عاد إلى الواجهة شبح إغلاقات حقول وموانئ تصدير النفط مجدّدا، وسط تزايد الانقسامات السياسية بين الأطراف المتصارعة في ليبيا، ما أدى إلى تراجع الإنتاج النفطي، وبالتالي سينعكس ذلك سلباً على الإيرادات المالية.
ويوفر النفط نحو 95 في المائة من الإيرادات المالية للبلاد، حسب بيانات رسمية.
وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط الليبية حالة القوة القاهرة في ميناء الزويتينة النفطي، أمس الاثنين. وحذرت من أن "موجة مؤلمة من الإغلاقات" بدأت تضرب منشآتها.
وقالت المؤسسة الحكومية في بيان: "جاءت هذه التوقفات بسبب دخول مجموعة من الأفراد إلى ميناء الزويتينة ومنعت المستخدمين (العاملين) من الاستمرار في مباشرة الصادرات، الأمر الذي جعل من تنفيذ المؤسسة لالتزاماتها التعاقدية أمرا مستحيلا".
وكانت وزارة النفط الليبية حذرت، أول من أمس، من حرمان البلاد من "عوائد مجزية"، ودعت إلى إعلاء المصلحة الوطنية وعدم الاستجابة لأي طرف سياسي للزج بقطاع النفط في المعركة السياسية لتحقيق مكاسب.
جاء ذلك بعد إعلان أعيان في وسط وجنوب البلاد إيقاف إنتاج وتصدير النفط من مناطقهم، إلى حين تسليم حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة السلطة للحكومة المكلفة من مجلس النواب بطبرق (شرق).
وتعاني ليبيا حالة انقسام سياسي، وسط مخاوف من الانزلاق إلى حرب أهلية على خلفية تنصيب مجلس النواب، مطلع مارس/آذار الماضي، فتحي باشاغا رئيسا لحكومة جديدة.
وترفض حكومة الدبيبة تسليم السلطة إلا لحكومة تأتي عن طريق برلمان جديد منتخب، تنفيذا لمخرجات ملتقى الحوار السياسي الليبي.
والأحد، أعلنت مؤسسة النفط حالة القوة القاهرة في حقل الفيل النفطي (جنوب)، بسبب توقف الإنتاج لدخول أفراد إليه منذ يوم السبت منعوا العاملين من الاستمرار في الإنتاج.
وحالة القوة القاهرة هي حماية قانونية ضد المسؤولية المترتبة على عدم قدرة أطراف التعاقد في قطاع النفط على الإيفاء بالالتزامات جراء أحداث خارجة عن سيطرتها.
وفي هذا السياق، أكد خبراء الاقتصاد لـ"العربي الجديد" أن إغلاقات الحقول والموانئ النفطية نتيجة تجاذبات سياسية في ظل صراع الحكومتين على الشرعية له آثار سلبية كبيرة على البلاد.
وأعربوا عن أنّ عودة استخدام النفط كورقة للصّراع وسط تنافس الحكومتين قد يتسبّب في توقّف إنتاج النّفط لفترات طويلة كما حدث في سنوات سابقة.
وحذروا من أنه إذا استمرت عمليات الإغلاق، فقد لا تتمكن حكومة الدبيبة من دفع رواتب حوالي مليوني موظف حكومي.
وانخفض إنتاج ليبيا من النفط إلى دون مليون برميل يومياً بعد الإغلاقات الأخيرة، حسب مصدر مسؤول من إدارة التسويق في المؤسسة الوطنية للنفط لـ"العربي الجديد".
ومع زيادة الإنتاج المحلي وارتفاع أسعار النفط عالميا حققت ليبيا قفزة خلال الربع الأول من العام الجاري. وكانت المؤسسة الوطنية للنفط تخطط لزيادة الإنتاج اليومي إلى 1.45 مليون برميل هذا العام. وارتفعت أسعار النفط عالمياً جراء الحرب التي تخوضها روسيا أحد أبرز موردي النفط والغاز، ضد جارتها أوكرانيا منذ 24 فبراير/شباط الماضي.
ودعت النقابة العامة للنفط، في بيان أصدرته مساء أول من أمس، الليبيين إلى المحافظة على القطاع باعتباره الدخل الرئيسي للميزانية، معلنة رفضها "لما يقوم به بعض الأفراد والجهات من سيطرة ونفوذ على المواقع النفطية لتحقيق مكاسب سياسية ومصالح جهوية"، ومطالبة كذلك جميع الأطراف بتحييد القطاع عن الصراع السياسي.
وقال المحلل الاقتصادي المبروك الشيباني، لـ"العربي الجديد" إن الإغلاق الجديد للحقول النفطية، سيلحق الضرر بجميع الليبيين.
وأضاف أن الإغلاق يعني ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية مع نقص كميات الوقود والغاز للشركة العامة للكهرباء، مما يزيد من طرح الأحمال على الشبكة، بالإضافة إلى نقص البنزين في السوق.
وحمّل الباحث الاقتصادي نور الحبارات، مسؤولية تعطل إنتاج النفط لمتصدري المشهد السياسي، مشيرا إلى أن المواطنين سيدفعون ثمن الخسائر المترتبة على الصراعات وإغلاقات النفط.
وتسعى الأمم المتحدة إلى تحقيق توافق ليبي على قاعدة دستورية لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، يأمل الليبيون أن تساهم في إنهاء نزاع مسلح عانى منه لسنوات بلدهم الغني بالنفط.
حمّل الباحث الاقتصادي نور الحبارات، مسؤولية تعطل إنتاج النفط لمتصدري المشهد السياسي، مشيرا إلى أن المواطنين سيدفعون ثمن الخسائر
وأكد المحلل الاقتصادي أبوبكر الهادي، لـ"العربي الجديد"، أن وقف النفط جاء بناء على تجاذبات سياسية. وقال إن ليبيا بحاجة إلى الإيرادات النفطية مع ارتفاع الأسعار العالمية لتغذية الاحتياطيات النقدية، وأي إقفال جديد يعني عودة إلى قفزات في سعر العملة.
بينما رأى المحلل الاقتصادي وئام المصراتي، أن الإغلاقات عبارة عن ردة فعل نتيجة الإفراج عن بعض الإيرادات النفطية المحتجزة لصالح حكومة الدبيبة.
وقال المصراتي لـ"العربي الجديد" إن لعبة شد الحبل بين حكومتي الدبيبة وباشاغا مستمرة على حساب قوت الليبيين الوحيد.
وتجاوزت إيرادات البلاد من صادرات النفط والغاز 21.5 مليار دولار خلال عام 2021، مسجّلة أعلى مستوى لها في خمس سنوات.