وهي مأزومة بغموض الأفق وارتفاع منسوب القلق من اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط نتيجة استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، تسعى شركات تصنيع الطائرات لتسويق منتجاتها في "معرض دبي للطيران"، فيما نزيف زبائنها من شركات الطيران متواصل بسبب الإلغاءات وتزايد التكاليف.
فالصفقات الضخمة المعلن عنها مع انطلاق المعرض اليوم الاثنين، لم تستطع لجم المخاوف من التداعيات المحتملة لاتساع رقعة الأعمال الحربية في منطقة الشرق الأوسط، فيما الشركات بدأت تدفع عملياً ثمن إلغاء العديد من رحلاتها كما تعليق مقاصد إلى عدد من المطارات الإقليمية، خاصة مع انحسار الطلب على السفر جواً.
في هذا الإطار أتت تصريحات رئيس مجلس إدارة شركة "مصر للطيران" يحيى زكريا الذي نقلت عنه "رويترز" قوله اليوم: "نشهد بعض الإلغاءات بسبب الحرب في غزة لكن الإلغاءات ليست شديدة التأثير"، مضيفاً: "نحتاج 125 طائرة لتلبية الطلب وتحقيق ربحية من التشغيل"، ليكشف الرئيس التنفيذي للملكية الأردنية سامر المجالي عن نية "تجديد طائرات بوينغ 787 الموجودة لإطالة عمرها".
وكان المجالي قال الجمعة الماضي، إن "هناك انخفاضاً كبيراً في حجوزات الشركة التي بدأت طائراتها الآن تسلك مسارات أطول لتجنب المجال الجوي الإسرائيلي، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع تكاليف التشغيل".
ورجح تقرير لـ"أسوشييتد برس" أن تؤثر الحرب في غزة، فضلا عن حرب روسيا ضد أوكرانيا، على المعرض الذي يستمر 5 أيام في "مطار آل مكتوم الدولي" في "دبي وورلد سنترال".
وبينما يحظى الطيران التجاري بقدر كبير من الاهتمام، تقيم شركات لتصنيع الأسلحة أجنحة أيضا خلال المعرض. لكن ما كان لافتاً أن منصتَي العرض الخاصتين بشركتَي تصنيع الأسلحة الإسرائيلية "صناعات الفضاء الإسرائيلية" و"أنظمة رافائيل الدفاعية المتقدمة" بدتا فارغتين في بداية اليوم الأول من المعرض، تزامناً مع استمرار العدوان على غزة.
وبحسب "رويترز"، لم يتضح على الفور سبب عدم وجود موظفين في أي من المنصتين، الموجودتين بالقرب من جناح شركة "إيدج" الإماراتية للصناعات الدفاعية. وكانت صناعات الفضاء و"إيدج" وقعتا برامج تطوير مشتركة في معرض دبي بنسخته السابقة عام 2021.
ولم ترد صناعات الفضاء ولا رافائيل حتى الآن على طلبات أرسلت بالبريد الإلكتروني للحصول على تعليق بشأن مشاركتهما، فيما تم إغلاق مدخل منصة صناعات الفضاء بحبل أحمر. وتواجد موظفون بمنصة العرض الخاصة بشركة مسجلة محلياً تابعة لـ"أنظمة "إلبيط"، إلا أن أحد الموظفين رفض الإجابة عن أسئلة الصحافة حول مشاركتهم.
وأسست "أنظمة إلبيط" الشركة المسجلة في الإمارات عام 2021، وقالت إن الهدف هو إقامة تعاون طويل الأمد مع الجيش الإماراتي. وأعلنت الشركة الإسرائيلية الأم في الأسابيع الماضية دعمها إسرائيل وجيشها.
ويأتي افتتاح المعرض بعد يومين على دعوة الدول العربية والإسلامية إلى وقف مبيعات الأسلحة إلى دولة الاحتلال مع ارتفاع عدد القتلى في هجومها على غزة.
ولم تشارك الشركات الإسرائيلية بشكل علني في المعارض والمؤتمرات الإماراتية إلا منذ عام 2020 عندما أقامت الدولة الخليجية وإسرائيل علاقات بموجب اتفاق توسطت فيه الولايات المتحدة.
كما تُعرض مروحيات روسية خلال المعرض، بعد ظهورها في معرض أبو ظبي للأسلحة في وقت سابق من هذا العام، رغم العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ودول أخرى بسبب هجوم موسكو على أوكرانيا. وتشارك في المعرض أيضاً شركة الفضاء الروسية الحكومية "روسكوزموس".
ويبرز القلق من جديد في أوساط قطاع الطيران العالمي بسبب الوضع في غزة، بعدما ازدهر إثر التداعيات الكارثية التي تسببت بها جائحة كورونا من عمليات إغلاق بجميع أنحاء العالم، لدرجة أن الحركة الجوية وصلت الآن إلى 97% من مستويات ما قبل كورونا، وفقا لـ"اتحاد النقل الجوي الدولي" (إياتا).
ويقول محللون إن الحرب الدائرة في غزة قد تزيد الطلب على الأسلحة بالإضافة إلى الزيادة التي طرأت خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية بسبب تسليح الولايات المتحدة وحلفائها لأوكرانيا ضد روسيا.
وتسبب عدوان الاحتلال في تعطيل بعض الرحلات التجارية، كما أوقفت بعض شركات الطيران رحلاتها إلى الكيان الإسرائيلي فيما أدى العدوان أيضاً إلى انهيار السياحة.
وبينما يحذر مسؤولون في الشرق الأوسط من خطر امتداد رقعة الصراع إلى المنطقة، يلغي المسافرون عطلاتهم المقررة إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو يؤجلونها.
وقال ريتشارد أبو العافية من شركة "إيرو ديناميك أدفيزوريس" إن المعرض "سيكون مثيرا للاهتمام حقا من وجهة نظر جيوسياسية"، مستبعداً أن تؤدي الحرب إلى إلغاء الطلبيات المقررة منذ فترة طويلة، لكن شركات الطيران في المناطق التي تسعى إلى زيادة عدد رحلاتها الجوية، مثل السعودية، قد تواجه تساؤلات حول ما إذا كان الصراع قد يقلص من خطط النمو المستقبلية.
بدوره، الرئيس التنفيذي للعمليات في "طيران الإمارات" عادل الرضا قبل أسبوع، إن الطلب على الرحلات الجوية من بعض الأسواق في آسيا "تأثر قليلاً" بالحرب التي دخلت الآن أسبوعها السادس.
ومع ذلك، من المتوقع أن يسفر المعرض عن طلبيات تعكس انتعاش الطلب على طائرات المسافات الطويلة في ظل مجموعة من الصفقات التي انطلق توقيع عقودها اليوم.
في السياق، أعلنت شركة "بوينغ" طلبية تلقتها لشراء 45 طائرة من طراز "737 ماكس" من شركة "صن إكسبرس" للرحلات منخفضة التكلفة على هامش المعرض اليوم الاثنين.
ويتضمن طلب شراء الطائرات الـ45، 28 طائرة من طراز "737-8 إس" و17 طائرة من طراز "737-10 إس"، مع خيارات شراء لاحقة قد ترفع الصفقة إلى 90 طائرة، ما قد يؤدي إلى مضاعفة أسطول الشركة التركية الألمانية المؤلف من 66 طائرة.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة وهي مشروع مشترك بين الخطوط الجوية التركية و"لوفتهانزا" ماكس كوناتزكي، خلال مراسم التوقيع "إنها أكبر طلبية في تاريخ صن إكسبرس".
وبحسب قائمة الأسعار للطائرات المعنية، قد تزيد قيمة الصفقة عن 5 مليارات دولار مع حصول حسومات عادة عندما تكون الطلبية كبيرة.
كما أعلنت شركة "طيران الإمارات" تقديم طلبية بقيمة 52 مليار دولار لشراء 95 طائرة "بوينغ"، في أكبر صفقة حتى الآن ضمن المعرض. وقالت الشركة إنها ستشتري 55 طائرة "بوينغ" من طراز "777-9 إس" و35 أخرى من طراز "777-8 إس"، وستضيف 5 طائرات من طراز "787 دريملاينر" إلى طلبية سابقة كانت تشمل 30 من هذه الطائرات، لتصبح بذلك الطلبية 35 طائرة.
في سياق منفصل، أعلنت شركة "فلاي دبي" الإماراتية للرحلات المنخفضة التكلفة توقيع صفقة شراء 30 طائرة "بوينغ" من طراز "787-9 دريملاينر"، التي ستصبح أول طائراتها عريضة البدن، وفقاً لوكالة "فرانس برس".
وصرح مدير العمليات في "شركة طيران الرياض"، أحدث شركة طيران سعودية، اليوم، بأن الشركة لا تزال تجري محادثات مع شركات تصنيع الطائرات لتقديم طلبية لشراء طائرات ضيقة البدن.
وقالت شركة الطيران المملوكة لصندوق الثروة السيادية السعودي، والتي من المقرر بدء تشغيلها في عام 2025، هذا الشهر إنها ستشتري عدداً كبيراً من الطائرات ضيقة البدن في الأسابيع المقبلة.
وذكر مدير العمليات "بيتر بيلو" لـ"رويترز" على هامش المعرض: "سنطلب في مرحلة ما طائرات ضيقة البدن لكننا ما زلنا نتفاوض".
وتعتزم "الخطوط الجوية التركية" أيضاً بشراء 355 طائرة من شركة "إيرباص"، من بينها 250 طائرة من طراز (ايه 321 نيو)، وفقاً لوكالة أنباء "الأناضول" الرسمية.