نقص لقاحات كورونا يهدد بانقسامات اقتصادية عميقة بين الدول العربية

11 ابريل 2021
الدول ذات الدخل الأقل ستنتظر ثلاث سنوات لتطعيم سكانها (فرانس برس)
+ الخط -

حذر صندوق النقد الدولي من أن التوزيع غير المتكافئ للقاحات المضادة لفيروس كورونا من شأنه أن يعرقل انتعاش منطقة الشرق الأوسط، حيث تتباين آفاق النمو بين الدول الغنية والفقيرة.

وتوقع الصندوق في تقرير له، اليوم الأحد، أن تعود اقتصادات الدول التي بدأت تلقيحاً مبكراً، خاصة الخليجية التي تستفيد من ارتفاع أسعار النفط، إلى مستويات ما قبل الوباء العام المقبل، بينما الآثار المدمرة للجائحة ستستمر لسنوات في دول أخرى، مثل اليمن والسودان ولبنان وليبيا، حيث يرتفع التضخم ويسود عدم الاستقرار والحروب.

وقال جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد، لوكالة أسوشييتد برس: "أمضينا عاماً في الأزمة، وقد عاد التعافي. لكنه متباين. نحن عند نقطة تحول. سياسة التلقيح سياسة اقتصادية".

يتوقع صندوق النقد أن يصل النمو الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط إلى 4% هذا العام، بعد أن انكمش بنسبة 3.4% في 2020 بسبب انخفاض أسعار النفط وعمليات الإغلاق لمنع انتشار كورونا.

ومن المتوقع أن يؤدي التباين في الحصول على اللقاحات إلى انقسامات اقتصادية عميقة في المنطقة. وقال أزعور إنه بالنسبة للاقتصادات الغنية بالنفط، من المتوقع أن تنخفض العجوزات المتزايدة إلى النصف هذا العام مع صعود الإيرادات وتراجع إجراءات الإغلاق، مشيرا إلى أن اقتصاد السعودية سينمو بنسبة 2.9%، مقارنة بانكماش 4.1% العام الماضي.

وتأتي أسعار النفط المرتفعة، والمتوقع أن تدور في نطاق 60 دولاراً للبرميل خلال العام الجاري، في الوقت الذي تبقي فيه منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وحلفاؤها غطاء على الإنتاج، ومن غير المرجح على ما يبدو أن ترفع الولايات المتحدة العقوبات عن قطاع النفط الإيراني المهم بوتيرة سريعة.

ويتوقع صندوق النقد نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 3.2% هذا العام، مع إعادة جدولة معرض إكسبو دبي العالمي في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وهو عنصر أساسي لانتعاش الدولة. وتأمل دبي أن يجذب هذا الحدث الضخم 25 مليون زائر، ويؤدي لإبرام سلسلة صفقات.

وأطلقت الإمارات واحدة من بين أسرع حملات التطعيم في العالم، حيث وفرت أكثر من 90 جرعة لكل 100 مقيم اعتبارا من هذا الأسبوع. ومع ذلك، فإن انهيار قطاع السياحة وتجارة التجزئة يمثل تحديات لدبي، حيث أدت لسلسلة من عمليات تسريح عمال أجانب، وتسببت في انخفاض عدد سكان الإمارة بنسبة 8.4%، وفقًا لوكالة التصنيف العالمية "ستاندرد آند بورز".

في المقابل، تبدو الآفاق قاتمة بالنسبة للاقتصادات الهشة والنامية، حيث يعاني الكثير منها من تأخر في حملات التطعيم، بالإضافة لموارد التحفيز المالي القليلة، وضعف الإيرادات المستمدة بشكل كبير من قطاعات مثل السياحة.

ووفق صندوق النقد الدولي، فإنه في حين تخطط الدول الغنية لتطعيم معظم سكانها في غضون بضعة أشهر، من المحتمل ألا تقوم بعض دول المنطقة، من أفغانستان وفلسطين إلى العراق وإيران، بتطعيم جزء كبير من سكانها حتى منتصف عام 2022.

وقال التقرير إنه قد ينتهي الأمر بالدول ذات الدخل الأقل في المنطقة بالانتظار حتى عام 2023 على أقرب تقدير لتطعيم جميع سكانها. في الوقت نفسه، تعاني النظم الصحية الضعيفة في العديد من البلدان من الإجهاد في ظل موجات العدوى المتصاعدة، ما دفع السلطات إلى فرض قيود جديدة وتحمل المزيد من المعاناة الاقتصادية.

وتوقع الصندوق تعافياً بطيئاً في 2021 لمصر وباكستان، الدولتين المستوردتين للنفط واللتين تعتمدان على قطاع السياحة الذي شهد نزوحا جماعيا للمستثمرين الأجانب العام الماضي. كما راجع الصندوق تقديراته للنمو في الأردن، حيث ارتفع معدل البطالة بين الشباب إلى 55%.

ولا يزال السودان غارقاً في الديون ومهدداً بعدم الاستقرار، لكن اقتصاده قد ينمو لأول مرة منذ سنوات مع اكتساب وصول جديد إلى الشبكات المالية الدولية.

ولبنان، الذي يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية، هو البلد الوحيد في المنطقة الذي من المتوقع أن يتقلص نشاطه الاقتصادي هذا العام، بعدما شهد انكماشاً كبيراً بنسبة 25% العام الماضي.

وأجرى البلد، العاجز منذ أشهر عن تشكيل حكومة جديدة، محادثات مع صندوق النقد بشأن دعم مالي العام الماضي، لكنها سرعان ما تعطلت بسبب الافتقار إلى توافق سياسي بشأن الإصلاحات المطلوبة.

وقال أزعور في تصريحات منفصلة لوكالة فرانس برس: "في غياب حكومة، من الصعب جدا علينا تقديم أي شيء غير المساعدة الفنية"، مضيفا أن لبنان لا يمكنه أن ينتشل نفسه من الأزمة الاقتصادية من دون حكومة جديدة تجري تغييرات وتطلق إصلاحات تأخرت كثيراً.

وتخلف لبنان عن سداد ديونه العام الماضي، ما أدى لانهيار العملة. وفي الأشهر الأخيرة، تفاقم الخلاف بشأن تشكيل حكومة جديدة، ما يؤخر إحياء محادثات تمويل مع الصندوق.

وقال أزعور "لا يمكن أن يحدث تغيير في الاتجاه بالقطعة. يتطلب الأمر توجها شاملا"، مشددا على أن الإصلاحات ينبغي أن تركز على القطاع المالي والميزانية والحوكمة والفساد والمرافق الخاسرة التي ساهمت في ارتفاع الدين.

وتابع "في غياب حكومة جديدة يمكنها قيادة هذا التحول، من الصعب للغاية توقع أن يتحسن الوضع من تلقاء نفسه"، ليضم صوته إلى مجموعة من المسؤولين يطالبون بوضع نهاية للخلافات بشأن تشكيل الحكومة.

وبدأت أزمة لبنان قبل الجائحة، وتسارعت بعد انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/ آب الماضي، الذي أسفر عن مقتل 200 شخص.

وقال المسؤول في صندوق النقد "لبنان يحتاج تمويلا ضخما من أجل إنعاش الاقتصاد، كي يتيح للبلد السير على مسار الإصلاح الذي سيستغرق وقتا لكنه في أمس الحاجة إليه"، مضيفا أن البلد يحتاج لإعادة بناء الثقة بين مواطنيه والمستثمرين والمجتمع الدولي.

المساهمون