ملف الدعم يطيح بوزيرة الصناعة التونسية.. تضارب بين نوايا الحكومة وتصريحات الرئيس

05 مايو 2023
الوزيرة المقالة أعلنت تعديل أسعار الوقود بعد الانتهاء من إصلاح منظومة الدعم (فرانس برس)
+ الخط -

أقال الرئيس التونسي قيس سعيد، مساء أمس الخميس، وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة نائلة نويرة القنجي، وذلك بعد ساعات قليلة من تصريح إعلامي أدلت به حول اقتراب حكومة نجلاء بودن من وضع اللمسات الأخيرة على خطة توجيه الدعم نحو مستحقيه، بما في ذلك الدعم الطاقي.

وأعلنت الوزيرة المقالة، على هامش حفل لوضع حجر أساس لإنشاء مصنع جديد، عن اقتراب الحكومة من إعداد برنامج توجيه الدعم لمستحقيه، مؤكدة أن السلطات منكبة على دراسة فرضيات توجيه الدعم بصفة محكمة، وهي في مراحلها الأخيرة، وقالت إن "روزنامة التعديل في أسعار المحروقات ستتوضح مع انتهاء الحكومة من إعداد برنامج إصلاح منظومة الدعم".

ولم تتأخر مؤسسة الرئاسة في الرد على وزيرة الصناعة بقرار الإعفاء من مهامها، كما جدد الرئيس سعيد في اليوم ذاته، في لقاء جمعه برئيسه الحكومة نجلاء بودن، رفض أي إملاءات خارجية لإصلاح اقتصادي.

وقال سعيد، الذي يرفض خطة الإصلاح الاقتصادي المطلوبة من صندوق النقد الدولي، إن "الحلول يجب أن تنبع من الإرادة الشعبية التونسية، وأن تكون تونسية خالصة، وفي خدمة الأغلبية المفقرة التي عانت ولا تزال تعاني من البؤس والفقر".

وأشار الرئيس التونسي، في بيان نشرته الخميس رئاسة الجمهورية على صفحتها الرسمية، إلى أن "التصريحات التي تأتي من الخارج لا تلزم إلا أصحابها، وليس من حق أي كان أن يلزم الدولة بما لا يرضاه شعبها، كما ليس من حق أي جهة كانت في تونس أن تتصرف خلاف السياسة التي يحددها رئيس الجمهورية".

وتتعارض تصريحات الرئيس التونسي في ما يتعلّق بملف الإصلاح الاقتصادي وخطة رفع الدعم مع البرنامج الرسمي الذي رفعته الحكومة لصندوق النقد الدولي، من أجل الحصول على موافقة نهائية بشأن قرض بقيمة 1.9 مليار دولار.

وتوصلت تونس، التي تعاني من أسوأ أزمة مالية تهدد بتخلف البلاد عن سداد ديونها، إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد في سبتمبر/ أيلول الماضي، غير أنها لم تنجح في توقيع اتفاق نهائي يفتح لها الأبواب نحو تمويلات خارجية لا تقل عن 5 مليارات دولار تحتاجها لتمويل الموازنة.

ويفترض أن تبدأ تونس هذا العام في تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي يشمل خفض دعم سلع غذائية ودعم الطاقة، غير أنها لم تطبّق بعد أي زيادة جديدة في أسعار المحروقات منذ بداية السنة الجارية.

ووفقاً لميزانية 2023، تعتزم تونس خفض نفقات الدعم بنسبة 26.4% إلى 8.8 مليارات دينار (2.89 مليار دولار).

لكن حتى الآن لم ترفع الحكومة أسعار الوقود هذا العام على عكس ما خطط سابقاً، في ما يبدو أنه سعي لتجنب الغضب الشعبي مع وصول التضخم إلى 10.3%، وهو أعلى مستوى منذ أربعة عقود.

أزمة الدعم

ويرجّح  الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي أن تكون سلطات تونس لم تحسم موقفها النهائي بعد بشأن تنفيذ رفع الدعم، معتبرا أن تصريح وزيرة الصناعة والطاقة "كان متسرعا، وهو ما يفسر إقالتها السريعة من قبل الرئيس سعيد".

 

وقال الشكندالي، في تصريح لـ"العربي الجديد": "إن تصريحات الوزيرة المقالة لا تتوافق مع قناعات الرئيس سعيد الذي يرفض أي ضغوط خارجية تفضي إلى إنهاك جيوب التونسيين برفع الدعم عن الغذاء والطاقة، بينما تعاني البلاد من ارتفاع قياسي في التضخم".

واعتبر الخبير الاقتصادي أن رفع الدعم تزامنا مع انفجار التضخم "ستكون له عواقب وخيمة على التونسيين"، مشيرا إلى أن "السلطات قادرة على الاستفادة من التراجع العالمي لسعر النفط وتأجيل أي قرارات يمكن أن تتسبب في توترات اجتماعية ومزيد من الفقر للطبقات الضعيفة والمتوسطة".

وأضاف أن "تقديرات الموازنة بُنيت على فرضية 89 دولارا لسعر برميل النفط، في المقابل لا يتجاوز معدل الأسعار في السوق العالمية حاليا 72 دولارا"، لافتا إلى أن الفارق بين الفرضية والسعر الحقيقي يسمح للحكومة بتوفير مخصصات بقيمة القرض المطلوب من صندوق النقد الدولي.

والأربعاء الماضي، أعلن مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور أن الصندوق "قريب جدا من إبرام الاتفاق مع تونس، وأنه في الخطوات الأخيرة".

وقال أزعور، لوكالة "بلومبيرغ"، إن الصندوق بصدد حشد تمويلات كافية أخرى لتمويل برنامج الإصلاحات التونسي.

لكن الخبير المالي خالد النوري يعتبر أن تصريح أزعور "دبلوماسي بامتياز"، مؤكدا غياب مؤشرات حقيقية عن اقتراب توقيع تونس لاتفاق نهائي مع الصندوق.

وقال النوري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن تصريح أزعور "كان بمثابة رد على ما قاله الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي بشأن تماهي موقف المنظمة النقابية مع قرار الرئيس بشأن رفض الإصلاحات المفروضة من دوائر خارجية".

وبمناسبة عيد العمال العالمي في فاتح مايو/ أيار، قال الطبوبي إن المنظمة النقابية "تنوّه بموقف الرئيس سعيد المتوافق مع موقف اتحاد الشغل الرافض أيضا للإصلاحات المطلوبة من تونس مقابل بعض القروض الميسّرة".

ومنذ شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي كشفت بنود قانون الموازنة لسنة 2023 أن حكومة نجلاء بودن تتهيأ للمرور إلى حقيقة أسعار المحروقات خلال السنة الجديدة عبر التعديل الدوري للأسعار، حيث سجّل قانون الموازنة خفض نفقات الدعم بنسبة 26.4 بالمائة مقارنة بسنة 2022، وذلك لأول مرة في تاريخ البلاد.  

كما خفّضت حكومة نجلاء بودن هذا العام نفقات التدخل (التحويلات الاجتماعية لفائدة الطبقات الضعيفة) بنسبة 8 بالمائة.

في المقابل، وعدت السلطة بتعويض ما لا يقل عن 8 ملايين تونسي عن رفع الدعم عبر التحويلات المالية المباشرة قلّصت في نفقات التدخل بنحو 8 بالمائة، حيث تراجعت قيمة هذه النفقات من 18.7 مليار دينار إلى 17.2 مليار دينار متوقعة في العام الحالي 

وتشمل نفقات التدخل التحويلات المالية المخصصة لفائدة الأسر المعوزة وضعيفة الدخل إلى جانب المخصصات التي تنفق لدعم المؤسسات الحكومية التي تشكو من صعوبات أو تواجه الديون.

المساهمون