تزايدت الدعوات لمواجهة الانهيار الاقتصادي في سريلانكا كخطوة أولى لتهدئة المتظاهرين، الذين لم تتوقف احتجاجاتهم حتى بعد اقتحام المقر الرئاسي.
وتواجه أي حكومة سريلانكية قادمة مهمة صعبة لإعادة الاستقرار المالي لبلد تضخمت فيه ديونه، ثم وصلت إلى حد العجز عن السداد ثم عن شراء الاحتياجات الأساسية كالوقود والغذاء.
يأتي ذلك في الوقت الذي لم تسعف فيه الدول الصديقة، كالصين والهند وروسيا، حكومة البلاد بما يسد حاجة شعبها من الاحتياجات الأساسية، كما تباطأ صندوق النقد الدولي في مد يد العون للحكومة رغم حالة الشلل الكامل التي أصابت البلاد.
من جانبها، حضّت الولايات المتحدة، الأحد، قادة سريلانكا المستقبليّين على "العمل سريعًا" لاستعادة الاستقرار الاقتصادي وتهدئة السخط الشعبي، بعد إعلان الرئيس غوتابايا راجاباكسا استعداده للتنحّي إثر فراره من قصره الذي اقتحمه عدد كبير من المحتجّين.
وقال متحدّث باسم الخارجيّة الأميركيّة من بانكوك، التي يزورها الوزير أنتوني بلينكن، وفقاً لوكالة "فرانس برس"، إنّ الحكومة السريلانكيّة الجديدة يجب أن "تعمل سريعًا من أجل تحديد وتنفيذ الحلول التي من شأنها (توفير) استقرار اقتصادي طويل الأمد وتهدئة استياء شعب سريلانكا حيال تدهور الأوضاع الاقتصاديّة، خصوصًا نقص الكهرباء والغذاء والوقود".
ولم تقدم الإدارة الأميركية هي الأخرى، حتى الآن، أية وعود لمساعدة سريلانكا رغم إعلان الرئيس وحكومته الاستقالة.
انهيار اقتصادي
وترزح الجزيرة التي يبلغ عدد سكانها 22 مليون نسمة تحت وطأة نقص حاد في النقد الأجنبي، أدى إلى تقليص الواردات الأساسية مثل الوقود والغذاء والدواء، ما دفع البلاد إلى أسوأ أزمة اقتصادية منذ استقلالها في عام 1948.
وتأتي الأزمة، وفقا لوكالة "رويترز"، بعد أن ألحقت جائحة كوفيد-19 أضراراً بالغة بالاقتصاد المعتمد بشدة على السياحة، وقللت من تحويلات العاملين في الخارج، وذلك بالتزامن مع تراكم ديون حكومية ضخمة وارتفاع أسعار النفط وفرض حظر على استيراد الأسمدة الكيماوية العام الماضي، ما تسبب في الإضرار بقطاع الزراعة.
وأعلنت سريلانكا، في إبريل/نيسان الماضي، تعليق سداد القروض الأجنبية بسبب نقص العملة الأجنبية.
ويبلغ إجمالي ديون سريلانكا الخارجية 51 مليار دولار، ويتعين عليها سداد 28 مليار دولار منها بنهاية عام 2027، بمتوسط سداد يبلغ حوالي 5 مليارات دولار سنويا.
وعلى الرغم من النقص الحاد في الوقود الذي تسبب في تعطل خدمات النقل في أنحاء البلاد، تكدس المتظاهرون في حافلات وقطارات وشاحنات من مختلف المناطق سعيا للوصول إلى كولومبو للاحتجاج على فشل الحكومة في حمايتهم من الانهيار الاقتصادي، وهو ما تطور لاحقا إلى اقتحام المقر الرئاسي ومنزل رئيس الوزراء.
وتفاقم الاستياء في الأسابيع الأخيرة بعد أن توقفت شحنات الوقود عن الوصول إلى الدولة التي تعاني من ضائقة مالية، ما أدى إلى إغلاق المدارس وتقليل كميات البنزين والديزل المخصصة للخدمات الأساسية.
دعوات للمساعدة
وقال رئيس الوزراء رانيل ويكريمسينغ لأعضاء البرلمان، الأسبوع الماضي، إن المناقشات الأخيرة مع بعثة صندوق النقد الدولي الزائرة البلاد كانت مثمرة، ولكنها كانت أكثر تعقيدا عن السابق.
وأكد، وفقا لوكالة "أسوشييتد برس"، أن المستشارين القانونيين الماليين لسريلانكا يعملون على وضع تقرير القدرة على تحمل الديون لتقديمه في أغسطس/ آب للصندوق.
كما ذكر أن المناقشات جارية مع الهند واليابان والصين لتقديم مساعدات بمجرد التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وقال ويكريمسينغ إن البنك المركزي يتوقع انكماش الاقتصاد بنسبة ما بين 4 بالمائة إلى 5 بالمائة هذا العام، بينما يقدر صندوق النقد الانكماش بنسبة ما بين 6 بالمائة إلى 7 بالمائة.
وأشار ويكريمسينغ إلى أن الناتج المحلي الإجمالي تراجع إلى 76.2 مليار دولار في عام 2021، في انخفاض عن 94.4 مليار دولار في 2018، ولن يعود إلى المستوى الذي كان عليه عام 2018 حتى عام 2026.
أزمة نقص الأموال
وقال وزير الطاقة والكهرباء كانشانا ويجيسيكيرا، في تصريحات سابقة، إن "توفير النقود يمثل تحديا، تحديا ضخما"، مشيرا إلى أن السلطات تكافح لتوفير 587 مليون دولار لسداد قيمة الوقود.
وأضاف ويجيسيكيرا أن سريلانكا مدينة بنحو ثمانمائة مليون دولار لسبعة من موردي الوقود.
قال ويجيسكيرا إن المشكلة الرئيسية هي نقص السيولة الدولارية، مناشدا نحو مليوني سريلانكي يعملون في الخارج إرسال مدخراتهم من النقد الأجنبي إلى الوطن عبر البنوك بدلاً من القنوات غير الرسمية.
وقال إن تحويلات العمال التي كانت عادة تبلغ 600 مليون دولار شهريا تراجعت إلى 318 مليون دولار في يونيو/حزيران الماضي.
وبحسب البنك المركزي السريلانكي، فإن تحويلات العاملين بالخارج تراجعت من 2.8 مليار دولار في الأشهر الستة الأولى من عام 2021 إلى 1.3 مليار دولار في نفس الفترة من العام الجاري، بانخفاض بلغت نسبته 53 بالمائة.