- آلية العمل والمخاطر: تنتشر مكاتب البيع بالآجل في مدن عراقية، وتستخدم ضمانات مثل سندات ملكية، مما يؤدي إلى جرائم وانتحار بسبب تدخل الفصائل المسلحة، مما يعقد الوضع الأمني والاجتماعي.
- التحديات القانونية: رغم منع البيع بالآجل قانونياً، إلا أن التحايل شائع، مما يستدعي سن قوانين جديدة وفرض رقابة صارمة لحماية المواطنين من الاستغلال.
تنتعش ظاهرة البيع بالآجل في العراق أو ما تُعرف محليا بـ"الدين بالفايز"، وهو الإقراض المالي أو بيع البضائع مقابل سداد متأخر تكون له فوائد عالية تصل إلى 25% أو أكثر في بعض الأحيان، وكلما تأخرت مدة السداد زادت الفائدة أو (الفايز) بحسب اللهجة العراقية الدارجة.
هذه الظاهرة التي تنتشر للعام الثالث على التوالي، تتم بشكل علني دون أي تحرك من السلطات العراقية، باعتباره فعلا مخالفا للقانون النافذ، تنخرط بها مكاتب وواجهات اقتصادية ومالية تابعة لفصائل مسلحة في العراق وتحديدا بغداد. وقال مسؤول بوزارة الداخلية العراقية في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن "حالة انتحار وقعت الأسبوع الماضي، لرجل قتل زوجته وأولاده ثم انتحر، بعد وقوعه في دين ضخم اضطر لبيع منزله لكنه لم يتمكن من سداد ما بذمته لجهة تتبع فصيلا مسلحا كانت تهدده في حال لم يسدد ما بذمته من أموال اقترضها منهم لفتح مشروع لكن المشروع خسر خلال فترة أزمة كورونا، وظلت الفوائد تتفاقم عليه مع تأخر سداده"، معتبرا أن "الأمر لم تعد له أضرار اقتصادية، بل اجتماعية أيضا".
طريقة عمل البيع بالآجل
وتنتشر ظاهرة مكاتب البيع بالآجل أو "الفايز"، في مدن مختلفة، أبرزها بغداد والبصرة وكربلاء وبابل وذي قار، وتعتمد على شراء بضائع معينة من قبل هذه المكاتب للشخص المستفيد ثم إضافة فائدة عليها، تزيد كلما زادت مدة السداد، أو منحه أموالا (كاش)، وتكون بفوائد مالية تبلغ 25% أو 30% وتزيد في حال تأخر سداده وتأخذ تلك المكاتب ضمانات؛ مثل سند ملكية المنزل أو كتابة كمبيالات-أوراق دفع، وصكوك على الشخص المُدان، لإتمام الصفقة.
ووفقا للمسؤول الأمني الذي طلب عدم الكشف عن هويته بسبب عدم تخويله بالتحدث لوسائل الإعلام، فقد شهدت بغداد هذا العام مشاكل ضخمة بسبب هذا النوع من التجارة تضمنت جرائم قتل وانتحار ومشاجرات كبيرة تسببت بجرحى، ذلك لأن الفصائل المسلحة تدخل طرفاً في هذه التجارة.
وعلى نطاق واسع، وفي مواقع التواصل الاجتماعي ينتشر التعامل بما يسمى شعبيا "الدَين بالفايز"، حيث تعلن مكاتب صرافة عن ذلك بالعلن، على سبيل المثال، تنتشر مكاتب تتبع جهات تحت حماية فصائل عراقية مسلحة شرقي العاصمة بغداد، تبيع مبلغ الـ 10 آلاف دولار، بمبلغ 13 ألف دولار، بفترة سداد يتم الاتفاق عليها كأن تكون ستة أشهر أو ثمانية، ويزيد المبلغ مع زيادة المدة الزمنية للسداد بشكل تدريجي. بينما يتم بيع مبلغ 20 مليون دينار بنحو 25 مليون دينار، ويستهوي هذا النظام المعسرين أو الذين يطمحون لفتح مشروع تجاري أو شراء سيارة للعمل بها سيارة أجرة وتسديد المبلغ من عائدات عملها.
تجريم قانوني
من جانبه، أوضح الخبير المالي أحمد عمر الطائي أن هذا النوع من التجارة رغم كونه ممنوعاً بالقانون العراقي، لكن الدولة لم تتحرك ضده منذ سنوات، وسبب مشاكل في السوق العراقية لا حصر لها. واعتبر في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هناك عمليات غسيل أموال وربا واستغلال ترتكب في آن واحد بمثل هذه التعاملات -البيع بالآجل-، والدولة على علم بها، لكنها لم تتحرك حتى الآن".
من جهتها، قالت الخبيرة القانونية مريم الوكيل لـ"العربي الجديد"، إن "ظاهرة البيع بالآجل باتت منتشرة في العراق بصورة كبيرة جداً وللأسف بعضها تحت مسميات إسلامية". وأضافت أن "القانون العراقي واضح وصريح في تجريم عملية إرغام المواطنين على سداد ديونهم بأضعافها لكن التحايل على القانون هو أمر سائد، ولذلك فإن ضحايا البيع بالآجل كثيرون ومنتشرون على نطاق واسع في العراق".
وأكدت الوكيل أن "جهل العراقيين بالقانون وتبعات أخذ المبالغ بالآجل وهو ما أدى إلى انتشار مكاتب البيع بالآجل في جميع المحافظات، خصوصاً وأن هناك أشخاصاً يضطرون إلى التوقيع على كمبيالات وإيصالات، تقيدهم وتبقيهم تحت رحمة مكاتب البيع بالآجل". ومضت الوكيل بالقول إن "المصارف الأهلية بالغالب تتغطى بالواجهة الإسلامية لكنها تتعامل بضوابط وقوانين وآلية تخالف الشريعة الإسلامية والقوانين التي حفظت للمواطن والمضطر والمحتاج كرامته".
ولفتت إلى أن "التحايل على القانون هو السمة البارزة في تعاملات المصارف ومكاتب البيع بالآجل، خصوصا تلك التي تعلن عن نفسها مصارف إسلامية"، مشيرة إلى أن "هناك الكثير من القضايا والحوادث التي ارتبطت بمكاتب البيع بالآجل المنتشرة في العراق، وهناك حاجة لسن قوانين وتشريعات وفرض رقابة صارمة على المصارف والمكاتب من أجل عدم السماح بتغول عمليات البيع بالآجل في العراق".
وبحسب المادة 465 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، فإنه "يعاقب بالحبس وبغرامة مالية أو بإحدى هاتين العقوبتين، من أقرض آخر نقوداً بفائدة ظاهرة أو خفية تزيد على الحد الأقصى المقرر للفوائد الممكن الاتفاق عليها قانونياً". وتبين القانونية مريم الوكيل أن "العقوبة تكون السجن المؤقت من خمس إلى عشر سنوات، إذا ارتكب المقرض جريمة مماثلة للجريمة الأولى خلال ثلاث سنوات من تاريخ صيرورة الحكم الأول نهائياً، وتكون العقوبة حسب شدة الجريمة وجشع المقرض والشروط".
وأكدت الوكيل أن "القانون المعمول به قبل الاحتلال الأميركي للعراق، "اعتبر الربا جريمة مُخلّة بالشرف، وتشدد في عقوبة الجاني إذا كرر الفعل، لتصل فترة السجن إلى عشر سنوات". وأردفت أن "قانون 68 أوجب مصادرة مبلغ القرض والفائدة، وأنشأ صندوقاً خاصاً بالفقراء تودع فيه المبالغ التي تتم مصادرتها، ويكون هذا الصندوق في وزارة العمل، إذ يوزع ما نسبته 40% من قيمة مال الربا أو الفائدة، على الفقراء، و40% على المقترض المخبر عن الجريمة، و20% على المخبر غير المقرض، لكنه في كل الأحوال قانون لا يعمل به في الوقت الحاضر ولم تفعل فقراته".