هزت الحرب بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، التي اندلعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، الأسواق المالية العالمية، فتراجعت أغلب الأسهم العالمية الأسهم، وانخفضت قيمة الشيكل الإسرائيلي، وارتفعت أسعار النفط، كما ارتفعت عوائد السندات الأميركية، التي أغلقت سوقها في أول يوم تداول بعد بداية الحرب، احتفالاً بيوم الشعوب الأصلية، قبل أن يسارع المستثمرون لحماية محافظهم الاستثمارية من المخاطر الجيوسياسية، في اليوم التالي مباشرة.
ولكن منذ ذلك الحين، يبدو أن هذه المخاوف قد تلاشت. وبينما يشعر بعض المستثمرين بالقلق من أن الحرب قد تمتد إلى الدول الرئيسية المنتجة للنفط، وتزيد من تقليص إمدادات الخام العالمية، تراجعت أسعار النفط منذ ذلك الحين، وظلت أقل بكثير من أعلى مستوياتها المسجلة في سبتمبر/ أيلول، والتي وصلت إليها عندما سيطرت تخفيضات الإنتاج من قبل السعودية وروسيا على السوق.
وتتأرجح عوائد سندات الخزانة بالقرب من أعلى مستوياتها، التي لم تشهدها البلاد منذ أكثر من عقد من الزمن، ما يشير إلى استمرار المخاوف المرتبطة بالحرب. ويُنظر إلى سندات الخزانة الأميركية، باعتبارها الأكثر أماناً في العالم، وأنها ملاذ آمن خلال فترات عدم اليقين الاقتصادي.
ويقول المستثمرون إن وول ستريت تركز على ما يعتبرونه تهديدات أكثر إلحاحا، وهي حملة بنك الاحتياط الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة والإعلان الجاري هذه الأيام عن نتائج أعمال الشركات خلال الربع الثالث من العام. وقال يونج يو ما، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة "بي أم أو" لإدارة الثروات، إنهم يعانون من "فائض في المعلومات".
وأعلنت حوالي 24% من الشركات المدرجة في مؤشر إس أند بي 500 عن نتائج الربع الثالث، وتجاوزت 78% منها التوقعات، وفقًا لبيانات شركة FactSet.
ويتم التركيز هذا الأسبوع على تقارير الأرباح من الشركات ذات الوزن الثقيل في مجال التكنولوجيا، مثل ميتا ومايكروسوفت وأمازون وألفابت. وتعد تلك الشركات من أكبر المحركات لمكاسب هذا العام.
ويعتقد بعض المستثمرين أن موسم الأرباح هذا يمكن أن ينعش ارتفاع سوق الأسهم، بعد أن ساعد الهدوء في أخبار الشركات خلال الأشهر القليلة الماضية على إثارة حالة من عدم اليقين في وول ستريت، وتسبب في خسائر أسبوعية متتالية.
وارتفعت الأسهم الأميركية بقوة خلال النصف الأول من العام، متخلصة من الاضطرابات المصرفية الإقليمية، وأزمة سقف الديون الأميركية، والمخاوف من الركود.
وقام المتداولون المفتونون بتطبيقات وبرامج الذكاء الاصطناعي برفع أسعار أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى إلى ارتفاعات مذهلة، مما ساعد مؤشر إس أند بي 500 المعياري على الوصول إلى مستوى قريب جدًا من مستوى قياسي جديد في يوليو/ تموز.
لكن هذا الارتفاع تعثّر منذ ذلك الحين، حيث أظهرت البيانات الاقتصادية القليل من علامات التباطؤ على الرغم من رفع أسعار الفائدة 11 مرة خلال الأشهر التسعة عشر الماضية. وأثار ارتفاع التضخم أيضًا مخاوف من إبقاء بنك الاحتياط الفيدرالي أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول، بعد رفعها إلى أعلى مستوى لها منذ أكثر من 22 عامًا.
وأصبحت هذه المخاوف أكثر صرامة بعد أن ترك بنك الاحتياط الفيدرالي زيادات إضافية على الطاولة في اجتماعه في سبتمبر، وأشار إلى أنه سيبقي أسعار الفائدة مرتفعة خلال العام المقبل.
التصعيد المتوقع والتأثير المحتمل
وتبدو الأسواق الآن أقل إشراقاً، حيث يتجه مؤشر إس أند بي 500 لتسجيل انخفاضه الشهري الثالث على التوالي، كما تخلى مؤشر داو جونز الصناعي عن جميع مكاسبه لهذا العام. ويقول المستثمرون إن هذه الانخفاضات يمكن أن تستمر إذا تصاعدت الحرب أو بدأ الاقتصاد في الانهيار تحت ضغط رفع أسعار الفائدة خلال الأشهر القليلة المقبلة، أو حدث كليهما.
ولم تتجاهل وول ستريت التأثيرات المحتملة على الأسواق المالية من الحرب على غزة، وسعى المتداولون إلى البحث عن الأمان، خوفاً من التقلبات المحتملة إذا تصاعدت الحرب، في الذهب، وأيضاً في أسهم المرافق، قبل أن يتحول الاهتمام إلى بيتكوين في الأسابيع الأخيرة، لتتجاوز العملة المشفرة الأشهر مستوى 35 ألف دولار للوحدة الواحدة، للحماية للمرة الأولى منذ 2022.
وقال ديفيد باهنسن، كبير مسؤولي الاستثمار في مجموعة "باهنسن"، إنه من الممكن أن تشهد الأسواق انخفاضًا بنسبة 7% إلى 10% في الأسهم، إذا كانت هناك موجة غير متوقعة من الصراع في الشرق الأوسط.
وأكد باهنسن أن ذلك قد يكون مصحوبا بتراجع في العائدات إذا لجأ المستثمرون إلى السندات مرة أخرى، كما يفعلون خلال فترات التوتر الجيوسياسي. وزادت شركته استثماراتها في السندات الحكومية طويلة الأجل هذا الأسبوع، للحفاظ على العائدات المرتفعة حاليًا قبل الانخفاضات المحتملة في المستقبل.
وأضاف كبير مسؤولي الاستثمار في مجموعة "باهنسن" أنه "من الصعب تحقيق زيادات جديدة في عوائد سندات الخزانة طويلة الأجل من هنا حتى تنقشع هذه الغيوم".