نفوذ "بريكس الموسعة" يتمدد في أسواق الطاقة والمعادن

07 سبتمبر 2023
جانب من اجتماعات قمة بريكس في جوهانسبرغ (Getty)
+ الخط -

يبدو أن مجموعة بريكس اختارت بعناية توسيع عضويتها في قمة جوهانسبرغ الأخيرة لإحكام هيمنتها على أسواق الطاقة والحبوب والممرات المائية الرئيسية للتجارة العالمية. وضمت العضوية الجديدة كلا من إيران والسعودية والإمارات العربية المتحدة، وهي دول كبرى لإنتاج النفط في العالم لتضاف إلى روسيا، ويرى محللون أن هذا الاختيار سيمكن بريكس الموسعة من تمتين منظمة "أوبك+" ومنحها الدعم السياسي.

كما اختارت من بين الدول الـ22 التي تقدمت بطلبات لعضوية بريكس، الأرجنتين التي تعد من كبار المنتجين للحبوب واللحوم والليثيوم في أميركا الجنوبية لتضاف إلى إمدادات الحبوب من البرازيل وروسيا والهند والصين. وتعد الأرجنتين أحد المصدرين الرئيسيين لفول الصويا والقمح واللحوم وكذلك ثالث أكبر منتج لمعدن الليثيوم المهم للطاقة المتجددة في العالم.

كما اختارت بريكس الموسعة لعضويتها كلا من إيران ومصر. وتوجد في مصر قناة السويس، الممر المائي المهم لعبور التجارة بين البحر المتوسط والمحيط الهندي، إضافة إلى إيران التي يوجد بها مضيق هرمز الذي تمر به يومياً نحو 17.5 مليون برميل يومياً من النفط إلى الأسواق الآسيوية إضافة إلى ناقلات الغاز المسال.

ويرى محللون، أن دول بريكس وعلى رأسها تحالف الصين وروسيا، عبر هذا الاختيار الدقيق لتوسيع العضوية، تستهدف تحويل المجموعة من تكتل فضفاض إلى تكتل فاعل في التجارة والطاقة العالمية، لتضييق الخناق على التحالف الغربي الرأسمالي الذي تقوده واشنطن وتبعاً لذلك تحديد مسارات الطاقة والمواد الغذائية وأسعارها وممراتها خلال السنوات المقبلة.

على الصعيد النفطي، رغم توجهات الطاقة المتجددة القوية لخفض معدل التسخين الحراري، لا يزال النفط والغاز الطبيعي، المصدرين الرئيسيين لتلبية الطاقة في العالم، حسب دراسة لوكالة الطاقة الدولية وربما يستمر ذلك لعقود مقبلة. كما لا تزال الصين السوق الرئيسي المستورد للنفط العالمي، بينما ظلت روسيا وإيران والعراق والدول الخليجية المورد الرئيسي للنفط بالنسبة للسوق الصيني. وبالتالي فإن توسيع عضوية بريكس ربما يضع لبنة "نظام نفطي جديد" يهيمن على أسواق الطاقة في العالم من حيث حجم الإمدادات والاستهلاك وبالتالي تحديد الأسعار.

في هذا الشأن يرى خبير الطاقة بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، بن كاهل، أن هيمنة بريكس على أسواق النفط وأسعاره يزعج واشنطن وحلفاءها، كما يعزز دور الصين وروسيا في الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط الاستراتيجية للتجارة العالمية والممرات المائية.

وفي ذات الصدد، يرى محللون أن توسيع عضوية بريكس وضمها للدول الست الجديدة، وهي السعودية وإيران ومصر والإمارات العربية المتحدة إضافة إلى الأرجنتين وإثيوبيا، يعمل على تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية للمجموعة، وهي السيطرة على أسواق النفط والحبوب العالمية والممرات المائية التي تمر عبرها ناقلات النفط والغاز وتجارة السلع والبضائع، وهي قناة السويس ومضيق هرمز وزيادة حجم التجارة العالمية القابلة للتسوية بعملات بديلة للدولار إضافة إلى تحويل فوائض النفط من البنوك الغربية إلى بنك التنمية الآسيوي وتدريجياً تعزيز حجم "عملة بريكس" المقترحة.

على صعيد النفط، يلاحظ أن التحالف السعودي الروسي، ساهم حتى الآن في دفع أسعار النفط للارتفاع فوق 90 دولاراً يوم الثلاثاء قبل أن تتراجع بسنتات قليلة أمس الأربعاء. ومعلوم أن ارتفاع أسعار النفط يهدد اقتصادات الدول الغربية، لأنه يضغط على كلف الوقود والصناعة وبالتالي يقوض الهدف الرئيسي من رفع أسعار الفائدة لخفض التضخم في العالم الغربي، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا. وفي المقابل، فإن الصين التي تحصل على حسومات سعرية من الشركات الروسية وتستفيد من عقوبات السقف السعري للنفط الروسي لا تتأثر كثيرا بارتفاع أسعار النفط.

وكانت السعودية قد أعلنت يوم الثلاثاء أنها ستمدد خفض إنتاجها الطوعي بمليون برميل لمدة ثلاثة أشهر أخرى، حسب وكالة الأنباء السعودية، كما مددت روسيا خفض الإنتاج الطوعي بـ300 ألف برميل يومياً حتى نهاية الشهر الجاري. وحسب خبير النفط الأميركي، بن كاهل، فإن كل من السعودية وروسيا تستهدف الضغط على الأسواق النفطية وبالتالي رفع الأسعار، وهو ما يهدد مصالح الدول الغربية الرامية إلى خفض أسعار الوقود وبالتالي خفض التضخم. وحسب الخبير فإن البيت الأبيض وإدارة الرئيس جو بايدن قلقة جداً من احتمال ارتفاع أسعار البنزين، خاصة أن حملة الانتخابات الرئاسية باتت على الأبواب وستبدأ في العام المقبل. وبعد عضوية الدول الست، باتت بريكس تهيمن على 41% من إنتاج النفط العالمي، حسب بيانات وكالة الطاقة الدولية.

وتستثمر كل من الشركات الروسية والصينية مليارات الدولارات في الحقول النفطية بكل من إيران والعراق حيث تمتلك شركة النفط الوطنية الصينية الآن حصصاً كبيرة في حقول الأحدب والرميلة والحلفايا وغرب القرنة النفطية. كذلك تستثمر الشركات الصينية نحو 300 مليار دولار في إيران ضمن خطة استراتيجية طويلة الأجل تمتد لمدة 25 عاماً لتطوير حقول النفط والغاز.

وحسب بيانات عراقية، يأتي أكثر من نصف إنتاج النفط العراقي من الحقول التي تعمل فيها شركة النفط الوطنية الصينية CNPC والشركات الصينية الأخرى. وفي أواخر عام 2022، وقعت شركة استكشاف النفط العراقية عقدًا مع شركة CNOOC للمضي قدمًا في مشروع تم الاتفاق عليه في عام 2019 لاستكشاف منطقة نفطية بحرية في البصرة. وتسعى شركة بتروتشاينا، التابعة لشركة النفط الوطنية الصينية، لتصبح المشغل الرئيسي الوحيد لحقل النفط العراقي العملاق غرب القرنة 1.

في ذات الصدد، يرى معهد العلاقات الخارجية الأوروبي في دراسة حديثة، أن المسؤولين الروس والإيرانيين يعملون على تعزيز التجارة الثنائية السنوية بين البلدين إلى 40 مليار دولار. كما يساهم نظام التسويات المالية الروسي في مساعدة طهران على تفادي العقوبات الأميركية.

وعلى صعيد الطاقة المتجددة، تقول الخبيرة الأميركية، غراسلين بارساكان، في تحليل، من المرجح أن تتبنى مجموعة بريكس الموسعة نهجاً مماثلاً لشراكة أمن المعادن (MSP)، وهي مبادرة تقودها الولايات المتحدة لتعزيز أمن الطاقة الحيوي لنفسها ولثلاثة عشر من حلفائها.

وترى أن إضافة الأرجنتين ستؤدي إلى تعزيز إمدادات الليثيوم لدى بريكس، حيث تمتلك الأرجنتين ثالث أكبر احتياطي من الليثيوم في العالم. والليثيوم معدن مهم في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية. ووفقًا لتوقعات مصرف "جي بي مورغان" في أغسطس/آب من العام الماضي، سترتفع حصة الأرجنتين من إمدادات الليثيوم العالمية من 6 بالمائة في عام 2021 إلى 16 بالمائة بحلول عام 2030، متجاوزة تشيلي لتكون ثاني أكبر منتج لليثيوم في العالم بحلول عام 2027. وفي الوقت الحاضر، تمتلك الأرجنتين 13 مشروعاً لليثيوم قيد التنفيذ، أكثر من أي دولة أخرى. ومن شأن إضافة الأرجنتين، أن تصبح مجموعة بريكس تضم ثلاثة من أكبر خمسة منتجين لليثيوم في العالم، إلى جانب الصين والبرازيل.

ويرى محللون أن "بريكس الموسعة" ستسعى إلى زيادة استثماراتها في سلاسل توريد المعادن الاستراتيجية للصناعة، خاصة وأن السعودية تضع استثمارات كبيرة في الليثيوم والمعادن الهامة الأخرى في البرازيل. وقد أبرمت مؤخرًا صفقة بقيمة 2.6 مليار دولار لشراء حصة 10% في أكبر شركة تعدين في البرازيل.

كما تقول دراسة إن دول بريكس وعلى رأسها الصين تهيمن على تصدير المعادن النادرة التي تدخل في صناعة الشرائح الإلكترونية. وتمتلك مجموعة بريكس الموسعة 72% من العناصر الأرضية النادرة. كما تحتوي الكتلة الموسعة أيضاً على 75% من احتياطات المنغنيز، و50% من الغرافيت في العالم، و28% من النيكل، و10% من النحاس في العالم. وبالتالي فإن "بريكس الجديدة" أو الموسعة تمتلك القوة والموارد للهيمنة على الطاقات التقليدية والجديدة وبالتالي يمكن أن تضغط على الدول الرأسمالية الغربية.

المساهمون