تقترب موريتانيا من دخول نادي الدول المصدرة للغاز، إذ يتوقع أن تصدر البلاد أولى شحنات الغاز نحو الأسواق العالمية، في النصف الأول من عام 2023، حسب بيانات حكومية حديثة.
ومع تصاعد أنشطة الشركات العاملة في مجال النفط والغاز بموريتانيا خلال السنوات الأخيرة، ظهرت عدة نتائج إيجابية لعمليات التنقيب التي تقوم بها تلك الشركات في المياه الموريتانية.
وشهدت موريتانيا منذ عام 2015 وحتى الآن اكتشافات غازية ضخمة، يطمح المسؤولون أن تقلع بالبلاد نحو آفاق اقتصادية أوسع وتنقذ عشرات الآلاف من براثن الفقر، إذ يعيش 50.6% من السكان تحت خط الفقر متعدد الأبعاد، وفقا لتقرير التنمية البشرية لعام 2019، فيما يعيش 31% من السكان تحت خط الفقر بدخل نحو 1.9 دولار للفرد في اليوم.
وتؤكد بيانات شركتي بريتش بتروليم البريطانية (بي.بي) و"كوسموس إنيرجي" الأميركية أن الاكتشافات الجديدة في المياه الموريتانية سترفع احتياطات البلاد إلى 50 تريليون قدم مكعبة من الغاز.
وفي هذا السياق، يوضح الباحث في قسم الجيولوجيا بجامعة نواكشوط، زين العابدين، أن المؤشرات تشير إلى وجود كميات كبيرة من الغاز في الحوض الساحلي الموريتاني، مشيرا إلى وجود مؤشرات إيجابية في مقاطع لم تصلها بعد عمليات التنقيب.
وتوقع زين العابدين، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن تتضاعف اكتشافات الغاز في موريتانيا مع استمرار عمليات التنقيب خلال السنوات المقبلة، مشيرا إلى دخول عدة شركات جديدة في مجال التنقيب عن النفط والغاز بعدة مقاطع داخل الحوض الموريتاني.
وترتبط الحكومة الموريتانية بعقود في مجال التنقيب مع أربع من كبريات شركات العالمية، وهي: شركة برتيش بتروليوم البريطانية، وشركتا "كوسموسإينيرجي" و"إكسون موبيل" الأميركيتان، بالإضافة إلى شركة "توتال" الفرنسية.
حقول ضخمة
في عام 2015 أعلنت شركة "كوسموس إنيرجي" الأميركية وشريكتها "بي بي" البريطانية عن اكتشاف حقل ضخم للغاز على الحدود البحرية الموريتانية السنغالية، وقدرت احتياطاته بنحو 25 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي عالي الجودة.
ووقع رئيس موريتانيا والسنغال نهاية عام 2018 على اتفاق لتقاسم إنتاج الغاز في الحقل الضخم والذي يجري العمل على بدء استغلاله منذ سنوات، وكانت شركة "برتش بتروليوم" المستغلة للحقل قد حددت مطلع عام 2022 لبدء التصدير الفعلي لشحنات الغاز من الحقل، قبل أن تؤدي جائحة كورونا إلى تأخير مجريات العمل بالحقل، ويتوقع أن يبدأ الاستغلال الفعلي مطلع عام 2023.
ويسمح اتفاق التسويق الموقع بين البلدين والشركات المستغلة للحقل، بتصدير ما يقارب 2.3 مليون طن سنوياً من الغاز المسال من حقل "السلحفاة ــ احميم"، وذلك على مدار 10 سنوات قابلة للتجديد.
ويعد حقل "السلحفاة ـ احميم" أكبر اكتشاف للغاز الطبيعي حول العالم منذ اكتشاف شركة "إيني" الإيطالية لحقل الظهر المصري في عام 2015، والذي تقدر احتياطاته بنحو 30 تريليون قدم مكعبة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول من عام 2019 أعلنت شركتا بريتش بتروليم وكوسموس إنيرجي عن اكتشاف حقل غاز جديد على بعد 60 كلم شمال حقل "السلحفاة"، داخل المياه الموريتانية، وقدرت احتياطاته بنحول 13 تريليون متر مكعب، فيما تقارب مساحة الحقل ثمانية أضعاف مساحة حقل السلحفاة.
ويقع الحقل الجديد داخل الحدود الموريتانية بشكل كامل، وبالتحديد في بئر "أوراكا1" في منطقة بئر الله التي تقع ضمن برنامج التطوير الذي يتولاه شركاء البلدين، وأكدت نتائج الحفر به على نجاح بنسبة 100% للآبار التسع المحفورة في المنطقة، وفقا للشركتين.
عائدات مهمة
يعد قطاع المعادن أحد أهم ركائز الاقتصاد الموريتاني، إذ تتجاوز إسهاماته في الناتج المحلي الخام 30%، كما أنه المصدر الأول للعملة الصعبة، إذ يشكل أكثر من نصف صادرات البلاد إلى الخارج، ويوفر حوالي 20 ألف فرصة عمل ما بين دائمة ومؤقتة، حسب بيانات رسمية.
هذه المعطيات جعلت الحكومة الموريتانية تعمل جاهدة على جذب الاستثمارات في مجال الغاز، حيث بات قطاع الغاز يأخذ نصيب الأسد من اهتمام المستثمرين الأجانب في موريتانيا خلال السنوات الأخيرة.
وعملت الحكومة مؤخرا على تحسين مدونة القطاع المنجمي لتصبح أكثر قدرة على جذب الاستثمارات في هذا القطاع الواعد، حيث تؤكد المؤشرات وجود احتياطات هائلة من الغاز في السواحل الموريتانية.
ويتوقع أن تساهم عائدات الغاز الموريتاني في إنعاش الاقتصاد ورفع احتياطات البلاد من العملة الصعبة وزيادة معدلات النمو، حيث تخطط الحكومة أن تتعدى نسبة النمو حاجز 7% خلال السنوات المقبلة، بعد أن عانت البلاد خلال السنوات الماضية من تراجع في معدل النمو. كما تعرضت موريتانيا لأزمة مالية جعلتها تلجأ إلى الاقتراض المفرط حتى تجاوزت المديونية الخارجية للبلاد 100% من الناتج الداخلي الخام.
وحسب التقديرات الأولية، يتوقع أن تصل عائدات موريتانيا من حقل السلحفاة وحده إلى حوالي مليار دولار سنويا خلال السنوات الأولى من بدء الاستغلال، أي ما يقارب 20 في المائة من ناتجها الداخلي الخام، فيما يتوقع أن تصل هذه العائدات إلى حوالي 14 مليار دولار خلال العقد الأول من بدء الاستغلال، بالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية الأخرى، كالمساهمات الضريبية، وتوفير آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، فضلا عن إنتاج الطاقة الكهربائية من الغاز، مما سيساهم في تحسين قطاع الصناعة الاستخراجية والخفض من تكلفتها.
العوائد الاقتصادية من الاستثمارات الضخمة في مجال الغاز ستشمل مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، فعلى سبيل المثال التزمت شركة "كوسموس إنيرجي" بدعم قطاعي الصحة والتعليم في موريتانيا من خلال بناء 1200 مدرسة و30 مستشفى.
وحول أهمية الاكتشافات الغازية وانعكاساتها الإيجابية على الاقتصاد الموريتاني، يعتقد الباحث الاقتصادي محمد غالي ولد محمد محمود، أن دخول شركات عملاقة كشركة "بي بي" و"كوسموس" سيكون له الأثر الإيجابي على اقتصاد البلاد، ويساهم في تطوير البنى التحتية للاقتصاد الموريتاني، وخلق تحول اقتصادي مهم بفضل الاستثمارات الضخمة لهذه الشركات.
وأكد ولد محمد محمود، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن الثروة الغازية يتوقع أن تؤدي إلى الحد من الفقر بشكل كبير، مشيرا إلى أن عائدات الغاز الموريتاني إن سلمت من الفساد فستنقل البلاد من فئة البلدان الأكثر فقرا إلى مصاف الدول مرتفعة الدخل.
وأبدى ولد محمد محمود مخاوفه من أن تلقى عائدات الغاز الموريتاني مصير باقي الثروات والموارد الطبيعية التي تزخر بها البلاد، لكنها لم تنعكس على الواقع الاقتصادي جراء انتشار الفساد وسوء التسيير، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الاكتشافات الضخمة للغاز الطبيعي سيكون لها أثر إيجابي بدون شك على الوضعية الاقتصادية للبلد بشكل عام.
ويأمل الموريتانيون أن تؤدي اكتشافات الغاز الأخيرة في بلادهم إلى القطيعة مع الفقر، لكنهم في نفس الوقت يخشون من أن تلقى مصير باقي الثروات كالذهب والحديد والسمك والتي تبددت في جيوب المفسدين وضاع مخزونها جراء الفساد وسوء التسيير. ويواجه اقتصاد البلاد العديد من التحديات، منها تفاقم نسبة البطالة، والتي تشهد تقديرات متفاوتة، إذ تشير دراسات غير رسمية إلى تجاوزها 30%. وأشار تقرير سابق لمنظمة العمل الدولية أن "موريتانيا تعد من بين الدول ذات نسب البطالة الأعلى في العالم"، ويأتي ذلك رغم الثروات الهائلة التي تتمتع بها البلاد. وحسب مراقبين، فإن الخطط الحكومية لمحاربة الفقر والبطالة لم تؤد الغرض منها، إذ تواصل تدهور أوضاع المواطنين المعيشية في ظل تصاعد الأزمة المالية والاقتصادية للبلاد.