موجة قلق من تدهور العملات الوطنية أمام الدولار في عدة دول

04 ابريل 2024
تضعف عملات عديدة أمام الدولار الأميركي ما يثير مخاوف بلدانها، 28 مارس 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- دول عديدة تشعر بقلق متزايد بسبب تدهور قيمة عملاتها مقابل الدولار، الذي يعزز مكانته على الرغم من التوقعات بركود في الولايات المتحدة، مدفوعاً بتحسن في سوق العمل والمزاج الاستهلاكي الأمريكي.
- بعض الدول تتخذ إجراءات جريئة لدعم عملاتها، مثل تدخل اليابان وإندونيسيا في الأسواق، ورفع تركيا لأسعار الفائدة، فيما تتطلع الصين والهند والسويد إلى سياسات نقدية للحفاظ على استقرار عملاتها.
- التأثير المؤقت لتدخلات البنوك المركزية في سوق تداول يومي يبلغ 7.5 تريليون دولار يشير إلى سباق مع الزمن لإيجاد حلول دائمة، مع توقعات ببقاء الدولار قوياً، مما يزيد التحديات أمام العملات الأخرى.

يستعر قلق المسؤولين والمواطنين في العديد من دول العالم حيال تدهور قيمة العملات الوطنية مقابل الدولار الأميركي القوي الأداء، والذي تثير عودته إلى الصعود، خلافاً لكل التوقعات، حفيظة المسؤولين عن صنع السياسات المالية والنقدية المحتارين في طبيعة الإجراءات التي يتعيّن عليهم اتخاذها لدرء مخاطر انهيار عملات بلدانهم.

في الصدد، نقلت شبكة "بلومبيرغ" اليوم الخميس، عن تاجرة النقد الأجنبي في "مونيكس" هيلين غيفن قولها إن "الدولار يستمر في زيادة الضغط على البنوك المركزية الأخرى. ونظراً للبيئة العالمية الحالية حيث يبدو أن المصارف المركزية تتطلع إلى إنهاء دورات التشديد، لا يظهر أن هناك طريقة آمنة للتخلص من هيمنة الدولار المستمرة".

وقبل بضعة أشهر فقط، بدا الركود في الولايات المتحدة أمراً لا مفر منه. وبدلاً من ذلك، تظهر البيانات أن البلاد تستفيد من سوق العمل الضيّق والمزاج الاستهلاكي المتفائل والدعم الحكومي للتصنيع، الأمر الذي دفع المستثمرين إلى إعادة تقييم توقعاتهم بسرعة بشأن تخفيضات أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي).

ويتوقع المتداولون الآن، نحو ثلاث تخفيضات للفائدة بمقدار ربع نقطة في عام 2024، بانخفاض عن الرهانات على أكثر من 150 نقطة أساس من التيسير في بداية العام، ما يساعد على رفع مقياس "بلومبيرغ" للدولار أكثر من 2% هذا العام، وضرب كل شيء يتحدث عن الركود. وفي حين أن العملة الأميركية أظهرت بعض الحرارة في الأيام الأخيرة، إلا أنها لا تزال مرتفعة مقابل 28 من العملات الرئيسية البالغ عددها 31 هذا العام.

حول هذه النقطة، قال الخبير المخضرم في الأسواق منذ أربعة عقود والمستشار في شركة Grant Samuel Funds Management Pty في سيدني، ستيفن ميلر، إن "هذه قصة استثنائية أميركية خالصة، حيث يظل شراء الدولار هو التجارة الأولى".

وفي الأسبوع الماضي، حذرت اليابان من اتخاذ "إجراءات جريئة" لتعزيز قيمة الين الذي لا يزال على أعتاب 152 يناً للدولار الواحد، وهو المستوى الذي يعتبره العديد من المتداولين خطاً في الرمال. وتدخلت إندونيسيا مراراً في الأسواق بين البنوك والعقود الآجلة وأسواق السندات من أجل دعم قيمة الروبية.

ومع وجود اليوان الصيني في الجزء السفلي من نطاق التداول المسموح به مقابل الدولار، فإن المستثمرين يراقبون المزيد من التراجع القوي، بعد إجراء تعديلات على السعر المرجعي اليومي للعملة، علماً أن اليوان كان بمثابة عائق أمام العملات الآسيوية الأخرى، بما في ذلك الروبية الهندية.

وتتطلع الدول الأخرى إلى السياسة النقدية لدعم عملاتها. ولذلك رفعت تركيا أسعار الفائدة بما تجاوز التوقعات الشهر الماضي، في حين قال مسؤولون سويديون إن ضعف الكرونا قد يؤخر التحرك الأول لتيسير السياسة النقدية.

وأشار نائب المحافظ مارتن فلودن، وفقاً لمحضر قرار أسعار الفائدة لشهر مارس الذي نُشر اليوم الخميس، إلى أن "التحدي الذي يواجه السياسة النقدية للبنك المركزي السويدي هو أن السياسة النقدية الأميركية يبدو أنها كان لها في الآونة الأخيرة تأثير كبير بشكل خاص على سعر الصرف السويدي"، مضيفاً أنه إذا استمرت العملة في الضعف، "فقد يتعين على السياسة النقدية أن تظل انكماشية لفترة أطول".

وأسعار الصرف مهمة لأن انخفاض قيمة العملات يزيد من تكلفة السلع المستوردة، بما يؤدي إلى زيادة التضخم حيث تتغذى هذه النفقات على الأسعار في محلات البقالة والمصانع. وفي الوقت نفسه، ثمة احتمال أكبر بأن تتدفق الأموال من دولة ذات عملة ضعيفة بحثاً عن عوائد أعلى في أماكن أخرى، بما يسمى بهروب رأس المال، ويضر تالياً بالاستثمار المحلي والنمو.

والمفارقة هي أن التدخل من جانب واحد في أسواق العملة، حيث يتم تداول 7.5 تريليونات دولار يومياً، من غير الممكن أن يغير سعر الصرف إلا مؤقتاً. وفي هذا السياق، قال مدير المحفظة الكلية العالمية في شركة Gama Asset Management SA، راجيف دي ميلو، عن البنوك المركزية والتدخل الحكومي في أسواق العملات: "إنهم يحاولون شراء الوقت، وإذا بدأنا نشعر بمزيد من الشكوك حول تخفيضات أسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، فلن يكون هناك أي معنى للتدخل، وستزداد التقلبات".

وفي حين لا تزال الأسواق تتوقع أن يلجأ بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى تخفيف سياسته هذا العام، إلا أن القناعة ليست موجودة عند الجميع حول هذه النقطة.

كما أن البنوك المركزية على وشك الشروع في دورة خفض أسعار الفائدة الأكثر تزامناً منذ عام 2008، ويبشر مثل هذا السيناريو بالخير بالنسبة للدولار، حيث من المتوقع أن يظل سعر الفائدة الأساسي في الولايات المتحدة واحداً من أعلى المعدلات بين الاقتصادات المتقدمة الرئيسية هذا العام.

هنا، تقول الأستاذة في كلية هارفارد كينيدي وكبيرة الاقتصاديين السابقة في البنك الدولي، كارمن راينهارت، إن "الشيء الآخر إلى جانب التدخل الذي سنراه، والذي نشهده بالفعل، هو الاستعداد للتقدم على بنك الاحتياطي الفيدرالي من حيث التيسير. وأعتقد أنهم سيكونون أكثر خجلاً من القيام بذلك إذا كانوا قلقين بشأن العملة".

كما قال محلل الصرف الأجنبي لدى بنك "غولدمان ساكس"، مايكل كاهيل، إنه مع كل الضغط من صناع السياسة العالميين، "فإننا نشهد اعترافاً من البنوك المركزية بأن تخفيضات بنك الاحتياطي الفيدرالي لن توفر بالضرورة راحة، على الأقل من جانب سياسة العملة".

ويقتنع المستثمرون أيضاً بالواقع الجديد، بما يزيد من الرهانات على قوة الدولار في الأسابيع الأخيرة. فقد أصبح مقياس مراكز المتداولين غير التجارية، وهي مجموعة تضم مديري الأصول إضافة إلى صناديق التحوط وغيرهم من اللاعبين في سوق المضاربة، وهو الآن المقياس الأطول منذ عام 2022، حسبما تظهر البيانات الصادرة عن لجنة تداول العقود الآجلة للسلع حتى 26 مارس الفائت.

تجدر الإشارة إلى أنه من طوكيو إلى إسطنبول، يتدخل صناع السياسات للدفاع عن أسعار الصرف بالقول والأفعال، في حين يتآمر الاقتصاد الأميركي المرن للحفاظ على قوة العملة الأميركية من خلال تقليص التوقعات بخفض أسعار الفائدة الأميركية.

وارتفع الدولار مقابل كل العملات الرئيسية تقريباً في عام 2024، متحدياً توقعات الكثيرين في وول ستريت الذين دخلوا العام متوقعين حدوث عمليات بيع للدولار. وقد أدى ذلك إلى تصاعد التحذيرات من اليابان بشأن استعدادها للتدخل لدعم الين من أدنى مستوى له منذ 34 عاماً. كما فاجأت تركيا الأسواق برفع أسعار الفائدة لتعزيز الليرة، وتحركت الصين وإندونيسيا لتثبيت عملاتهما، في حين تتعرض السويد والهند لضغوط أيضاً.

وتذكر هذه الجهود المكثفة بعام 2022، عندما أعرب المسؤولون في سويسرا وكندا عن أسفهم لضعف أسعار الصرف وسط ارتفاع في التضخم واقتحام الدولار القوي الاقتصادات الناشئة، مما ساهم في التخلف التاريخي عن سداد الديون في سريلانكا. واليوم، تظل البلدان المثقلة بالديون الخارجية معرضة للخطر، خاصة جزر المالديف وبوليفيا المعرضة للخطر إذا استمرت قوة الدولار، وفقاً لشبكة "بلومبيرغ".

المساهمون