هل تتخلص دول غرب أفريقيا من نفوذ الفرنك؟

13 فبراير 2024
اقتصادات دول منطقة الفرنك الأفريقي ضعيفة وتعاني اختلالات هيكلية (فرانس برس)
+ الخط -

قطعت دول غرب أفريقيا أشواطاً مهمة للتخلص من الوجود الفرنسي بعد الانقلابات والأحداث التي شهدتها بلدان المنطقة، وتجاوزت مراحل حساسة في تاريخها السياسي والاقتصادي للابتعاد عن نفوذ باريس المتغلغل في المنطقة منذ فترة الاستعمار.

لكن يبدو أن عملية فك الارتباط الاقتصادي مع فرنسا تواجهها عقبة كبرى ترتبط أساساً بالفرنك الأفريقي الذي تعتمده غالبية دول غرب أفريقيا عملةً موحدة لها، ويرتبط باليورو بسعر ثابت (اليورو يساوي 655.957 فرنكاً أفريقياً).

ويرى خبراء اقتصاد أنه من دون فكِّ الارتباط بين الفرنك الأفريقي واليورو، لا يمكن التخلص من الوصاية الفرنسية على اقتصاديات دول غرب أفريقيا، ويعتبرون أن الفترة الحالية التي تشهد رفضاً قوياً للوجود الفرنسي وصعوداً لطبقة سياسية راغبة في التخلص منه، هي الأفضل والأنسب للتحرر من الفرنك الأفريقي.

ويُطبع الفرنك الأفريقي في البنك المركزي الفرنسي ويرتبط باليورو، وقد بدأ استخدامه عملةً موحدة لدول غرب أفريقيا بعد مرحلة التحرر من الاستعمار الفرنسي، إذ أرغمت باريس 14 دولة على استخدامه بعد نيلها استقلالها عام 1960 ضمن مجموعة الدول الفرنسية المستعمرة بأفريقيا.

ومن خلال هذه العملة التي تُعرف اختصاراً بـ"CFA" نجحت باريس في الحفاظ على دورها في الهيمنة الاقتصادية على اقتصادات دول النيجر وتشاد ومالي والسنغال وتوغو وبنين وبوركينا فاسو وساحل العاج وغينيا بيساو والكاميرون والكونغو وغينيا الاستوائية والغابون وجمهورية أفريقيا الوسطى.

ويقول الخبير المالي عيسى نداي إن "فرنسا وافقت على منح الاستقلال لمستعمراتها في أفريقيا جنوب الصحراء بشرط موافقة هذه الدول على استخدام الفرنك الأفريقي، ومع مرور الزمن أصبح استخدام الفرنك مثيراً للجدل بوصفه ضريبة استعمارية فرنسية وبقية من بقايا الاستعمار.. ولم تنجح الدول من التحرر منه".

يضيف نداي في حديثه لـ"العربي الجديد" أن الفرنك الأفريقي كان في الفترات السابقة داعماً للاقتصاد ومحركاً للنمو في البلدان التي حصلت على الاستقلال وكانت في حاجة إلى استقرار العملة الذي ضمنته فرنسا، فاستفادت من أسعار فائدة منخفضة جذبت استثمارات أجنبية وأسّست اقتصاداً متنامياً، لكن استمرار استخدام الفرنك الأفريقي وارتباطه بالفرنك الفرنسي ثم لاحقاً باليورو سبّبا عوائق كبيرة لاقتصادات دول غرب أفريقيا.

ويشير إلى أن فرنسا تطالب هذه الدول بإيداع 50% من احتياطياتها من العملات الأجنبية لدى الخزانة الفرنسية، إذ تتلقى الدول الأفريقية نسبة فائدة تقدر بـ 0.75% على احتياطياتها، لكن عندما يكون التضخم في منطقة اليورو أعلى من ذلك، يكون العائد منخفضاً، ويمكن للدول الأفريقية الوصول إلى أموالها من الخزانة الفرنسية وقتما تشاء.

ويقول: "فرنسا تتولى طباعة الفرنك الأفريقي لكن الكمية تقررها البنوك المركزية في منطقتي غرب أفريقيا ووسطها، وفي المقابل فإن السياسة النقدية للفرنك يُحددها البنك المركزي الأوروبي، فهناك سعر صرف ثابت للفرنك مقابل اليورو، وهذا ما يؤكد أنه لا توجد سيادة نقدية للدول الأفريقية".

ويعتبر نداي أن فك ارتباط الفرنك الأفريقي باليورو أصبح ضرورة ملحة بسبب دوره المعيق في نمو اقتصاديات دول المنطقة، مؤكداً أن المستفيد الأكبر من بقاء الارتباط بين الفرنك واليورو هي الشركات الفرنسية، مشيراً إلى ضرورة وضع دول غرب أفريقيا خططاً للتخلص من هيمنة الاقتصاد الفرنسي وتحكم اليورو في الفرنك الأفريقي من خلال ربط هذا الأخير بمجموعة من العملات وتحديد قيمة الصرف تبعاً لآلية السوق، أو إحداث عملات وطنية مستقلة لكل دولة.

ويمكن لكل بلد أن يخرج من منطقة الفرنك الأفريقي كما فعلت موريتانيا وغينيا ومدغشقر، التي أنشأت عملات خاصة بها، ويرى كثيرون أن هذه الفترة التي تشهد تغيرات سياسية في غرب القارة السمراء ورفضاً غير مسبوق للهيمنة الفرنسية، هي الأنسب للتخلص من الفرنك الأفريقي الذي يُبقي ارتباطه باليورو دول القارة رهينة للسياسات النقدية التي يقررها البنك المركزي الفرنسي.

فأي انخفاض في قيمة اليورو يتلوه انخفاض في الفرنك الأفريقي بشكل لا يراعي احتياجات الواقع التنموي بغرب أفريقيا وخصوصياته، فقبل عام ونصف العام حين اقترب اليورو والدولار الأميركي من مستوى التعادل، تراجع الفرنك الأفريقي وفقد 11.46% من قيمته مقابل الدولار، وصاحب هذا الانخفاض التاريخي ارتفاع معدلات التضخم والركود وعجز في سداد الديون ونقص كبير في إمدادات بعض المنتجات المستوردة.

ويرى الباحث المتخصص في اقتصاد غرب أفريقيا، ممادو سيدي، أن الاعتماد على الفرنك الأفريقي واستمرار الارتباط باليورو لا يخدمان مصلحة الدول الأفريقية، بل يصبان في مصلحة فرنسا والدول الأوروبية أكثر من غيرها.

ويقول سيدي لـ"العربي الجديد" إن "اقتصادات دول منطقة الفرنك الأفريقي ضعيفة ويعاني معظمها اختلالات هيكلية وبنيوية وتحتاج إلى سياسة وتشريعات محلية تراعي خصوصيتها وهو ما لا تؤمنه التشريعات الأوروبية التي تتولى حالياً وضع السياسة النقدية في دول غرب أفريقيا، كما أن الشروط المجحفة التي تشترطها فرنسا لحجم ودائع النقد الأجنبي من أجل تغطية الكتلة النقدية للفرنك الأفريقي يجعل الدول تخسر عشرات المليارات من اليورو التي تبقى مخزنة لدى البنك المركزي الفرنسي حيث يقدر حالياً الاحتياط المالي الأفريقي من العملة الصعبة بـ 500 مليار دولار".

وتتمتع دول غرب أفريقيا بتنوع مواردها الاقتصادية الهائلة، إذ تملك 9% من إجمالي احتياطي النفط العالمي، كما تملك 40% من احتياطيات الذهب، وتنتج 70% منه في الوقت الحالي.

المساهمون