موظفو القطاع العام في لبنان يرفضون قرارات لاستمالتهم: الإضراب مستمر

19 يوليو 2022
خلال تحرك لموظفي القطاع العام (حسين بيضون)
+ الخط -

اتخذت "اللجنة الوزارية المُكلَّفة معالجة تداعيات الأزمة المالية على سير المرفق العام" في لبنان جملة مقرّرات حاولت من خلالها "مغازلة" الموظفين والعاملين في القطاع العام بمنحهم مساعداتٍ و"زياداتٍ" تبقى بالنسبة إليهم غير كافية لمواجهة الأزمة الاقتصادية والغلاء، ما يدفعهم إلى مواصلة قرارهم التوقّف عن العمل للأسبوع الخامس.

وأقرّت اللجنة الوزارية في جلسة ترأسها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أمس الاثنين دفع المساعدة الاجتماعية المقرّرة سابقاً والتي كانت تبلغ نصف راتب عن شهرَيْ مايو/أيار ويونيو/حزيران، استصدار مرسوم استثنائي يقضي بدفع مساعدة اجتماعية تعادل راتباً كاملاً كل شهر ابتداءً من شهر يوليو/تموز، النظر في مضاعفة الرواتب بعد إقرار الموازنة وفي ضوء الإيرادات التي سيتم تحصيلها.

ومن المقرّرات، إعطاء بدل نقل يومي عن الحضور الفعلي يبلغ 95 ألف ليرة (حوالي 3 دولارات وفق سعر الصرف في السوق السوداء، يتخطى 29 ألفاً)، الإشارة إلى تضمين اقتراح القانون المتعلِّق بفتح اعتماد إضافي لتغذية بنود الموازنة، دفع فروقات بدلات النقل المتوجبة التي كانت 64 ألف ليرة ولم تكن تُدفَع للموظفين بشكل عام، وستعطى هذه المستحقات بمفعول رجعي اعتباراً من شهر مارس/آذار الفائت.

وربطت اللجنة كلّ ما تقدَّمَ بالحضور لمدة يومَيْن على الأقلِّ تأميناً للواردات ومصالح الناس، كما أكدت المساواة في التعاطي مع العاملين في كل المرافق العمومية على اختلافها وتنوعها من دون أي تمييز أو استثناء، مشددة على أن أي استثناء حصل في الأيام الماضية تم وقفه.

مع الإشارة إلى أن القرار المصرفي الذي صدر أخيراً باحتساب أجور القضاة وفق سعر الصرف 8 آلاف ليرة أحدث بلبلة كبيرة في الأوساط العاملة وأثار حفيظة الموظفين لا سيما منهم في القطاع العام، في قرار وضع في خانة "الرشوة" بتوقيت ترتفع فيه وتيرة القرارات القضائية بوجه البنوك اللبنانية.

وفي مستهلّ جلسة اللجنة الوزارية، قال ميقاتي صراحة إن "تلبية المطالب دفعة واحدة أمرٌ مستحيلٌ ويتسبَّب بانهيار أوسع للأوضاع ونحن لسنا في هذا الوارد"، مشيراً إلى أن "الإضراب على أحقيته ومشروعيته ليس الحلّ المستدام لأنه يتسبّب بشلِّ كلّ مفاصل الدولة ووقف الإيرادات الكفيلة بتحسين الأوضاع الاجتماعية وزيادة الرواتب وبالتالي سنبقى في الدوامة ذاتها".

من جهته، أشار وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال مصطفى بيرم إلى أن "تمويل هذه المساعدة التي أعلن عنها مؤمّن، فإعطاء راتب مؤمَّن حالياً لكن التمويل الأساسي سيكون مع الموازنة التي ستسمح بأن يكون لدينا سلة من الواردات، إذ هناك منافذ مهمّة جداً للرسوم لا تطاول المواطنين بشكل مباشر وتم اختيارها بعناية لتأمين واردات بشكل كبير وتمكننا من القيام في ما بعد بتعديل على الرواتب ومضاعفتها".

ولفت إلى أنه سيتم استصدار مرسوم استثنائي بهذه المقرّرات ابتداءً من أول يوليو، وسنعطي الزيادات بانتظار إقرار الموازنة، لافتاً إلى أنه إذا لم يعاود الموظفون العمل من خلال المناوبة التي ندعو اليها فهناك خطر على الرواتب، مشدداً على أن الحصول على هذه التقديمات يرتبط بحضور الموظف.

في حين وصف وزير الصناعة جورج بوشكيان المقررات بأنها "جسر عبور للمرحلة المقبلة التي يتم العمل عليها"، لافتاً إلى أن "الاجتماعات أبقيَت مفتوحة لأننا لا نريد أن ندخل في مرحلة من التضخم والعجز".

هذه المقررات لم تلقَ أي قبول، و"التوقف عن العمل مستمرّ" وفق ما يؤكد نائب رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة وليد جعجع لـ"العربي الجديد"، ويسأل "هل الذين يجلسون على الطاولة يعلمون بما نعانيه؟ يشعرون بوجعنا؟ يدركون أن رواتب واجور الموظفين تتبخر بمجرّد قبضها لتسديد قيمة الفواتير قبل دخولهم إلى المنزل ولا تكفي حتى لتغطية كل المتوجبات ولا لشراء المأكل والمشرب؟ هل يعلم هؤلاء أن الموظف والعامل لا يملك المال لتعبئة سيارته بالبنزين للذهاب إلى مكان العمل حتى في اليومين "المُشتَرَطيْن" للحصول على التقديمات؟".

ويضيف جعجع "لم يفهم المسؤولون بعد أننا نريد أن نأكل ونشرب، نريد راتب يكفينا للعيش بالحدِّ الأدنى. هذه من أبسط الحقوق، نحن لا نشحذ. نريد تحويل رواتبنا التي ما تزال تُحتَسَب على سعر الصرف الرسمي (1507 ليرات) على الدولار المصرفي، فراتب المليون والمليوني ليرة لم يعد كافياً، فاتورة المولدات الخاصة وحدها تتجاوز المليوني ليرة، كيف بالحديث عن الطبابة والاستشفاء والسلع الغذائية والاقساط والمصاريف الأخرى الأساسية".

ويسأل جعجع "هل يريدون للناس أن تموتَ من الجوع؟ هناك موظفون يعملون منذ أكثر من عشرين عاماً هل سنقول لهم اليوم ممنوع عليكم الطبابة والمأكل والمشرب؟ لا بل ومرغمون على الذهاب إلى العمل يومين في وقتٍ لا يمكنه تعبئة سيارته بالوقود في ظل أسعار المحروقات المرتفعة حتى ولو تم زيادة بدل؟".

"هذه كلها في كفّة، والاستنسابية في التعاطي مع مطالبنا في كفة ثانية"، يقول نائب رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة وليد جعجع، ويشير في المقابل، إلى أننا أضأنا على حلولٍ كثيرة يمكن للمسؤولين سلكها لتحصيل الأموال وتالياً تحسين المداخيل وتصحيح الأجور والرواتب لكن اذانهم غير صاغية.

وينفذ الموظفون والعاملون في القطاع العام منذ أشهرٍ إضرابات متقطعة فتوقف مفتوح عن العمل طاول العديد من مفاصل الدولة ومرافق أساسية فيها منها الجوية والمالية حتى تلك الإعلامية الرسمية بشكل أدى إلى تراجع خدماتها بشكل غير مسبوق، بينما يرفعون مطالب ترتكز على دعم الصناديق الضامنة وتصحيح الأجور والرواتب التي تآكلت قيمتها الشرائية في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار والغلاء المعيشي وارتفاع أسعار المحروقات بشكل جنوني. 

من جهته، يقول منسق اللجنة القانونية في "المرصد الشعبي" (مجموعة حقوقية سياسية تتعاطى الشأن العام) المحامي جاد طعمة لـ"العربي الجديد" إنه "منذ إقرار سلسلة الرتب والرواتب التي دفعت نحو التضخّم عام 2017 ونحن بحال انهيار اقتصادي مستمر، ومنذ ذاك الوقت لم تعتمد الدولة اللبنانية أي رؤية اقتصادية علمية، فكان العيش دائماً على مبدأ الهبات من الخارج، الاستدانة والمؤتمرات الدولية المانحة، وبالتالي، يمكن تشبيه الدولة اللبنانية بالتاجر الذي يعرف أنه مفلس أو لا يملك الإمكانات المالية وسيصل إلى لحظة ينكشف فيها، ورغم ذلك استمرّ بحياة الترف واللامبالاة".

تبعاً لذلك، يرى طعمة أن كل ما يحصل اليوم يندرج في إطار الحلول القاصرة وغير العملية، وتثبّت أن اقتصاد لبنان ريعي وغير منتجٍ، وتركن إلى طباعة العملة الوطنية من دون سقفٍ ومن دون انضباطٍ، مشيراً إلى أن "الحل لا يكون بقرارات تعطي بدلات نقل اضافية ولا بالطلب من الموظف الحضور إلى مركز عمله يومين في الأسبوع، علماً أنه في تاريخ الدول التي شهدت حروباً عالمية ونكبات اقتصادية، كان تعاضد المجتمع سيّد المشهد وتكثيف العمل على مدار اليوم للنهوض، بيد أن الدولة اللبنانية من خلال ممارستها تبرهن أنها لا قرار جدي لديها بالنهوض".

في المقابل، يشدد طعمة على أن "الحل يكمن من خلال خطة نهوض اقتصادي وطني، باجتماع مجلس النواب وعقد جلسات مفتوحة ومتواصلة لإقرار قوانين تعكس إسقاط الحصانات، ضبط الأداء والعمل الحكومي، استقلالية السلطة القضائية بحيث أنه من دون قضاة مستقلين يبقى القانون حبراً على ورق، لا قضاة يبرِّرون منحة شفهية أعطاهم إياها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة".

ويسأل "أين خطة استعادة الأموال المنهوبة، واستعادة الأموال الذي هُرِّبَ إلى الخارج؟ أين محاسبة حاكم مصرف لبنان على هندساته المالية؟ أين محاسبة القيّم على السياسة النقدية والمالية في البلد؟ لماذا السجون ما تزال خالية من المسؤولين عن الانهيار الحاصل والهدر والفساد"، هذه الأساسيات كلها غائبة، بينما تتغطى سياسة الصفات والمحاصصة والرهان أنه بلحظة يمكن بيع قضية ما للمجتمع الدولي مقابل الحصول على فتات، كما يحصل في ملف ترسيم الحدود البحرية جنوباً وحقوق لبنان النفطية والغازية وهذا خير دليل على رعونة الطبقة الحاكمة.

في الختام، يتوقف منسق اللجنة القانونية في "المرصد الشعبي" عند اتخاذ لجنة وزارية هكذا مقررات، ما يضعنا أمام مشهدية أن لجنة تحل محل الحكومة، والقرارات الادارية محلّ مجلس النواب، بشكل يعكس سقوط منطق الدولة وسقوط للشرعية وحكماً يدفع لبنان نحو شريعة الغاب، وقد يكون لأهل المنظومة مصلحة في انفلات الأمور بهذا الشكل حتى يتهرّبون من المسؤولية.

المساهمون