هجمات الحوثيين على السفن: أقوى ردّ عربي حتى الآن

26 ديسمبر 2023
يدفع اقتصاد كيان الاحتلال ثمناً باهظاً لتعطل حركة الملاحة باتجاه موانئه (Getty)
+ الخط -

منذ التاسع من ديسمبر/ كانون الأوّل، أصبحت هجمات الحوثيين المتكرِّرة على السفن التجارية، سواءً الإسرائيلية أو المتَجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر، الردّ العربي الحقيقي على حرب الإبادة الجماعية التي يشنُّها الكيان الصهيوني على قطاع غزة.

جرّاء ذلك غيَّرت حوالي 170 سفينة شحن وجهاتها، بعيداً عن مضيق باب المندب الرابط بين المحيط الهندي والبحر الأحمر، وحوَّلت مسارها نحو رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا، لتجنُّب هجمات جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من إيران، الأمر الذي يعني تكاليف نقل أكبر، وفترات تسليم أطول، بينما أوقفت حوالي 35 سفينة رحلتها مؤقَّتاً في انتظار تعليمات جديدة من الشركات المُشغِّلة لها، وفقاً لتقرير أصدرته شركة الشحن الأميركية فليكس بورت Flexport في 21 ديسمبر/ كانون الأوّل 2023 تحت عنوان Logistics Rewired Webinar Recap: Navigating the Suez Canal Situation.

نتيجة ضربات المسيّرات والصواريخ الباليستية الحوثية التي لا تخطئ أهدافها، اجتمع خبراء شركة Flexport في ندوة عن بُعد مع لارس جنسن، الرئيس التنفيذي لشركة Vespucci Maritime الاستشارية للخطوط الملاحية المنتظمة، في 21 ديسمبر/ كانون الأوّل لمناقشة التحدِّيات الحالية في البحر الأحمر ووضع قناة السويس، وما يمكن لشركات الشحن القيام به للإبحار بسلامة في أهمّ الممرَّات المائية في العالم.

وأسفرت هذه الندوة عن تقرير يفيد بأنّ تلك الهجمات تتسبَّب في حدوث تأخيرات كبيرة في وصول معظم الشحنات، كما يُعدّ تمديد وقت العبور أكثر خطورة بالنسبة للسفن الموجودة بالفعل في البحر الأبيض المتوسِّط، وخليج عدن، وكذا السفن التي حوَّلت مسارها سابقاً من قناة بنما المختنقة كلِّياً بفعل موجات الجفاف المتكرِّرة.

كما ناقش الخبراء المشاركون في هذه الندوة، التي لم تكن لتنعقد لولا التداعيات الخطيرة لهجمات الحوثيين على تجارة القوى الغربية، تطوُّرات الأوضاع في البحر الأحمر المرتبطة بالحرب الإسرائيلية على غزة، وإعلانات وقرارات الحوثيين المستقبلية، واختلال التوازن في العرض والطلب على كل من السلع وسفن الشحن المتاحة للعمل، والخطة الأمنية العسكرية متعدِّدة الجنسيات، وهطول الأمطار في قناة بنما في المستقبل.

لقد انخفضت حركة المرور عبر البحر الأحمر بنسبة 35% في الأيام الماضية، واضطرَّت 170 سفينة شحن إلى اختيار المسار الأطول حول جنوب أفريقيا، وارتفعت تكاليف التأمين على السفن، وازدادت معها تكاليف الشحن على مستوى العالم، الأمر الذي يفرض تكاليف إضافية على التجارة العالمية، وينذر بارتفاع التضخُّم الذي سيقع على عاتق المستهلكين في نهاية المطاف.

وفقاً لمنصة حجز الشحن والمدفوعات Freightos، ارتفع سعر شحن الحاوية من الصين إلى منطقة البحر المتوسِّط بنسبة 44% في ديسمبر/ كانون الأوّل 2023 ليصل إلى 2413 دولاراً.

كما ارتفع مؤشِّر Drewry World Container Composite Index بنسبة 9%، ليصل إلى 1661 دولاراً لكلّ حاوية بطول 40 قدماً في 21 ديسمبر/ كانون الأوّل 2023، وهو الآن أعلى بنسبة 17% من متوسِّط أسعار عام 2019 (أي ما قبل جائحة كورونا) البالغ 1420 دولاراً.

في الواقع، ستواجه أوروبا والدول المطلَّة على البحر الأبيض المتوسِّط النصيب الأكبر من الضرر، نظراً لاعتماد تجارتها الآسيوية على قناة السويس والسلع والمنتجات القادمة من دول الشرق الأقصى وآسيا.

وإذا طال أمد العدوان الإسرائيلي على فلسطينيي غزة، ليس من المُستبعد أن ترتفع أسعار الطاقة خاصّة بالنسبة للمستهلكين في أوروبا.

ولن تسلم مصر أيضاً من التداعيات الاقتصادية لاستهداف الحوثيين السفن الإسرائيلية بالبحر الأحمر، حيث تعتمد مصر على رسوم العبور عبر قناة السويس في الحصول على العملة الصعبة، فقد بلغت عائدات البلاد من قناة السويس 9.4 مليارات دولار في السنة المالية 2022-2023 التي انتهت في 30 يونيو/ حزيران 2023، مقارنة بـ 7 مليارات في السنة المالية السابقة لها.

كما تمخَّضت تلك الندوة عن مجموعة من التوصيات التي لا تعدو كونها مجرَّد ذرّ للرماد في العيون، كوضع مهلة زمنية إضافية أثناء عملية تخطيط المخزون، وضرورة حجز البضائع قبل 4-6 أسابيع من المغادرة المخطَّط لها للشحنات، والاستعانة بالخدمات المتميِّزة التي سيعرضها مزوِّدو الخدمات اللوجستية والتواصل معهم بشكل مباشر.

لكن في الواقع، لا جدوى من الاستمرار في غضّ البصر عن الحلّ الجذري، لتعطُّل الشحن في البحر الأحمر، والمتمثِّل في زيادة الضغط الدولي على إسرائيل، لثنيها عن عدوانها الدموي غير المبرَّر على فلسطينيي غزة، لأنّه من المستبعد أن يوقف الحوثيون هجماتهم ما دامت إسرائيل تمضي قدماً في إبادتها الجماعية بحقّ الشعب الفلسطيني الأعزل، وسيستمرُّون في استخدام سلاح البحر الأحمر الذي تمرّ عبره نحو 12% من التجارة العالمية، و30% من إجمالي حركة سفن الحاويات.

لقد باتت عدم رغبة الولايات المتَّحدة في إنهاء الحرب التي تشنُّها إسرائيل على غزة واضحة للعيان، حيث أعلنت واشنطن في 18 ديسمبر/ كانون الأوّل 2023 عن تشكيل تحالف "حارس الازدهار" بمشاركة 20 دولة، وهو تحالف متعدِّد الجنسيات تقوده الولايات المتَّحدة لحماية خطوط الملاحة الدولية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن من هجمات الحوثيين المدعومين من إيران.

وشكَّلت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر القطرة التي أفاضت كأس عراقيل الشحن البحري، ويُعدّ الجفاف المستمرّ في قناة بنما واحداً منها، حيث تشكِّل قناة بنما 8% من عمليات عبور البضائع العالمية (باستثناء داخل آسيا)، وقد أدَّت ظروف الجفاف التي تحدق بهذه القناة إلى تحويل الكثير من السفن نحو قناة السويس التي تتأثَّر حالياً بضربات الحوثيين التي تجبر بدورها سفن الشحن على تغيير مسارها نحو رأس الرجاء الصالح، المعروف باسم "رأس العواصف"، والمحفوف بالمخاطر وكثرة العواصف، الأمر الذي يُرغِم تلك السفن التجارية على الإبحار بسرعة أبطأ.

خلاصة القول، رغم أحادية الدعم القادم من إيران فحسب، ومحدودية الوسائل التي يستخدمها الحوثيون في زعزعة مسارات الشحن في البحر الأحمر، فإنّهم أثبتوا أنّ تلك الهجمات وآثارها التخريبية كانت أكثر الردود العربية فعالية في سحب بساط الأمان والطمأنينة من تحت أقدام إسرائيل والولايات المتَّحدة.

المساهمون