تفشت في الأسواق السورية أخيراً، الديون بالسلعة وليس بالنقد، سواء بالعملة السورية أو غيرها، فيسجل الدائن على المدين نوع السلع ليجري استرداد الديون لاحقاً، وفق سعر السلعة الرائج خلال التسديد، وهذا برأي كثيرين، ضمان للحقوق، وعدم خسارة أي طرف، بواقع تبدل سعر الصرف الكبير، بين يوم وآخر.
يقول التاجر وبائع الجملة من دمشق، عدنان جبريل، إنه ألغى الدين قدر المستطاع، ولكنه يضطر للبيع بأجل محدد وقصير، لبعض باعة المفرق أو المستهلكين، ولكن يسجل على دفتر الديون، اسم وزنة السلعة وليس سعرها، لأن الأسعار تتبدل بالأسواق السورية، كاشفاً أن ارتفاع أسعار السلع والمنتجات ارتفع بين 30 و100% خلال الشهر الأخير.
وأرجع جبريل الأسباب لتراجع سعر الليرة إلى نحو 14 ألفاً مقابل الدولار، وتراجع عرض المنتجات بالأسواق نتيجة معوقات الاستيراد، وبمقدمتها عدم توفر القطع الأجنبي، ووقف الحكومة تمويل المستوردات.
وحول أسباب قياس السلع بالدولار للدائنين أو مستوردي المواد من مخازن جبريل، يقول التاجر السوري إن التعامل بالدولار لم يزل ممنوعاً وفق مرسومي بشار الأسد لعام 2020، رغم صدور العديد من القرارات من المصرف المركزي ووزارة المال، ولكن، وفق القانون، يمكن إلقاء القبض على أي متعامل بغير الليرة وتغريمه وسجنه.
ولا يختلف أسلوب التعامل التجاري، بين مناطق سيطرة الأسد والمناطق المحررة، شمال غربي سورية، إذ يؤكد صاحب متجر المواد الغذائية، أحمد الحسين من محافظة إدلب، أن تراجع سعر الليرة التركية سبب له خسائر كبيرة، فقيمة الديون العام الماضي أقل بنحو 40% من قيمتها اليوم.
ولكن، يشير الحسين خلال اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إلى أن بعض الديون تسجل بالدولار "إن كانت طويلة الأجل" أو تجري مراجعة الدائنين بالليرة، وتنبيههم للدفع، أو الاتفاق على تعديل الأسعار، مبيناً أن التعامل بالدولار الأميركي في المناطق المحررة، متفش ويوازي التعامل بالليرة التركية، بل تعتمد العملة الأميركية بالتعامل التجاري الكبير، وجرى السماح، من حكومة الإنقاذ، بالتعامل بالدولار فقط بسوق اللحوم والعقارات والسيارات، نظراً لاستمرار تراجع العملة التركية.
وحول التعامل بالليرة السورية، يضيف التاجر السوري، أنها شبه معدومة، ولكن لا يجري ارجاع حملة الليرة السورية ممن يتقاضون أجورهم من نظام الأسد، عبر مدينة حماة، حتى اليوم، سواء معلمين أو موظفين سابقين "لكن معظمهم توقفت أجورهم منذ عامين".
ويلفت الحسين إلى أن تراجع القدرة الشرائية للسوريين، شمال غربي سورية، يوقع التجار وأصحاب المحال بحرج، خاصة من الجيران ومحدودي الدخل، فيضطرون لبيعهم بالدين، ما يسبب خسائر للتجار وأصحاب المحال.
من جانبه، يشير الاقتصادي السوري، عبد الناصر الجاسم، إلى أن سعر فائدة المصارف بسورية، بما فيها الخاصة، لا يصل إلى نصف نسبة التضخم النقدي، ما أفاد المدينين وأوقع المصارف بخسائر، وهو السبب الأهم لتعطيل "القروض" التي تعتمد عليها المصارف.
ويشير الجاسم إلى أن تهاوي سعر العملة السورية أجبر كثيراً من التجار والمتعاملين، داخل سورية وخارجها، على مقايضة السلع، مضيفاً "أعادنا نظام الأسد لعصر المقايضة".
ويلفت الاقتصادي السوري إلى أن أروقة قصور العدل بمناطق سيطرة الأسد "تعج بقضايا كهذه"، إذ يرفع الدائنون قضايا على المدينين لتسديد الديون وفق سعر الدولار أو الذهب فترة الدين، وليس وفق سعر صرف الليرة اليوم، وهذه القضايا موضع جدال "ديني وقانوني اليوم"، خاصة إن لم تكن عملة السداد موثقة خلال العقود أو وثائق التبادل التجاري.
ويرى الجاسم أن تقييم الديون بالدولار أو الذهب، لحظة الدين، هو الحل المنطقي للأطراف المتنازعة، فشراء سيارة لأجل منذ عامين، يحيل سعرها اليوم إلى ثمن عجلة.
وكان سعر السيارات المستعلمة بين 700 و900 ألف ليرة، في حين لا يقل سعرها اليوم عن 30 مليون ليرة، وكذا بالنسبة للعقار أو السلع التجارية الأخرى، مبدياً استغرابه من إهمال حكومة الأسد هذا الجانب الذي يزيد من الفساد والاحتيال، ويزيد من نسبة الجريمة بسورية.
ويذكر أن سعر صرف الدولار الذي لم يزد عام 2011 عن 50 ليرة سورية، سجل اليوم نحو 14 ألف ليرة، ووصل سعر غرام الذهب عيار 21 قيراطاً بأسواق دمشق، 741 ألف ليرة سورية.