خلال فترة زمنية لا تتجاوز 8 سنوات ضخت قطر نحو 220 مليار دولار، ليس فقط في مشروعات كأس العالم 2022 كما ردد البعض، لكن في مشروعات تتعلق بالبنية التحتية للبلد وإعادة بناء الدولة كاملة.
لكن السؤال: لماذا ضخت قطر كل هذه الأموال الطائلة؟
في تقديري فإن قطر استغلت حدث استضافة كأس العالم لتسريع بناء البنية التحتية للدولة، والبدء في مشاريع كبرى بات يُنظر لها كاستثمارات على المدى الطويل.
لذا لم تركز فقط على المشروعات المرتبطة بالمونديال من ملاعب وفنادق ومواصلات، بل عملت على الاستفادة من فرصة الحدث الرياضي الكبير في إعادة هيكلة البنية التحتية بالكامل، وبناء مدن جديدة مثل لوسيل ومشيرب، وشق طرق عملاقة مثل المجد والصباح والخور والتي بلغت تكلفتها الاستثمارية عشرات المليارات من الدولارات، وتطوير المنطقة الصناعية وتوسيع رقعتها.
لم تركز قطر فقط على مشروعات المونديال من ملاعب وفنادق ومواصلات، بل استفادت من فرصة الحدث الرياضي الكبير في إعادة هيكلة البنية التحتية بالكامل
قطر تسعى من خطوة ضخ هذه الأموال الضخمة في البنية التحتية إلى تحقيق هدف رئيسي هو تنويع اقتصادها بحيث لا يظل معتمدا على إيرادات الغاز والنفط.
ومن هنا تمهد الطريق أمام تنشيط أنواع جديدة من الأنشطة الاقتصادية (السياحة والصناعة والاستثمار المباشر)، لذا فإن تلك البنية القوية ستساعدها في تحقيق 3 أهداف رئيسية هي:
1 - جذب الاستثمارات الخارجية المباشرة، سواء تلك الموجهة لقطاعات إنتاجية مثل الصناعة والتصدير أو خدمية مثل السياحة، تساعدها في ذلك بنية تحتية قوية، وسعر صرف مستقر للعملة، واستقرار سياسي وأمني، وتوافر الطاقة وبأسعار مناسبة، وشبكة طرق تربط كل أرجاء الدولة، وقطاع مالي ومصرفي قوي، ومناخ جاذب للاستثمار، وإعفاءات ضريبية واسعة.
2 - التحول إلى قاعدة صناعية في المنطقة، بحيث تتم إقامة صناعات استراتيجية ومغذية مثل السيارات والأدوية ومستلزمات البناء والتشييد والصناعات التحويلية والبتروكيميائيات، وتصدير منتجاتها للخارج سواء لدول الخليج أو المنطقة العربية أو أفريقيا وإيران ودول شرق آسيا وغيرها من دول العالم. وهذه الخطوة تنشّط الصادرات الخارجية وتزيد من إيرادات النقد الأجنبي.
مهّدت قطر الطريق أمام تنشيط أنواع جديدة من الأنشطة الاقتصادية في مجالات السياحة والصناعة والاستثمار المباشر
3 - التحول إلى لاعب أساسي في سوق السياحة العربي والدولي، خاصة السياحة الرياضية وسياحة المؤتمرات والمعارض والعلاج والسياحة الشاطئية والمنْتزهات، إضافة إلى السياحة التقليدية من متاحف وغيرها، تساعدها في ذلك ملاعب عالمية وشبكة مواصلات قوية وسريعة، إلى جانب البنية التحتية الحديثة، وقطاع فندقي حديث، ومناخ جاذب للسياح في الشتاء، وشبكة طيران قوية.
ووفق الأرقام الحكومية، فإن قطر تستهدف جذب 6 ملايين سائح سنويا بحلول العام 2030، بالإضافة إلى تعزيز دور السياحة في تطوير الاقتصاد الوطني من خلال زيادة مساهمتها في الناتج المحلي لتصل إلى 10%، ضمن الأهداف الرامية لتحقيق رؤية قطر الوطنية.
قطر تراهن على المستقبل، مستفيدة من الأزمات والتحديات الخارجية والإقليمية العديدة التي واجهت اقتصادها في السنوات الأخيرة ومنها صدمة أسعار الطاقة، وتداعيات تهاوي أسعار النفط بسبب تفشي حرب كورونا، والحرب السعرية النفطية التي نشبت بين الرياض وموسكو في الربع الأول من عام 2020 وساهمت في حدوث انخفاض حاد في سعر الخام الأسود، وفقاعة الأصول.
الاقتصاد تجاوز التحديات بفضل السيولة النقدية الضخمة التي تتجاوز تتخطى 460 مليار دولار إلى جانب تطبيق سياسة الاكتفاء الذاتي
ورغم تلك التحديات، إلا أن هذا الاقتصاد القطري استطاع التغلب عليها بفضل السيولة النقدية الضخمة والتي تتجاوز حاليا 460 مليار دولار، وتطبيق سياسة الاكتفاء الذاتي خاصة من السلع الغذائية والاستراتيجية، وسياسة التنوع الاقتصادي منذ سنوات، والتخلص من "عقدة" الاعتماد على الطاقة كمصدر وحيد لإيرادات البلاد من النقد الأجنبي، وتنويع الأسواق الخارجية.
كما تمكنت قطر من ترسيخ مكانتها على خريطة الاقتصاد العالمي حيث صُنفت الدولة خلال السنوات الماضية كواحدٍ من أسرع الاقتصادات الناشئة في العالم.