معاناة متقاعدي تونس: معاشات لا تكفي تأمين النفقات الضرورية

01 أكتوبر 2022
حرمان المتقاعدين بعد سنوات من العمل(الشاذلي بن إبراهيم/فرانس برس)
+ الخط -

تضغط الأزمة المعيشية في تونس على أكثر من مليون متقاعد ممن يتقاضون معاشات لا تتجاوز 400 دولار، بينما تغيب البرامج الرسمية لتخفيف الأعباء على هذه الفئة التي ينحدر جزء منها نحو الفقر، بسبب عدم القدرة على مجابهة الغلاء وتداعيات انفلات التضخم.

وتعد شريحة المتقاعدين في تونس من بين أكثر الشرائح الاجتماعية تضرراً من الأزمة الاقتصادية، حيث تواجه الغلاء برواتب ضعيفة، فضلاً عن تأثرها بتراجع الخدمات الأساسية التي يحتاجها المسنون، ولا سيما الرعاية الصحية والتأمين الاجتماعي.

ويشكو المحالون إلى التقاعد عموماً من عدم قدرتهم على مجابهة سيل المصاريف، ما يدفع العديد منهم إلى البحث مجدداً عن عمل لتوفير دخل إضافي. ويقول متقاعدون جمعت "العربي الجديد" شهاداتهم إنهم أصبحوا معرضين أكثر فأكثر للحرمان بسبب ضعف المداخيل في مقارنة مع ما يحتاجونه للنفقات.

ويبلغ عدد المتقاعدين في تونس مليوناً ومائة ألف متقاعد، تصرف معاشاتهم من صندوقين وهما الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للمتقاعدين من القطاع الخاص والصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية للمتقاعدين من القطاع الحكومي.

ويؤكد أصحاب الشهادات أن المحالين إلى المعاش يواصلون رعاية أسرهم وهم مطالبون بتوفير نفقات أبنائهم في سن الدراسة أو ممن لم يتمكنوا من الاندماج في سوق العمل، إضافة إلى توفير مصاريفهم الخاصة، وهو ما يحرمهم من توفير حاجات أساسية تتجاوز قيمتها بكثير ما يحصلون عليه من رواتب مقابل سنوات طويلة من خدمة الاقتصاد، قد تصل إلى أكثر من ثلاثة عقود.

وينتقد هؤلاء غياب الخطط الرسمية لتحسين وضعهم المعيشي والاكتفاء بزيادات ضعيفة في الرواتب تصرف على هامش اتفاقيات تعديل الأجور التي توقع بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويصف رئيس الجامعة العامة للمتقاعدين عبد القادر النصري وضع المحالين إلى المعاش بـ "المؤسف"، مؤكداً أن هذه الفئة باتت أكثر هشاشة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في تونس. ويشرح النصري في تصريح لـ"العربي الجديد" أن معاشات المتقاعدين زهيدة جداً ولم تعد تكفي لتلبية الحاجيات الضرورية للعيش في وقت كان يفترض أن يتمتع فيه المتقاعد بحياة كريمة بعد سنوات طويلة من العمل.

ويشير المتحدث إلى أن آخر زيادة في معاشات المتقاعدين كانت عام 2020 بينما لم تصرف لفائدتهم أي زيادة عامي 2021 و2022 في وقت زادت فيه كلفة المعيشة خلال هذه الفترة بما لا يقل عن 20 في المائة. ويضيف رئيس جامعة المتقاعدين أن "الحكومة تصرف زيادات في المعاشات باليد اليمين وتستعيدها باليد اليسار"، مطالباً بالانتباه إلى وضع المتقاعدين الذين يعانون ضائقة مالية كبرى في سن متقدمة.

ويعتبر النصري أن المتقاعدين من القطاع الحكومي أفضل حالاً من المتقاعدين من القطاع الخاص الذين يشكون ضعف المخصصات بسبب عدم التصريح عن دخولهم الحقيقية من قبل مشغليهم أثناء فترة العمل، أو بسبب عدم دفع المؤسسات الخاصة المساهمات الخاصة بالتقاعد والتأمين على المرض.

ويؤكد متقاعدون تحدثوا إلى "العربي الجديد" أن رواتب نهاية الخدمة في تونس ضعيفة جداً ولا تكفل عيشاً كريماً لشريحة واسعة من المجتمع. ويقدر معدل معاشات المتقاعدين من القطاع الحكومي بـ1200 دينار (387 دولاراً) في حين لا يتجاوز في القطاع الخاص 850 ديناراً (274 دولاراً) بحسب بيانات رسمية لوزارة الشؤون الاجتماعية.

بحيث إن أكثر من 40 في المائة من المتقاعدين في تونس في حاجة إلى مساعدات عائلية لتأمين نفقاتهم المعيشية، وذلك بسبب وضعهم المالي الصعب، وفقاً لبيانات رسمية كشف عنها مركز الإحصائيات الديمغرافية بمعهد الإحصاء الحكومي، حيث يضطر هؤلاء إلى طلب مساعدات مالية من أبنائهم غالباً.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ووفق القانون التونسي يحسب معدل المعاش النهائي عند أعلى أجر يتقاضاه الموظف خلال العشر سنوات الأخيرة من فترة العمل والمساهمة في الصندوق الاجتماعي، حيث تقتطع المساهمات على امتداد سنوات الشغل بمساهمة مشتركة من الأجير وصاحب العمل.

لكن وضع المالي لصناديق المعاشات في تونس صعب أيضاً، ما ينعكس سلباً على وضعية المتقاعدين الذين يعانون من تأخير في صرف المخصصات الشهرية، فضلاً عن صعوبة النفاذ إلى التكفل بمصاريف العلاج من قبل صندوق التأمين على المرض.

وينعكس الركود وتباطؤ النمو وتصاعد البطالة على وضع الصناديق التي تعاني من ضعف المساهمات مقابل زيادة في نفقاتها وسط تعثّر كل المحاولات الحكومية لإصلاح وضعها المالي المتأزم. ويشرح الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل التونسي حفيظ حفيظ، إبان توقيع اتفاق الزيادة في الرواتب مع حكومة نجلاء بودن منتصف الشهر الحالي، أن الترفيع في الأجر الأدنى سيتم بمقتضاه تعديل مخصصات المتقاعدين.

وحسب دراسة لمركز الدراسات الاجتماعية التابع لاتحاد الشغل، يبلغ معدل مدة الانتفاع بالمعاشات لدى التونسي 22 سنة وارتفع متوسط العمر من 57.8 سنة عام 1976 إلى 75 سنة عام 2019.

المساهمون