مليارات قناة السويس الوهمية

28 يوليو 2015
5.6 مليارات دولار إيرادات قناة السويس (فرانس برس)
+ الخط -

عندما يفقد الكلام المنطق والحجة يصبح والعدم سواء، وعندما لا يعرف أحد المسؤولين الفارق بين المليون دولار والمليار دولار، ويخلط بين عجز الموازنة العامة وعجز الميزان التجاري، ولا يعرف الفارق بين الاحتياطي الأجنبي واحتياطي السلع، ومع ذلك يفتي في أمور الاقتصاد وإدارة الأموال، ويتحدث بثقة منقطعة النظير يحسد عليها عن تفاصيل المركز المالي للدولة وكيفية تعظيم الإيرادات، فقل على أرقامه السلام.

وعندما يكون كلام شخص في وزن الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، لا يختلف كثيراً عن كلام سياسي مغمور باحث عن أضواء وشهرة، فهنا نحن أمام مشكلة حقيقية ولا بد من وقفة سريعة لعلاجها، إذ لا يوجد فارق كبير بين كلام مميش المسؤول عن إدارة أهم ممر ملاحي في العالم، وهو مرفق قناة السويس، والتصريحات التي يطلقها وزراء حكومة محلب من حين لآخر، وكل همهم فيها تجميل صورة الاقتصاد والأحوال المعيشية للمواطنين وخداع الرأي العام، ونقله بسرعة من مشروع عملاق وهمي إلى مشروع آخر حتى لا يحاسبهم أحد على تصريحاتهم السابقة. 

لقد أزعجتني تصريحات "مميش" التي أطلقها في الفترة الأخيرة، حينما خرج علينا مرات ليؤكد أن إيرادات قناة السويس سترتفع إلى 100 مليار دولار، وفي روايات أخرى وحسب ما ورد في صحف ومواقع مصرية 200 مليار دولار، مع افتتاح مشروع قناة السويس الجديد، هل هذا معقول، افتتاح "تفريعة" طولها 37 كم وتوسعة وتعميق 35 كم سيجلب للبلاد إيرادات إضافية تقدر بـ94.5 مليار دولار؟ حيث إن إيرادات القناة الحالية تبلغ نحو 5.6 مليارات دولار.

وحتي وإن كان الفريق "مميش" يقصد بالـ 100 مليار دولار بأنه مبلغ الإيرادات المتوقعة لمشروع تنمية قناة السويس كاملة، فإن السؤال المطروح هو: أين هذا المشروع الذي مات وتم تقزيمه من مشروع تنموى كامل لضفتي القناة، إلي مجرد توسعة وتعميق لجزء منها، وحفر ممر مائي فرعي يعادل نحو 15% من الطول الكلي للقناة، وأين الدراسات التي أستند لها رئيس هيئة قناة السويس في تحديد ايرادات القناة المستقبلية وإيراداتها المتوقعة.

في حدود علمي لا توجد مثل هذه الدراسات الفنية والاقتصادية لمشروع قناة السويس، وهو ما اعترف به رجال قريبين من النظام الحالي أمثال رجل الأعمال نجيب ساويرس وحازم عبد العظيم، وفي حال وجودها أرجو أن يكشف عنها أولي الأمر حتي يبددوا مخاوفنا أو علي الأقل يجيبوا عن أسئلتنا المطروحة. 
 
كلمات وتصريحات قيادات المؤسسات الرقابية، خاصة المالية والاقتصادية الحساسة، يجب أن تقاس بالمسطرة، ويجب على هؤلاء إما السكوت أو قول الحقيقة كاملة، حتى ولو كانت شائكة. هذا الكلام ينطبق على محافظ البنك المركزي ورؤساء المؤسسات الرقابية الأخرى، مثل الجهاز المركزي للمحاسبات، والرقابة الإدارية، والرقابة المالية، والبورصة وغيرها، هؤلاء يجب أن تكون تصريحاتهم منضبطة وبالمقاس. فليس مطلوباً منهم لعب دور سياسي، أو تجميل وجه الاقتصاد الذي يعرف القاصي والداني أنه ينزف، ليس في فترة ما بعد 3 يوليو 2013 فقط، ولكن منذ سنوات، وزاد النزيف بعد ثورة 25 يناير لغياب الاستقرار الأمني والسياسي.

هل سمعنا على سبيل المثال عن محافظ البنك المركزي البريطاني "بنك أوف إنجلاند"، مارك كارني، وهو يخرج علينا من وقت لآخر ليدلي بتصريحات حول اتجاهات أسعار الفائدة على الجنيه الإسترليني وتحركات العملة البريطانية؟ أو أن محافظ مجلس الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي"، جانيت يلين، تحدد موعدا لرفع سعر الفائدة على العملة الأميركية أو تعلن عن اتخاذ خطوات لتقوية الدولار أمام اليورو؟

ليس مطلوبا من الفريق مهاب مميش أن يتحول إلى سياسي يطلق التصريحات الوردية ويتوقع تدفق المليارات على مصر خلال فترة وجيزة، وأن يكرر تصريحات الوزراء المصريين في نهاية مؤتمر شرم الشيخ، حينما أكدوا أن مصر جذبت استثمارات قاربت 300 مليار دولار خلال المؤتمر، لأنه يدير مؤسسة اقتصادية حساسة تهم العالم أجمع وتجارته الدولية، ولا تهم مصر فقط، وهذه المؤسسة لا يجب إقحامها في دهاليز السياسة والتصريحات السياسية المبالغ فيها، والتي يهدف معظمها إلى تخدير المجتمع ونسيانه مشاكله الحقيقية، خاصة المتعلقة بارتفاع الأسعار والحياة المعيشية.

على الرجل أن يستفيد من محافظي البنوك المركزية ورؤساء سلطات النقد وقيادات المؤسسات الاقتصادية في دول العالم، الذين يعرفون متى يتكلمون ومتى يسكتون، وإذا تكلموا فإنهم يعرفون ماذا يقولون.

على فكرة أنا لست ضد مشروع تنمية قناة السويس وتطويرها، سواء بالشكل الحالي أو المستقبلي المتعلق بتنمية كاملة لضفتي القناة، فكما قلت في مقالات سابقة أنا فقط اتحفظ على توقيت المشروع الحالي، ومبالغة وسائل الاعلام في الحديث عنه، وتحويل الاعلام المشروع من حفر وتعميق 72 كم من بين نحو 200 كم هي طول القناة الحالية إلى قناة سويس جديدة.

كما اعترضت كذلك على عدم وجود دراسات جدوى للمشروع، وتنفيذه بأسلوب عشوائي، وتوجيه نحو 64 مليار جنيه من أموال المجتمع لمشروع واحد وغير ملح، وكان من الممكن أن يتم تنفيذه بعد 5 سنوات، أو حتى بعد 10 سنوات، خاصة كما أنه لا يوجد توقعات بحدوث قفزة كبيرة في حجم التجارة العالمية تبرر توسعة وتعميق 35 كم وحفر 37 كم، إضافة إلي أن هذا المبلغ الضخم كان من الأولي أن يتم صرفه علي مشروعات تولد فرص عمل للشباب.

اقرأ أيضا: هل يدير الخليج ظهره للنظام المصري؟
المساهمون