معادلة رفع الأجور واحتواء التضخم تُربك الإدارة الأميركية

06 يناير 2023
لا تزال إدارة جو بايدن حائرة في كيفية لجم الغلاء وإقرار مزيد من رفع أجور الموظفين (Getty)
+ الخط -

تواجه الإدارة الأميركية معادلة صعبة في طريقها لإيجاد الحلول التي يمكن أن توازن بين زيادات الأجور في كفة، واحتواء معدلات التضخم الجامحة في الكفة المقابلة.

فبعدما شهدت الرواتب في الولايات المتحدة ارتفاعاً بسبب نقص في اليد العاملة في السنتين الماضيتين، بدأت مؤشرات الاعتدال تتبلور اليوم، وهو شرط لا غنى عنه للجم التضخّم الشديد، غير أن المخاطر ما زالت قائمة.

كبيرة الاقتصاديين في شركة "ايه دي بي"، التي تتولى إدارة مدفوعات الرواتب وتنشر دراسة عن العمالة في القطاع الخاص كلّ شهر، نيلا ريتشاردسون، قالت: "نلاحظ تراجعاً للضغوطات على الرواتب".

وفي ديسمبر/ كانون الأول، شهدت الأجور أبطأ نموّ منذ مارس/ آذار، وفق ما بيّنت الدراسة التي نشرت نتائجها الخميس. وهي ارتفعت 7.3% في خلال سنة للموظّفين الذين بقوا في شركاتهم وبمعدّل 15.2% لهؤلاء الذين انتقلوا إلى مؤسسات جديدة.

وأقرّت نيلا ريتشاردسون، خلال مؤتمر عبر الهاتف: "إنه لأمر إيجابي، إذ لا بدّ من أن تتقدّم الأجور بوتيرة سليمة كي يتراجع التضخّم". لكنها أشارت إلى أن النبأ ليس إيجابياً إلى هذا الحدّ بالنسبة إلى العمّال، إذ إن "الأجور لا تواكب تضخّماً شديداً جداً، بالرغم من مستوياتها المرتفعة".

غير أن المُنحنيين باتا يتقاربان، فقد تباطأ التضخّم في نوفمبر/ تشرين الثاني إلى 7.1% خلال سنة، مقابل 7.7% في أكتوبر/ تشرين الأول، وفق مؤشّر "سي بي آي" القائم على المعاشات التقاعدية الأميركية. لكن ارتفاع الأجور "ما زال يمثّل خطراً على التضخّم، لا سيما في مجال الخدمات إلى المستهلكين"، بحسب ريتشاردسون.

نقص في اليد العاملة الأميركية

وتنشر وزارة العمل، اليوم الجمعة، الأرقام الرسمية للعمالة في ديسمبر/ كانون الأول. ومن المقدّر أن تكون الأجور قد نمت بواقع 0.4% مقارنة مع نوفمبر/ تشرين الثاني، مقابل 0.6% في أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني.

وفي خلال سنة، كان التقدّم بمعدّل 5.1%، أي أدنى من المستوى القياسي المسجّل في مارس/ آذار 2022 عند 5.6%.

غير أن "الشركات ما زالت ملزمة رفع الأجور لاستبقاء العمّال وسدّ الوظائف الشاغرة"، وفق ما كشفت كبيرة الاقتصاديين في موقع إعلانات الوظائف "زيب ريكروتر" ZipRecruiter جوليا بولاك.

وهي توقّعت في تصريحاتها لوكالة "فرانس برس" أن "يبقى ضغط الأجور تصاعدياً في المستقبل القريب"، لا سيّما أن نقص اليد العاملة قد يتواصل. فهذا النقص "هيكلي" والسوق بحاجة إلى "4 ملايين شخص"، بحسب ما قال رئيس الاحتياطي الفدرالي الأميركي جيروم باول في ديسمبر/ كانون الأول.

ويعزى الوضع في جزء منه إلى تقاعد الكثير من العمّال منذ بدء انتشار الجائحة التي أودت بحياة 1.5 مليون شخص، بالإضافة إلى هجرة غير كافية نتيجة سياسة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وإغلاق الحدود الأميركية لمدّة سنة ونصف السنة بسبب كورونا.

من ثمّ يصعب على أصحاب الأعمال في الولايات المتحدة منذ سنتين إيجاد ما يكفي من عمّال نظافة وسائقين ومدرّسين وغيرهم. وهم باتوا يعرضون تأميناً صحياً أفضل ودوامات عمل أكثر مرونة أو أقصر واحتمال العمل من المنزل ومزيداً من المال، في مسعى إلى استقطاب المرشّحين.

خطر البطالة يتفاقم في الولايات المتحدة

في إبريل/ نيسان 2020، عندما كانت الولايات المتحدة خاضعة لتدابير الإغلاق، ارتفعت الرواتب بنسبة 8% مقارنة بالشهر عينه من العام السابق، وفق بيانات وزارة العمل. وسجّلت أولى الزيادات في الأجور في أوساط العاملين في مجال الصحة والبيع بالتجزئة الذين كانوا على الخطوط الأمامية بالرغم من المخاطر المحدقة بهم.

واتسعت الدائرة لتشمل قطاع الفنادق والنقل واللوجستية "حيث تعدّ الأجور منخفضة نسبياً، وحصل الموظّفون من خارج الملاك الوظيفي على زيادة في الأجور تخطّت 10% لفترة من الفترات"، بحسب جوليا بولاك.

وقدّمت هذه الزيادات لمواجهة إغراءات العمل من المنزل المقرون بمنافع عدّة تجذب الكثيرين. وعلى سبيل المثال، "بات من الممكن تنفيذ مهام مساعدة الزبائن التي كانت في السابق تقام في أماكن ضيّقة نسبيا في مراكز اتصال شديدة الضجّة" عبر الإنترنت من المنزل.

غير أن تباطؤ ارتفاع الأجور بات اليوم عاملاً مهمّاً للاحتياطي الفدرالي في مساعيه إلى احتواء التضخّم. فالبنك المركزي الأميركي يبطئ عن قصد النشاط الاقتصادي مع رفع نسب الفائدة لهذا الغرض، مع ما ينطوي عليه ذلك من خطر زيادة البطالة.

(فرانس برس)

المساهمون