يأتي الجانب الاقتصادي، في قمة الرئيسين، الروسي فلاديمر بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، التي اختتمت أمس في منتجع "سوتشي" على البحر الأسود، كمتمم للدور الذي تلعبه أنقرة، بتخفيض الآثار الاقتصادية للحرب الروسية على أوكرانيا، التي انعكست على الأسواق العالمية، جراء تعطيل الصادرات الغذائية من روسيا وأوكرانيا، وذلك بعد أن نجحت أنقرة في رعاية التوقيع بين روسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة على "وثيقة مبادرة الشحن الآمن للحبوب والمواد الغذائية من الموانئ الأوكرانية" في إسطنبول 22 يوليو/تموز الماضي، التي تحولت إلى واقع، بعد تصدير أول باخرة ذرة من أوكرانيا، عبر إسطنبول إلى لبنان الأسبوع الماضي.
واتفق الرئيسان، بحسب نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، على تحويل جزء من مدفوعات الغاز الروسي إلى الروبل وضرورة ضمان تنفيذ الاتفاقات الخاصة بالحبوب، التي جرى التوصل إليها في إسطنبول، ومن بينها تصدير الحبوب الروسية دون عوائق.
وأشار البيان الصادر عن قمة الرئيسين أمس، إلى اتخاذ خطوات ملموسة حيال زيادة حجم التجارة بين البلدين وفق أساس متوازن وفي ضوء الأهداف المحددة، وتلبية تطلعاتهما لبعضهما في مجالي الاقتصاد والطاقة، وتعزيز التعاون في قضايا على أجندتهما منذ فترة طويلة في قطاعات مثل المواصلات والتجارة والزراعة والصناعة والتمويل والسياحة والمقاولات.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أشار خلال عودته من قمة سوتشي أمس، إلى تبادل الأفكار مع الرئيس الروسي حول زيادة تطوير تعاوننا التجاري والاقتصادي "ذكرنا سابقاً أن هدفنا في التجارة هو 100 مليار دولار" في هذا الاتجاه ، والمساعي إلى تطوير التعاون في مجالات مثل الطاقة والتجارة والسياحة والزراعة "نحن مصممون على ضمان وصول حجم التجارة الثنائية إلى أساس أكثر توازناً" مبيناً أنه وُقِّعَت مذكرة تفاهم كخريطة طريق في ما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية والتجارية بين وزير التجارة ونائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك.
وحول محطة "آق قيو" وهل ناقشها الرئيسان، قال أردوغان: "من المستحيل عدم مناقشة مثل هذه المسألة. تحدثنا. تتمتع محطة أكويو للطاقة النووية بأهمية خاصة في استراتيجية الطاقة في بلدنا. يستمر هدفنا في تشغيل أول مفاعل في عام 2023. لقد ناقشنا هذه القضايا مرة أخرى في محادثاتنا مع الجانب الروسي. 25 ألف شخص عاطلون من العمل حالياً. تُقال عبارات مثل هذا المكان مغلق. لم أقبل مثل هذا الأمر، ولا الجانب الروسي كذلك".
ويضيف أردوغان أنه في الأسبوع المقبل، "عندما أذهب لرؤية سفينة الحفر عبد الحميد هان في مرسين تاسوكو، سأذهب إلى أكويو في اليوم نفسه، وسأتابع شخصياً الأعمال في أكويو مع وفدي. بعد ذلك، سأخبر السيد بوتين عن الوضع الحالي هناك. وفقاً له، سأقول دعونا نحدد خريطة الطريق الخاصة بنا. بمعنى آخر، لا يقبلون أي شيء مثل إيقاف العملية لمرة واحدة".
وتعتبر محطة "آق قيو" للطاقة النووية من أكبر المشاريع في تاريخ جمهوريتنا. والسبب وراء أهمية ذلك أنّ من المتوقع، بحسب أردوغان، "تلبية بعض توقعات تركيا، ليس فقط من حيث قدرة توليد الكهرباء ولكن أيضاً من حيث إمدادات الطاقة. من ناحية أخرى، إحدى القضايا التي ركزنا عليها منذ البداية في مجال الطاقة هي التوطين والتأميم. في هذا السياق، أنتج IC İçtaş، الذي بدأ كمبادرة من الجانب الروسي وشريك تركي، معرفة ودراية مهمة بمرور الوقت. لكن في الآونة الأخيرة، حدث تطور مثير للاهتمام وتوقف الجانب الروسي روساتوم عن العمل في هذه الشركة، التي كان شريكاً في نصفها، وقام بحلها".
وكشف الرئيس التركي عن اجتماع "خماسي شنغهاي" في أوزبكستان "خلال شهر سبتمبر/أيلول المقبل الذي دعانا إليه بوتين، وستشارك تركيا".
ويرى الخبير الاقتصادي التركي، يوسف كاتب أوغلو، أن قمة سوتشي كانت "من أهم اللقاءات بين الرئيسين" لأن ثمارها طاولت التفاهم على 16 مادة، كان الاقتصاد عمودها الفقري والأساس، إلى جانب مواد سياسية وعسكرية وصناعات عسكرية.
ويضيف كاتب أوغلو لـ"العربي الجديد" أن استمرار تنفيذ اتفاق نقل الحبوب والمنتجات الزراعية، نصاً وروحاً، تصدر المباحثات التي استمرت أربع ساعات، مع إضافة تضمين "وثيقة المبادرة" الحبوب الروسية ومستلزمات صناعتها والأسمدة الكيماوية، الأمر الذي سينعكس، برأي المحلل التركي، على الأسواق العالمية، وفرة بالمنتجات وكسراً للأسعار التي ارتفعت، بعد الحرب في فبراير الماضي، إلى مستويات قياسية، لأن الدولتين "روسيا وأوكرانيا" تسهمان بنحو 29% من صادرات القمح العالمية و19% من إمدادات الذرة في العالم و80% من صادرات زيت عباد الشمس.
ولفت إلى أن نحو 20 مليون طن قمح جاهزة للتصدير من أوكرانيا، وقد ترتفع لنحو 70 مليون طن بعد الموسم الحالي، كما أن شمول روسيا الأكثر إنتاجاً وتصديراً، بالاتفاق، قد يزيل الأزمة المتفاقمة بالأسواق، لأن توقعات الإنتاج بروسيا تشير إلى 88 مليون طن في 2022، في حين الحرب المندلعة منذ فبراير، خفضت محصول القمح في أوكرانيا من 32 مليون طن في 2021 إلى 20 مليون طن في 2022.
كذلك اتفق الرئيسان، بحسب يوسف كاتب أوغلو، على إزالة العقبات أمام محطة الطاقة النووية "آق قيو" التي تشاد في ولاية مرسين التركية، بقدرة 4800 ميغاوات، بعد تلميحات روسية بتأخير تسليم المفاعل مطلع العام المقبل وإصرار الرئيس التركي على ضرورة تسليم المرحلة الأولى حسب الاتفاق عام 2023 واستمرار تنفيذ المشروع وفق الاتفاقات السابقة.
ويرى المتحدث أن من نتائج قمة سوتشي المنتظرة، التوافق على استمرار تصدير الغاز الروسي عبر خط أنابيب "ترك ستريم" على أن يكون جزءاً من ثمن الغاز الروسي بالروبل، إضافة إلى تعزيز التعامل بالعملات المحلية "اتفاقية سواب" لرفع قيمة التبادل التجاري التي تعدت 33 مليار دولار العام الماضي. وذلك بعد تركيز الرئيسين خلال قمة سوتشي، أمس، على دعم الحصص المخصصة للتصدير للمنتجات التركية للسوق الروسية وإعطاء الشركات التركية الحصة الأكبر بقطاع البناء والعقارات الروسية وتعزيز السياحة وعدم شمول تركيا ضمن التأشيرة التي تفرضها روسيا على الدول الأوروبية.
وتركز الأنظار على استمرار تصدير الغاز الروسي إلى أوروبا عبر خط أنابيب "ترك ستريم" الذي دخل الخدمة في 8 يناير/كانون الثاني 2020، وسط مراسم احتفال رسمي شهده الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان.
ويعدّ ترك ستريم أحد خطوط أنابيب تصدير الغاز، يمتد من روسيا إلى تركيا عبر البحر الأسود، تبلغ طاقته التصميمية 31.5 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، ويهدف الخط إلى نقل الغاز إلى تركيا، وكذلك إلى جنوب وجنوب شرق أوروبا عبر الأراضي التركية.
ويمتد القسم البحري من مشروع ترك ستريم من مدينة أنابا الروسية حتى ولاية "قرقلار إيلي" التركية المطلتين على البحر الأسود، بطول 930 كلم، ويتألف من خطين يغذّي أحدهما تركيا والثاني أوروبا، والقسم البري يتألف من خطين بطول 142 و70 كيلومتراً.
ويعتبر المحلل التركي، باكير أتاكجان، أن لقاء الرئيسين بسوتشي، سينعكس "بالنفع الاقتصادي عالمياً" لأنه سيساهم بحلحلة أزمة المنتجات الزراعية "حبوباً وزيوتاً"، ويزيد طرح الأسمدة التي بلغت ذروة أسعارها، والأهم برأي المحلل التركي، استمرار تصدير الغاز الروسي عبر تركيا، إلى أوروبا التي ساهم ارتفاع أسعار الطاقة ببلوغ التضخم عندها الأعلى منذ عقود.
ويضيف أتاكجان لـ"العربي الجديد" أن التفاهم الروسي التركي على البيع بالروبل، سينعكس على تعزيز تبادل التجارة بالعملات المحلية بين البلدين "سنرى آثاره على تراجع التضخم بتركيا وتحسن سعر الليرة"، بالإضافة إلى زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، لأن الرئيسين تطرقا إلى تعزيز قطاعات التجارة والسياحة والبناء.
ولا يستثني المحلل التركي تنامي قطاع الاستثمارات، بالسوقين التركي والروسي، لأن المال الروسي سيجد بالسوق التركية منفذاً، كما أن العقوبات شلت قطاعات روسية وأثرت في الأسواق، ما يعني فرصاً جديدة أمام رأس المال التركي، خاصة أن روسيا تعفي الأتراك من الفيزا، وستمنح المستثمرين الأتراك ميزات إضافية.
ويذكر أن روسيا وتركيا عولتا على بلوغ حجم التبادل 100 مليار دولار، بعد الزيادات المطردة والاستثمارات والمشروعات المشتركة، إذ تظهر بيانات هيئة الجمارك الفيدرالية الروسية أن قيمة التبادل التجاري بين البلدين خلال 2021 بلغت 33 ملياراً و25 مليون دولار، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 57%، مقارنةً بعام 2020.
ووفقاً للبيانات، بلغت قيمة الصادرات من روسيا إلى تركيا 26 ملياراً و512 مليون دولار (بارتفاع 66.4%)، فيما بلغت الواردات من تركيا 6 مليارات و513 مليون دولار، بارتفاع بنسبة 27.4%. وارتفعت حصة تركيا في إجمالي إيرادات التجارة الخارجية الروسية إلى 4.2%، مقارنة بـ 3.7% عام 2020.