بعد أقل من أسبوعين من إعلان مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) لأول مرة تنامي مخاوفه من استمرار ارتفاع معدل التضخم، وعزمه استخدام الأدوات المتاحة لديه في أسرع وقت لمواجهته، ورغم تسارع معدلات الإصابة بمتحور أوميكرون حول العالم، وإلغاء أكثر من ثلاثة آلاف رحلة طيران، أكثر من ثلثها في الولايات المتحدة، خلال عطلة نهاية الأسبوع بسبب تعرض أطقم الطائرات للإصابة بالوباء، بدت أسواق الأسهم كأنها قد تغلبت بالفعل على كل المخاوف.
وأنهي مؤشر "إس آند بي 500" تعاملات الأسبوع الماضي على مستوى إغلاق قياسي جديد، يضعه على بعد أقل من 0.4% فقط من أعلى مستوى وصل إليه في تاريخه.
ورغم انتظار المستثمرين لرالي "سانتا كلوز" في الأيام الأخيرة من كل عام، سيطر التشاؤم على أسواق الأسهم، التي اكتست باللون الأحمر في أغلب أيام الشهرين الأخيرين، قبل أن تبدأ الأخبار الجيدة في إعادة الأمل إلى الأسواق خلال الأسبوع الأخير الذي لم يزد عن أربعة أيام عمل، بسبب عطلة عيد الميلاد المجيد التي جاءت يوم الجمعة.
وارتفع مؤشر ناسداك في كل أيام الأسبوع، ليربح 3.2% من قيمته، بينما زينت المكاسب مؤشري "إس آند بي 500" وداو جونز الصناعي في أيام التعامل الثلاثة الأخيرة، ليضيفا 2.3% و1.6% لقيمتيهما على التوالي في الأسبوع قبل الأخير من العام.
وبينما تسببت أخبار انتشار الفيروس وتحوراته في الأيام الأخيرة في مساعدة أسهم التكنولوجيا على تعويض بعض خسائر العام (الفادحة)، استحوذت أسهم شركات إعادة الفتح، بعد توارد أنباء ضعف متحور أوميكرون الجديد وإمكانية العلاج منه في المنزل، على أعلى ارتفاعات الأسبوع.
إذ ربح سهم شركة كارنيفال للفنادق العائمة ما يقرب من 16%، بينما ارتفع سهما شركة الفنادق هيلتون وشركة الفنادق العائمة رويال كاريبيان بنسبة تقترب من 10%. وخلال الفترة التي مضت من شهر ديسمبر / كانون الأول، اقتربت مكاسب مؤشر إس آند بي 500 من 3.5%.
ومثلت الانتعاشة الأخيرة للأسهم تغييراً واضحاً في مسار أسعارها، بعيداً عن طريق الخسائر الذي سلكته في أعقاب نشر التقارير التي رصدت ظهور متحور أوميكرون للمرة الأولى في بعض البلدان في النصف الثاني من شهر نوفمبر / تشرين الثاني الماضي، وتسببت في الأسابيع التالية في زيادة تقلبات الأسعار بالتوازي مع الإعلان عن تطورات انتشاره.
لكن التغيير جاء مع إعلان مسؤولي الرعاية الصحية عن اعتقادهم أن يكون أعلى مستوى للإصابة بالمتحور الجديد قد تم تجاوزه بالفعل، ثم إعلان شركة فايزر للأدوية، التي تقود سوق الدواء في الوقت الحالي في مواجهة الوباء، عن موافقة إدارة الدواء والغذاء الأميركية على استخدام دوائها للعلاج من كوفيد-19.
وقالت الشركة إنه أثبت فعالية بنسبة 89% في "حماية المصابين من الموت وتجنيبهم الاضطرار للتوجه إلى المستشفيات لتلقي العلاج".
ويرى الكاتب والمحلل المتخصص في سوق الأسهم والسندات راندال فورسيث، أن أجمل ما في هذه الأخبار هو أنها جاءت في أروع توقيت في العام لسوق الأسهم، فيما يطلق عليه "رالي سانتا كلوز"، الذي يحدث دائماً خلال الفترة من 27 ديسمبر / كانون الأول إلى 4 يناير / كانون الثاني، مؤكداً في مقال حديث له أنه "بصرف النظر عن المعتقدات الموسمية، تشير تلك الفترة عادةً إلى نهاية حصاد الخسائر الضريبية للسنة القديمة والقفز في مسيرة شهر يناير/ كانون الثاني، والتي غالباً ما تتضمن إعادة تكوين المحافظ واقتناص الفرص بعد البيع المرتبط بمحاولات تخفيف العبء الضريبي".
ولم يكن تراجع المخاوف من انتشار الفيروس هو العامل الوحيد المسبب لارتفاعات أسعار الأسهم، فقد حمل الأسبوع المنتهي العديد من الأخبار الجيدة للمستثمرين، حيث توقفت طلبات إعانة البطالة عند 205 آلاف كما كان متوقعا، وأظهرت بيانات مكتب الإحصاءات الأميركي ارتفاع طلبات السلع المعمرة خلال شهر نوفمبر / تشرين الثاني بنسبة 2.5% رغم أن التوقعات لم تتجاوز 1.5%.
وفي ما يخص معدل التضخم، الذي يتوقع أغلب الاقتصاديين الأميركيين وصوله إلى أعلى مستوياته خلال الربع الأول من العام القادم، بدأت الأمور تتحسن.
فقد أظهرت بيانات وزارة التجارة الأميركية الصادرة يوم الجمعة ارتفاع الإنفاق الشخصي بنسبة كبيرة وصلت إلى 0.6%، وارتفاع الدخل الشخصي بنسبة 0.4%، خلال شهر نوفمبر / تشرين الثاني الماضي.
وعلى نحو متصل، أكدت شركة استشارات بنوك الاستثمار المستقلة إيفركور، التي تعد من أكبر مراكز الأبحاث الاقتصادية في العالم، أن ثروات الأسر الأميركية ارتفعت خلال الربع الرابع من العام أكثر من ارتفاع الأسعار، أو من معدل التضخم المسجل، بعد أن قفزت بنسبة 15%، مدفوعة بما تم تحقيقه من أرباح في سوق الأسهم، وأيضاً بارتفاع أسعار المنازل الأميركية، التي سجلت خلال الأشهر الأخيرة أعلى ارتفاعات في تاريخها.
وبعد ارتفاع مستهدف البنك الفيدرالي للتضخم المقدر باثنين في المائة، إلى أعلى معدل له منذ ما يقرب من أربعة عقود، لا يبدو أن التضخم قادر على تهديد أسعار الأسهم الأميركية على النحو الذي كان في أغلب فترات العام الذي أوشك على الانتهاء.
ورغم تصدره اهتمامات المواطنين والساسة على حدٍ سواء خلال الفترة الأخيرة، تشير التوجهات الحالية الواضحة إلى عدم فرض إغلاق عام في الولايات المتحدة كما حدث العام الماضي.
ومرة أخرى يؤكد راندال فورسيث أن العديد من العوامل التي سببت التضخم المرتفع في 2021 ستختفي العام المقبل، "لعدم وجود حزم الإنفاق الضخمة التي تمت خلال العامين الماضيين، وأيضاً لأن البنك الفيدرالي لن يطبع كميات النقود المهولة التي طبعها خلال الفترة الماضية مرة أخرى".
بدوره، وفي لقاء تلفزيوني له على إحدى المحطات الإخبارية، أكد الاقتصادي الشهير بول كروغمان أن التضخم الحالي يشبه بدرجة كبيرة التضخم "المؤقت" الذي شهدته الولايات المتحدة خلال الفترة بين عامي 1946 – 1948.
وأكد أن "سوق السندات الحالية، وخاصة معدل الفائدة على سندات الخزانة لعشر سنوات، لا تعكس ارتفاعاً في معدل التضخم لفترات طويلة".
كما أشار إلى أن مشروعات الاستثمار الحكومية طويلة الأجل تساعد في أغلب الأحوال على إبقاء معدل التضخم عند مستويات متدنية"، في إشارة إلى خطة الرئيس الأميركي جو بايدن لمساعدة الأسر الأميركية ومكافحة تقلبات المناخ، والتي تقترب قيمتها من تريليوني دولار.
ولكن على الرغم من هذه التوقعات المتفائلة بتراجع معدل التضخم في أميركا، فإن بعض كبار المستثمرين لم تتبدد مخاوفهم.
في هذا الصدد قال رئيس صندوق الثروة النرويجي، الذي تبلغ قيمته 1.4 تريليون دولار، إنه يتوقع أن تضعف الأسواق المالية لفترة طويلة، وحذّر من أن التضخم قد يكون التحدي الأكبر في المستقبل.
أوضح نيكولاي تانغين، الرئيس التنفيذي لـ"نورغس بنك إنفستمنت مانجمنت"، وهو الصندوق السيادي النرويجي، في تعليقات لصحيفة "فرانكفورتر ألجماينه تسايتونغ" الألمانية أنه بعد تحقيق معدل عائد متوسط قدره 6% لمدة 25 عاماً، يستعد الصندوق الآن لـ"عِقد من العوائد المنخفضة".
نقلت الصحيفة عن "تانغين" قوله: "قد يتحول العائد إلى سلبي.. علينا فقط قبول ذلك. المستقبل سيكون أقل جاذبية لنا مما كان في الماضي".
وفي أوروبا، حتى الآن تعرقل المتحورة أوميكرون سير شركات الأعمال، موجّهة ضربة قاصمة للاقتصاد بعد تلك التي تكبّدها إثر الموجة الأولى.
وتعاني شركات كثيرة من تغيّب العمّال بسبب "مئات آلاف" الحالات التي يُخشى رصدها في مطلع عام 2022، وفق العضو في المجلس العلمي الفرنسي، أوليفييه غيران، الذي ذكر منها على سبيل المثال شركات "توزيع المنتجات الغذائية والأمن والطاقة والمواصلات والاتصالات والصحة".