منافذ الفساد في اليمن: تسرب الموارد واختلاس واسع للأموال العامة

20 يناير 2021
نهب الأموال العامة فاقم معيشة اليمنيين (محمد حواس/فرانس برس)
+ الخط -

في الوقت الذي فشلت فيه مختلف التدخلات الحكومية في اليمن لإنقاذ الاقتصاد المنهار والعملة الوطنية مع تفاقم متواصل للأوضاع المعيشية والإنسانية، تبرز المعضلة الرئيسية التي تعاني منها البلاد والمتمثلة في تسرب الموارد وتشتتها وتفكك المؤسسات المالية العامة وتبدد الدورة النقدية وعدم قدرة البنك المركزي اليمني على تحصيل الإيرادات والارتباط بفروعه على مستوى المحافظات الواقعة في نطاقه الجغرافي.
وبينما تستولي قوى نافذه في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية الجديدة على إيرادات محلية في عدن، يقوم الحوثيون بتحصيل الإتاوات الجمركية في ميناءي الحديدة والصليف، وإيرادات جمركية إضافية في منافذ برية عديدة، مثل عفار في محافظة البيضاء (وسط)، وذمار وجبل رأس في الحديدة (غرب)، إضافة إلى السيطرة على الطرق الرئيسية التي تمر عبرها جميع الواردات تقريباً بعد وصولها إلى اليمن من المعابر البرية مع سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية، ومن ميناءي المكلا وعدن.
فيما الإيرادات التي تحصلها محافظات مأرب والمهرة وحضرموت يستولي عليها مسؤولون محليون، بالإضافة إلى الأموال المحصلة من بيع الغاز الطبيعي في مأرب وتحصيل الرسوم الجمركية في موانئ ومعابر المهرة في غياب أي رقابة فعلية للبنك المركزي اليمني في عدن.
نتيجة لذلك قال فريق الخبراء الخاص باليمن في الأمم المتحدة في أحدث تقاريره إنّ معلومات حصل عليها الفريق من مسؤولين يمنيين تؤكد الإثراء غير المشروع لقيادات محلية عن طريق اختلاس الأموال المحصلة من مختلف القطاعات والمنافذ الإيرادية العامة الخارجة عن سيطرة ونفوذ الحكومة والمؤسسات العامة الرسمية.

ويفيد الخبير المالي والاقتصادي، أحمد السفياني، بأن هذه المنافذ باتت مرتعاً خصباً للنهب والسطو على الأموال العامة في اليمن على حساب توسع رقعة الجوع والفقر والبطالة لتشمل معظم اليمنيين بعدما فقدوا أعمالهم ورواتبهم ومعظم فرصهم في العمل.
ويرى السفياني في حديثه لـ"العربي الجديد" أن الانقسام المالي وتشتت المؤسسات العامة وتقويضها وتدميرها ساهم بشكل كبير في ازدهار الإثراء غير المشروع في اليمن وعمليات غسيل الأموال التي تجرى بشكل واسع، والتي أدت إلى تشكل طبقات ثرية ونافذة في معظم المناطق اليمنية، أصبحت بمثابة عائق رئيسي أمام أي جهود حكومية لتحسين الأوضاع المعيشية والانتظام في صرف رواتبهم وتحسينها في المناطق الحكومية أو تعميم صرفها لمعظم الموظفين في الخدمة المدنية. 
وأكدت مصادر حكومية مطلعة لـ"العربي الجديد" صدمة وزراء الحكومة الجديدة التي عادت لمزاولة عملها من عاصمتها المؤقتة عدن، من الانهيار الواسع في المؤسسات العامة وتفككها وعدم وجود أي بيئة مؤسسية للعمل من خلالها.
فضلاً عن عدم انصياع الجهات المالية الإيرادية وعجزها عن إيصال مواردها إلى البنك المركزي اليمني في عدن الذي يواجه ضغوطا واسعة لا تقف عند حدود تدهور سعر الصرف وانهيار العملة، ولكن تمتد إلى عدة ممارسات تمسّ كيان أرفع مؤسسة مالية سيادية في البلاد من عمليات مضاربة واسعة بالعملة وغسيل أموال ورفض الفروع الرئيسية التابعة للبنك في المحافظات الارتباط مالياً بشكل كلي بالمركز الرئيسي للبنك، وفقاً للقوانين المالية النافذة في اليمن.
في السياق، أكّد مصدر مسؤول في وزارة المالية في عدن، رفض الكشف عن هويته، أن الوزارة تعمل على بلورة خطة متكاملة للنهوض بالقطاعات الإيرادية وتوحيد الموارد العامة ووقف تسربها المتواصل.

وأهمها، وفق حديث المسؤول لـ"العربي الجديد"، الإيرادات الضريبية والجمركية المحصلة من ميناء عدن باعتباره أهم منفذ إيرادي محلي في الوقت الراهن، وباعتباره كذلك الميناء الرئيسي الوحيد الذي يعمل حالياً ويستقبل أكثر من 70% من خطوط الشحن التجارية وحركة الاستيراد والتصدير في اليمن.
وكان وزير المالية في الحكومة اليمنية، سالم بن بريك، قد عقد عدة اجتماعات الأسبوع الماضي مع المسؤولين في الوزارة ومديري المؤسسات العامة الإيرادية، لتدارس الوضع الراهن ووضع خطط العمل للفترة المقبلة، والتي ستركز على إعادة بناء المؤسسات المالية للدولة وتحصيل الموارد وفقاً لاستراتيجية ذات أهداف واضحة للمساهمة في تعافي ونهوض الاقتصاد الوطني، وفقاً لخطة الحكومة في الجانب الاقتصادي وزيادة الموارد.
إضافة إلى العمل على تعزيز الشراكة القائمة مع شركاء الحكومة والمانحين والمجتمع الدولي لضمان نجاح خطط ومساعي انتشال البلاد من الأوضاع الراهنة في مختلف مجالات وقطاعات التنمية الاقتصادية.
وزير المالية وضع بعض ملامح العمل في هذا الجانب خلال الفترة المقبلة، إذ سيركز على الالتزام بالأنظمة والقوانين السارية والنافذة في العام الجاري، لمواجهة الصعوبات والتحديات من أجل ضمان تجاوزها والتغلب عليها، والإسهام في تحسين العملة الوطنية وانعكاس ذلك بشكل إيجابي على الحياة المعيشية وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين.

وقال البنك الدولي في تقرير الآفاق الاقتصادية لليمن إن التشوهات الناجمة عن تجزئة القدرات المؤسسية (وخاصة البنك المركزي اليمني) وتضارب القرارات المتعلقة بالسياسات بين مناطق السيطرة، أدت إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية، من الصراعات التي طال أمدها، وانقطاع الخدمات الأساسية، والنقص الحاد في مدخلات الإنتاج الأساسية، بما في ذلك الوقود.
وتتسم الآفاق الاقتصادية والاجتماعية للفترة المقبلة في اليمن بحسب البنك الدولي بقدر كبير من عدم التيقن، فمن شأن حدوث تعافٍ تدريجي لأسعار النفط العالمية أن يساعد على تخفيف الضغط على الماليات العامة للحكومة المعترف بها دولياً، ومع ذلك، ومع استمرار تدهور الأوضاع السياسية والأمنية، فإن الأحوال الاجتماعية والاقتصادية لا تزال بالغة الصعوبة.
ويجزم الباحث الاقتصادي كمال الحروي أن تكلفة انتشال اليمن من هذه الوضعية أصبحت باهظة ومعقدة وتتطلب دعماً وجهوداً دولية سخية لتطبيع الحياة في المناطق والمدن المدمرة والمتضررة. لكن قبل كل ذلك، كما يؤكد الحروي في حديثه لـ"العربي الجديد"، يتطلب الأمر وضع حد للإثراء غير المشروع عن طريق استغلال المنافذ والموارد العامة التي في حال توحيدها وتحصيلها سيكون بمقدور الجهات الحكومية المعنية الوقوف على ما لديها من إمكانات تتيح لها الوفاء بالتزاماتها المعيشية والخدمية العاجلة.

المساهمون