بدأ موسم تسريح الموظفين بشكل جماعي في العديد من الشركات العالمية الكبرى، لتعيد تلك المذابح الجماعية للذاكرة ما حدث عقب تفشي وباء كورونا وإغلاق حدود معظم دول العالم وأسواقها ومصانعها ومؤسساتها الإنتاجية.
ما يحدث هذه المرة من مذابح جماعية للموظفين داخل الشركات الكبرى هو صورة مصغرة وبروفة لما يمكن أن يحدث داخل المؤسسات الغربية، بل وداخل قطاع الأعمال والشركات بشكل عام، في الفترة المقبلة.
إذ إن غلاء الأسعار الجامح ودخول بعض الاقتصادات مرحلة الركود التضخمي، وزيادة تكاليف الإنتاج خاصة الطاقة، وتراجع الأرباح سيدفع أصحاب الشركات نحو الضغط على المصروفات الثابتة، وتقليص النفقات بهدف تفادي الوقوع في مصيدة الإفلاس، وأول بند يفكر فيه هؤلاء الأثرياء، الموظفون، الحلقة الأضعف داخل أي مؤسسة اقتصادية.
إيلون ماسك تسريح نحو نصف عدد موظفي تويتر، أي نحو 3700 موظف، بزعم تحقيق الشركة خسائر يومية تتجاوز 4 ملايين دولار
خلال الأيام الماضية أقدمت عشرات من شركات تكنولوجيا المعلومات والبنوك والمؤسسات المالية والشركات العقارية الكبرى على عمليات تسريح جماعية للموظفين.
رأينا ذلك بشكل صارخ في شركة التواصل الاجتماعي العملاقة، تويتر، فعقب فوزه قبل أيام باتمام صفقة الشراء البالغ قيمتها 44 مليار دولار، قرر الملياردير إيلون ماسك تسريح نحو نصف عدد موظفي تويتر، أي نحو 3700 موظف، بزعم تحقيق الشركة خسائر يومية تتجاوز 4 ملايين دولار.
كما أقال ماسك عددا من كبار المسؤولين التنفيذيين الذين اتهمهم بتضليله بشأن عدد حسابات البريد العشوائي. وسرحت تويتر موظفيها في العديد من دول العالم ومنها الهند. ودفعت تلك المذبحة الجماعية الأمم المتحدة، وفي مرة نادرة، للتدخل في الأمر ومطالبة ماسك بوقفها.
تكرر المشهد في عملاق التواصل الاجتماعي فيسبوك الذي بدأ هذا الأسبوع أكبر حملة تسريح للموظفين، حيث قال مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة Meta المالكة للموقع يوم الأربعاء، إن الشركة ستسرح نحو 11 ألفا من الموظفين لديها بحجة خسارة أسهمها 73% من قيمتها السوقية، وتراجع الإيرادات بشكل حاد.
امتدت مذابح الموظفين إلى الشركات والبنوك العالمية الكبرى، فقد أعلن بنك مورغان ستانلي الاستثماري الأميركية العملاق بدء جولة جديدة من تسريح الموظفين بهدف خفض النفقات.
فيسبوك تقرر تسريح نحو 11 ألفا من الموظفين لديها بحجة خسارة أسهمها 73% من قيمتها السوقية
وبدأ سيتي بنك، أحد أكبر البنوك الأميركية، بالفعل في تسريح عدد من العاملين في قطاع قروض الرهن العقاري. وأعلنت شركة "أوبن دور" Opendoor عن خطة لخفض القوى العاملة بنحو 18%، مع تباطؤ سوق الإسكان في الولايات المتحدة جراء ارتفاع التكاليف.
وتكرر الأمر داخل شركات تكنولوجيا المعلومات الأميركية الكبرى، فشركة آبل تعتزم إبطاء التوظيف ونمو الإنفاق في بعض الوحدات للتغلب على تباطؤ اقتصادي محتمل.
وألغت مايكروسوفت بعض المناصب وأقالت موظفين كجزء من إعادة التنظيم، بينما سرحت شركات مثل نتفلكيس موظفين فيها خلال الأشهر الأخيرة.
وتعتزم شركة النقل الجماعي الذكي الناشئة "سويفل" المدرجة في بورصة ناسداك تسريح 32% من موظفيها في محاولة للتحول إلى تدفق مالي إيجابي بحلول العام المقبل.
أصحاب الشركات تحركهم دوافع مادية بحتة من وراء تسريح الموظفين بشكل جماعي، فهم يرغبون في المحافظة على مستويات الأرباح السنوية حتى لو وصل الأمر إلى حد فصل نصف الموظفين كما حدث في موقع تويتر.
لا يهم هؤلاء تدمير حياة الموظفين وأسرهم، كل ما يهمهم هو المحافظة على أرصدتهم في البنوك، بل وزيادتها بمليارات الدولارات.