم وغيرها.

أو أن الدعوة مجرد تحذير للأفراد من الاستثمار في العقارات، باعتبار أن فرص الربح بالقطاع لم تعد كبيرة ومجدية في ظل ضوابط البناء الأخيرة ودخول الدولة بقوة هذا المجال والتفوق على مشروعات القطاع الخاص.

فيتش: العجز الحالي في الحساب الجاري لمصر ربما يزيد الضغط على أصول البنوك من النقد الأجنبي

لكن لم ينظر أحد إلى الدعوة على أنها قد تكون تحركا مبكرا من قبل أجهزة الدولة لعلاج أزمة سيولة مرتقبة أو قد تكون على الأبواب كما يتوقع البعض، أو على الأقل المساعدة في توفير سيولة نقدية للبنوك التي تعاني من أزمة سيولة طارئة قد تؤثر سلبا على أنشطتها التمويلية والقروض الممنوحة سواء للحكومة أو لرجال الأعمال.

تبع دعوة السيسي مباشرة تحرك آخر من البنك المركزي أثار انتباه الكثيرين خاصة مع إعلان البنك "إطارا عاما للسيولة الطارئة"، يتم بموجبه منح البنوك سيولة طارئة في حالة عدم قدرة أي بنك على توفير السيولة من الإنتربنك، وهو سوق للإقراض بين البنوك يلجأ إليه أي بنك يعاني من أزمة سيولة طارئة حيث يقترض من البنوك التي لديها فائض من الأموال مقابل سداد سعر فائدة يتم تحديه حسب العرض والطلب.

ووفق الإعلان فإن منح البنك المركزي البنوك سيولة طارئة يعد ملاذا أخيرا في حال عدم قدرة البنك على تلبية احتياجاته من السيولة من سوق الإنتربنك أو من الأسواق المالية الأخرى وفقا لضوابط وتعليمات واضحة.

البنك المركزي المصري اعتمد ألية يتم بموجبها منح البنوك سيولة طارئة في حالة عدم قدرة أي بنك على توفير السيولة من سوق الإنتربنك

ما لفت الأنظار هنا هي الضوابط التي حددها البنك المركزي في حال منح سيولة طارئة لأي بنك، منها مثلا أنه يحظر على البنوك المقترضة من المركزي توجيه تلك السيولة لتمويل توزيعات الأرباح على المساهمين، أو إعادة شراء الأسهم، أو صرف مكافآت أعضاء مجلس الإدارة أو توزيعات العاملين أو تمويل الأطراف المرتبطة بالبنك، مع جواز أن يفصح المركزي عن تلك السيولة المقدمة للبنوك للحفاظ على الاستقرار المالي ودعم ثقة المتعاملين مع الجهاز المصرفي.

كما شدد البنك المركزي على أن عمليات منح السيولة الطارئة لا تحول دون حقه في اتخاذ الإجراءات الأخرى المسندة إليه قانونا، مع التزام البنك الحاصل على السيولة الطارئة بموافاة المركزي بتقرير شهري موضح به عدة معايير، بينها الملاءة المالية مع تضمين كافة الأصول التي يمكن للبنك المركزي استخدامها كضمانات وكافة التطورات والإجراءات المتخذة من قبل البنك لإعادة موقف السيولة لديه لوضع مستقر.

وفي الوقت الذي اعتبر فيه البعض إعلان البنك المركزي الخاص بإطلاق آلية السيولة الطارئة مؤشرا على وجود أزمة سيولة داخل القطاع المصرفي، خاصة مع تلكؤ بعض فروع البنوك في تزويد عملائها بالسيولة المطلوبة بشكل سريع، أو التأني في عمليات منح الائتمان للعملاء الجدد، اعتبر آخرون في المقابل أنه إجراء طبيعي لمساعدة أي بنك في حالة تعرضه لنقص طارئ في السيولة.

إلى هنا، قد تكون الأمور طبيعية، سواء دعوة السيسي أو قرار البنك المركزي، لكن التقرير الخطير الصادر عن مؤسسة "فيتش" للتصنيف الائتماني، يوم الخميس الماضي، يجب أن نتوقف عنده كثيرا.

هل القطاع المصرفي في مصر مقبل على أزمة سيولة تشبه تلك التي حدثت في منتصف التسعينيات وعقب اقالة وزارة كمال الجنزوري الأولى؟

فالمؤسسة العالمية لفتت الأنظار من أمور عدة يجب التنبه إليها وتتعلق بالضغوط الحالية والمتوقعة على القطاع المصرفي، منها مثلا:

-أنّ العجز الحالي في الحساب الجاري لمصر ربما يزيد الضغط على أصول البنوك من النقد الأجنبي.

-أنّ تصنيف البنوك المصرية قد يواجه ضغوطاً إذا ما استمر تراجع الأصول الأجنبية بها.

-أنّ تمويل تلك البنوك ومستويات السيولة النقدية بها، قد تواجه ضغوطاً إذا زاد شح النقد الأجنبي.

-أنّ صافي الالتزامات الأجنبية بالقطاع المصرفي المصري بلغ 7 مليارات دولار (ما يعادل 112 مليار جنيه) بنهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وفقاً لبيانات البنك المركزي المصري، مقارنة بصافي الأصول الأجنبية البالغة 107 مليارات جنيه بنهاية فبراير/شباط الماضي.

السؤال هنا هو: هل القطاع المصرفي في مصر مقبل على أزمة سيولة تشبه تلك التي حدثت في منتصف التسعينيات وعقب اقالة وزارة كمال الجنزوري الأولى، حيث وجهت حكومة الجنزوري وقتها السيولة المتاحة لدى البنوك لتمويل مشروعات أسمتها قومية وعملاقة ولم تؤتِ أكلها رغم الاستثمارات الحكومية الضخمة بها مثل توشكي والفرارة وشرق العوينات؟

أم أن هذه الخطوات هي عبارة عن إجراءات تحوطية لتفادي أي مخاطر مرتقبة خاصة مع قرب رفع البنك المركزي الأميركي سعر الفائدة على الدولار بواقع 4 مرات خلال العام الجاري، وهو ما سيسبب ضغوطا على عملات واقتصادات كل الدول النامية، ومنها مصر وتركيا والمغرب والأردن وتونس، وزيادة أعباء الاقتراض الخارجي خاصة مع زيادة عائد السندات الدولية التي تقترض تلك الدول مليارات الدولارات من خلالها؟

من المبكر القول إن القطاع المصرفي على أعتاب أزمة سيولة تشبه أزمة التسعينيات، وإن كنت لا أستبعد وقوع الأزمة في حال مواصلة الحكومة الاقتراض بشراهة

في كل الأحوال، من المبكر القول إن القطاع المصرفي في مصر على أعتاب أزمة سيولة تشبه أزمة التسعينيات، وإن كنت لا أستبعد وقوع تلك الأزمة في حال مواصلة الحكومة الاقتراض بشراهة من البنوك، والاعتماد على القطاع المصرفي في تمويل مشروعات مثل العاصمة الإدارية الجديدة وغيرها من المشروعات العملاقة، وسحب السيولة المتاحة لدى البنوك لوضعها في مشروعات بطيئة العائد وطويلة الأجل كما حدث سابقا في مشروع توشكى.

ومن المبكر الحديث عن أن الجنيه المصري سيتم إعادة تعويمه خلال الأيام المقبلة كما حدث في نوفمبر 2016 على خلفية تعرضه لضغوط كبيرة منها تراجع إيرادات السياحة وتداعيات كورونا على إيرادات النقد الأجنبي وزيادة تكلفة الاقتراض الخارجي، ولنا عودة للحديث عن النقطة الأخيرة.

المساهمون