معاناة الليبيين تتفاقم في ذكرى الثورة: البحث عن لقمة العيش

معاناة الليبيين تتفاقم في ذكرى الثورة: البحث عن لقمة العيش بعد 11 عاماً من الانقسامات

17 فبراير 2022
وما زال الليبيون يحلمون بحياة كريمة في ذكرى ثورتهم (حازم تركية/الأناضول)
+ الخط -

أفضت الاضطرابات المتواصلة في ليبيا منذ 11 عاماً إلى ضربات متلاحقة للوضع الاقتصادي وسط استمرار الانقسامات والصراعات على مؤسّسات الدّولة، ما أدى إلى تعطيل إجباري لمعدلات النّموّ وتراجع الصّادرات النفطيّة وتهاوي الإيرادات. وتسبب كل ذلك في تفاقم الغلاء والفقر والبطالة والفساد، وبالتالي تزايدت الأعباء المالية على الأسر الليبية، وأصبح الشغل الشاغل لهم الحصول على لقمة العيش والاستقرار في ذكرى ثورة 17 فبراير التي اندلعت عام 2011.

الشارع الغاضب
في هذا السياق، قامت "العربي الجديد" بجولة في الشارع لرصد ردود أفعال المواطنين وأوضاعهم الاقتصادية بعد مرور 11 عاما على الثورة التي كان أحد أبرز أهدافها هو العيش الكريم والعدالة في توزيع ثروات بلادهم الكبيرة.
يقول خرّيج كلّيّة الهندسة قسم موادّ ومعادن، علي دعّاس، إنه تخرج سنة 2012 ولم يتحصّل على فرصة عمل إلّا في سنة 2018 كموظّف إداريّ في قطاع الشّؤون الاجتماعيّة.

ويضيف دعّاس لـ"العربيّ الجديد" أنّه كان يطمح لاستكمال دراسته في مجال تخصّصه أو الحصول على فرصة عمل جيّدة ولكنّه صدم بالواقع حيث يعمل موظّفا إداريّا أوّل النّهار وفنّيّ كهرباء خارج الدّوام الرّسميّ لخدمة المنازل من أجل توفير دخل ينفق به على نفسه وأسرته.
وفي سياق متّصل، وصف موظّف بشركة الخدمات العامّة، مفتاح المريميّ، الوضع الاقتصاديّ بالمتردي رغم أنه كان من المفترض أن يتغيّر للأفضل بعد ثورة 17 فبراير. وقال: "لكنّ الثّورة المضادّة هي التي عطّلت عجلة التّنمية، فالحروب والإقفالات غير القانونيّة للنّفط كلّها أسباب جعلت الإنفاق على الحرب وصناديق الذّخيرة وليس التّنمية".

تخريب النفط
حسب إحصائيات سابقة للمؤسسة الوطنية للنفط، ناهزت خسائر الإنتاج والبنى التحتية للنفط والفرص الضائعة على الدولة الليبية بسبب الإقفالات غير القانونية للحقول والموانئ 231 مليار دولار خلال التسع سنوات التي أعقبت اندلاع الثورة.
كما حذّر ديوان المحاسبة، وهو أعلى سلطة مالية رقابية، من تهاوي احتياطيات ليبيا من النقد الأجنبي، مع تراجعها إلى 38.37 مليار دولار بنهاية عام 2020، مقارنة بـ 44.9 مليار دولار عام 2019.
فقد بدأت احتياطيات ليبيا بالتراجع منذ 11 سنة، إذ كانت تبلغ 134 مليار دولار عام 2010. وقال مصرف ليبيا المركزي إن إجمالي الإنفاق خلال العام الماضي وصل إلى 85.8 مليار دينار، وهو أقل من الاعتماد المخصص والمقدر بـ 86.1 مليار دينار.

نظرة متفائلة
وفي مقابل الشارع الغاضب من تدهور الأوضاع كانت هناك نظرة متفائلة عند البعض، إذ يرى سائق سيّارة الأجرة، سعد الغنيمي، بأنّ ليبيا أفضل حالا من ثورات الربيع العربي فالمحروقات مدعّمة والدّواء متوفّر للأمراض ولكنّ هناك سوء إدارة من قبل الحكومات.

وقال الغنيمي لـ"العربيّ الجديد" إن الأوضاع ربّما تتغيّر إذا تمّ إقرار دستور للبلاد وإجراء الانتخابات. وأضاف: الأزمات المعيشيّة جلّها مفتعلة من قبل الطّبقة السّياسيّة الفاسدة بحسب كلامه.
ومن جانبه، قال الخبير الاقتصادي، محمّد أبو سنينة، إنّ هناك تراجعا في معدّل النّموّ الاقتصادي الحقيقي باستثناء النّفط.
وأشار إلى الدّعم السّلعيّ (وقود ومحروقات وكهرباء) غير المرشد، وعبئه على الميزانيّة العامّة، وتهريب الوقود ونقص السّيولة لدى بعض المصارف وعجزها عن مواجهة طلبات المودعين لديها، وتكدّس السّيولة لدى بعض المصارف الأخرى بالإضافة إلى تراجع معدّلات الائتمان.
وأكد على مخاطر استمرار السّوق السّوداء للنّقد الأجنبيّ واللّجوء إليها لتلبية بعض الأغراض الشّخصيّة والتّجاريّة.
وأضاف أبو سنينة أن هناك استمرارا لحالة الانكماش الّتي يعاني منها الاقتصاد الوطنيّ وضعف دور القطاع الخاصّ في النّشاط الاقتصاديّ، وتوزيع الرّيع المتأتّي من تصدير النّفط والغاز، في شكل مرتّبات وأجور، ودعم، ومصروفات للحكومة ومؤسّساتها.

شبح الفقر
الباحث الاقتصاديّ وئام المصراتي، أكد لـ"العربي الجديد" أنّ اللّيبيّين يعجزون عن توفير احتياجاتهم المعيشيّة مع مرور أكثر من عقد على ثورة فبراير بسبب استمرار الفساد وطول فترات المراحل الانتقاليّة. وأشار إلى تحميل ضرائب على النّقد الأجنبيّ تدفع من جيوب النّاس مع بقاء الحدّ الأدنى للأجور ثابتا.
وقال: كيف يستقيم الحال وسعر الدّولار 4.48 دنانير ما يعني أنّ 60% من الشّعب اللّيبيّ يعيشون تحت خطّ الفقر، حسب متوسط الأجور الحالي، وبالتالي لم تحقّق الثورة أحد اهم أهدافها وهو العيش الكريم لأفراد الشّعب.

ورغم جهود الحكومة اللّيبيّة المعترف بها دوليّا فقد تلاحقت الأزمات، في ظل إغلاق حقول النّفط، والمناوشات المسلّحة بين الحين والأخر بسبب التّجاذبات السّياسيّة.
وبعد سنوات من المعارك وتنازع الحكم بين سلطتين في الشرق والغرب، شكلت حكومة موحدة في مارس/ آذار 2021، في عملية سياسية رعتها الأمم المتحدة، من أجل إخراج ليبيا من الفوضى التي تلت سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، مهمتها قيادة المرحلة الانتقالية إلى حين إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية كانت مقررة في 24 ديسمبر/ كانون الأول الماضي. إلا أنه تعذر إجراء الانتخابات في موعدها، بسبب خلافات بين الأطراف الليبية.
وتجدّدت الانقسامات السياسية، خلال الفترة الأخيرة، إذ رفضت حكومة الوحدة الوطنيّة في ليبيا، بقيادة عبد الحميد الدبيبة، تسليم السلطة لرئيس الوزراء الجديد فتحي باشاغا الذي اختاره مجلس النواب.

رغم جهود الحكومة اللّيبيّة المعترف بها دوليّا فقد تلاحقت الأزمات، في ظل إغلاق حقول النّفط، والمناوشات المسلّحة بين الحين والأخر بسبب التّجاذبات السّياسيّة

 

وقال الناطق باسم حكومة الوحدة الوطنيّة، محمّد حمّودة، إنّ الحكومة مستمرّة بجميع وزرائها في أداء العمل بشكل اعتياديّ، نافيا ما يتردّد عن استقالة بعض الوزراء بحسب منصّة حكومتنا.

وفي المقابل يصر الطرف الآخر على ضرورة استلام باشاغا جميع الملفات الخاصة بالحكومة وممارسة مهامه.
وكانت ليبيا قد بدأت، مؤخراً، في توحيد شطري البنك المركزي الشهر الماضي إذ أعلن عن ‎الانطلاق الفعلي لعملية إعادة توحيد المصرف في مؤسسة واحدة، بعد 7 سنوات من وجود فرعين له داخل البلاد. وجاء ذلك في بيان صادر عن المركزي الليبي، الذي يرأسه المحافظ الصديق عمر الكبير، خلال لقائه الشهر الماضي مع نائب المحافظ للفرع الشرقي علي سالم الحبري.

وأورد البيان أن جهود التوحيد تأتي "تتويجا للجهود المبذولة لإنجاز المهمة"؛ إذ "تم توقيع عقد لتقديم خدمات استشارية مع شركة للخدمات المهنية لدعم تنفيذ خريطة إعادة التوحيد المتفق عليها". ولكن كل ذلك بات مهدّدا في ظل الانقسامات السياسية الأخيرة.

المساهمون