مظهر محمد صالح: 15 مليار دولار حجم الفائض المالي المتوقع للعراق

21 أكتوبر 2022
مظهر محمد صالح (العربي الجديد)
+ الخط -

تأسيس اقتصاد عراقي جديد قبل عام 2023، وإطلاق جولات تراخيص جديدة غير نفطية معنية بالقطاع الزراعي لدعم موارد الدولة، ومقترحات عدة أخرى طرحها مظهر محمد صالح، المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، خلال مقابلته مع "العربي الجديد".

وقال: العراق أمام نقطة تحول خطيرة حتى العام 2030، وهو تاريخ من الممكن بحلوله أن يشهد العالم تراجعاً في الاعتماد على النفط بسبب لجوء الكثير من الدول للطاقة البديلة، وأمامنا عشر سنوات لتأسيس اقتصاد عراقي جديد يوفر موارد بديلة عن النفط وهو ما اقترحناه. وفيما يلي نص الحوار:

- ما هو التهديد الأكبر للعراق اقتصادياً في السنوات المقبلة؟

يمثل تذبذب أسعار النفط وشح الموارد وتأخر قطاعي الزراعة والصناعة واستمرار النمو السكاني تهديداً للتنمية المستدامة في العراق، إذ إن سد احتياجات الجيل الحالي يكون على حساب تنمية واحتياجات الأجيال المقبلة.

وهذه هي نقطة الضعف في التنمية المستدامة، وحقيقة التنمية بدأت بالتعثر منذ اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية في عام 1980 وما تلاها من تداعيات الحصار الاقتصادي عام 1990 ومنذ التغيير في عام 2003، ويمكن القول إن العراق دخل العقد الرابع في (إخفاق التنمية).

والعراق أمام نقطة تحول خطيرة حتى العام 2030، وهو تاريخ من الممكن بحلوله أن يشهد العالم تراجعاً في الاعتماد على النفط بسبب لجوء الكثير من الدول للطاقة البديلة، وأمامنا عشر سنوات لتأسيس اقتصاد عراقي جديد يوفر موارد بديلة عن النفط وهو ما اقترحناه.

- ما العوامل المطلوبة لتأسيس اقتصاد عراقي جديد؟

لا بد أن يكون دور الدولة حاضراً في الاقتصاد لتحقيق هذا الهدف، ليس فقط دعم المشاريع مباشرة أو عبر التشريعات القانونية، بل لا بُد أن تتدخل الدولة في الإنتاج أيضاً. فكما أن قطاع النفط بيدها، لا بُد أن تبقى قطاعات أخرى كذلك مع شراكة القطاع الخاص لأن سوق هذا القطاع ما زال ناشئاً ويحتاج إلى رعاية حكومية، ولا بُد من الذهاب للحوكمة المشتركة وتأسيس ما نطلق عليه اسم "السوق الاجتماعي" للقطاع الخاص تحت رعاية الدولة أو شراكتها، سواء كان القطاع الخاص محلياً أم أجنبياً، إذ إن الثاني من الممكن أن يدخل بالتكنولوجيا المتطورة لتحريك عجلة الإنتاج.

وأمامنا 3 فرص، أولاها أن يتجه العراق نحو تنويع صادرات من موارد الطاقة، أي أن يصدر إضافة إلى النفط الخام البنزين وباقي المحروقات، حالياً نحن نستورد البنزين لتحقيق الاكتفاء الذاتي، يجب أن نوجد بنية تحتية تحقق الاكتفاء وتصدر الفائض، وفي هذا الإطار يجب أن نذهب لتطوير قطاع البتروكيمياويات والتكرير، والفائدة هنا ستكون كبيرة، إذ إن تكرير برميل النفط الخام الواحد يمنحنا مشتقات تزيد عن قيمته من 5-7 مرات، وقطاع الطاقة مسؤول عن 50% من الناتج المحلي الإجمالي و93% من الموارد المالية و98% من التدفقات الأجنبية، وبالتالي يجب أن تُجرى إعادة هيكلة للقطاع النفطي.

الفرصة الثانية، نتوقع أن يكون الفائض المالي هذا العام جراء ارتفاع أسعار النفط بحدود 15 مليار دولار، ومن الضروري استثماره حالياً ومستقبلاً بإجراء جولات تراخيص زراعية تدخل معها شركات عالمية للعراق من دول متقدمة في الجانب الزراعي، كنيوزيلندا وأستراليا وهولندا والولايات المتحدة، لتنفيذ مشاريع استراتيجية كبرى تضع قاعدة لهذا القطاع.

وفي الواقع فإن نسبة مساهمة الزراعة الحالية في الناتج المحلي لا تزيد عن 3%، و85% من استهلاك المواد الغذائية في العراق يأتي عبر الاستيراد، والسبب في تراجع واقع الزراعة هو طغيان القطاع الريعي. قدمت مقترحاً بهذا الإطار تحت اسم "مشروع السيادة الزراعية" إلى وزارة الزراعة وهو يدرس حالياً بشكل جدي.

وثالثاً، لبناء اقتصاد جديد للعراق نحن بحاجة لتأسيس ما نطلق عليه اسم "مجلس البنية التحتية" يكون مستقلاً ولا يتغير بتغير الحكومات وله ميزانية مستقلة كل 5 سنوات ليستمر بالمشاريع المخطط لها دون أن يتأثر بتذبذب أسعار النفط مع فرض رقابة حكومية مشددة وعبر شركات استشارية عالمية، ويرتبط المجلس بميزانية الدولة واتفاقات الدفع التي تبرمها الدولة مع المجالس والمنظمات الدولية.

والحقيقة أن العراق منذ 40 عاماً لم تدخله معالم وإضافات لبنيته التحتية، إذ إن بغداد تضاعفت فيها السيارات 12 مرة وبقيت الشوارع ذاتها دون توسيع، وهناك حاجة لإنشاء شبكة طرق جديدة ومطارات ومصافٍ، وهذه كلها ستشجع الاستثمار.

- كم تقدرون ديون العراق الحالية؟

في اتفاقية نادي بارس التي وقعها العراق مع الدول الدائنة في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2004، حددت ديون العراق السيادية لدول النادي الـ19 في حينها بـ130 مليار دولار وتقرر شطب 80% على مدى 25 عاماً ما بين فترات إمهال ودفع، ولم يتبق سوى 5 مليارات دولار ينتظر أن يدفعها العراق قبل حلول عام 2028، والمشكلة ليست هنا، بل ثمة (دين مُعلق لا تحتسب عليه فوائد) يعود إلى 8 دول، من بينها 4 من دول الخليج العربي، ويتعلق بتمويل الحرب العراقية – الإيرانية إبان فترة حكم صدام حسين، وهذه الدول لم تطالب بالدين حتى الآن، وهذا أعطى العراق إشارة إلى أنه في طريقه للشطب.

- هل اضطر العراق لاستدانة أموال إبان الأزمة المالية العالمية وانهيار أسعار النفط في عامي 2014 و2020؟

في عام 2014 حدثت أزمة مالية مزدوجة في العراق مالية وأمنية والثانية تتعلق بتمويل الحرب على الإرهاب مع ظهور تنظيم داعش وسقوط الموصل، حدثت اتفاقات مع جهات دولية، ومن بينها مجموعة G7 البلدان السبعة الكبار، وعلى مدى 3 أعوام استدان العراق من خلالها 18 مليار دولار على شكل قروض ميسرة من البنك الدولي وصندوق النقد وأيضاً صناديق وجهات تابعة لتلك الدول، أما من الداخل فقد اضطرت الحكومة لاستدانة نحو 50 مليار دولار من مصارف حكومية تحمل البنك المركزي 63% منها.

- رفع البنك الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة، هل أثر بالإيجاب أم السلب على العراق وكيف؟

له جانبان إيجابي وسلبي، الأول أن العراق يشتري بشكل مستمر حوالات وسندات خزينة قصيرة الآجل بالدولار واحتياطي البنك المركزي العراقي الحالي البالغة قيمته 85 مليار دولار، والعراق منطقة دولارية يبيع نفطه بالدولار وتودع قيمة المباع في البنك الفدرالي الأميركي بموجب حساب رسمي، وكلما ارتفعت الفائدة زادت عوائد العراق من تلك الحوالات والسندات وأيضا من مبيعات النفط.

أما الجانب السلبي فيتعلق بديوننا التي لا تعتمد على سعر فائدة ثابت وتخضع لسعر الفائدة في السوق، إذ إنها ترتفع بارتفاعه.

- ما هي المكاسب المتحققة من ارتفاع الاحتياطي النقدي في البنك المركزي؟

الـ85 مليار دولار التي أعلن عنها البنك المركزي أخيراً تمثل احتياطي العراق ككل، والارتفاع أمر مهم للغاية، إذ إن الاحتياطي ارتفع من 50 ملياراً في الإعلان السابق، وسيساهم في توفير قوة مالية تدافع عن الاقتصاد ووجوده وتنميته، وهذه الاحتياطات تدار استثمارياً بالدرجة الأولى وأيضاً جزء منها يمول التجارة الخارجية للبلد والتوجهات التنموية كشراء معدات وحاجات المعامل والمصانع وخاصة القطاع الخاص.

- لم تقر موازنة في العام 2022 ومن المحتمل أن تتأخر موازنة العام المقبل ولا تأتي قبله، ما أخطار ذلك؟

الإنفاق الحكومي يشكل 50% من الناتج المحلي، وهنالك إنفاق استثماري كبير في الموازنة وعدم وجودها يعني تعطل الإنفاق، ما يؤثر على معدلات النمو والتقدم الاقتصادي وأيضاً يتسبب بتوقف مشاريع تنتظر التمويل وبالتالي اندثار موجوداتها، وتأخر المشاريع سنوياً يؤخر التنمية لمدة 3 سنوات.

أما في ما يتعلق بالعام المقبل، فقانون الإدارة المالية يتيح الصرف وفق مبداً 1/12، أي تصرف موازنة كانون الثاني/ يناير بآخر موازنة في الشهر ذاته من عام 2023، وبما أننا بدون موازنة 2022 فالأمر يحتاج لغطاء قانوني، ونتوقع أن يتم أخذ رأي المحكمة الاتحادية، فهي ستسمح بالصرف وفق المبدأ أعلاه.

- هل أثبت تغيير سعر صرف الدولار أنه خيار ناجح وداعم لاقتصاد البلد أم العكس؟

تغيير سعر الصرف جاء كخيار أساسي في مشروع الورقة البيضاء للإصلاح الحكومي الذي تبنته حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إبان الأزمة المالية التي تسببت بها جائحة كورونا عام 2020، وهو نجح في دعم ميزانية الدولة، إذ أضاف إليها أكثر من 20 ترليون دينار عراقي (بحدود 14 مليار دولار)، سدت جزءاً كبيراً من العجز، ووزارة المالية تحركت لمعالجة تأثير رفع سعر الصرف على الفئات الهشة.

السياسة النقدية تعمل وفق مؤشرات، فما زالت نسبة التضخم في العراق 7%، لأن هناك بطاقة تموينية توفر موادها بأسعار رخيصة وأيضاً الوقود بسعر هو من بين الأرخص عالمياً، والضرائب والرسوم الحكومية ثابتة دون تغيير، والأجور والخدمات ثابتة وتم تصفير الضرائب على السلع الأساسية وجاء ذلك مقابل رفع قيمة الدينار أمام الدولار.

- ما هي توقعاتكم لأسعار النفط في العام المقبل؟

مجموعة أوبك+ تحاول الحفاظ على سعر بحدود 90 دولاراً أو أكثر للبرميل، وتم بالفعل الاتفاق على تخفيض الإنتاج بمعدل مليوني برميل يومياً لرفع أي تخمة في السوق، والعوامل الجيوسياسية في العالم، ومن بينها الحرب الروسية – الأوكرانية، أثرت وستؤثر على الأسعار وستبقيها على ارتفاع، ونعتقد كحكومة عراقية أن سعر 75 دولاراً سيبقي موازنة العراق متوازنة حتى وإن خلت من الإيرادات غير النفطية.

- كيف يمكن معالجة الفجوة في التوظيف بين القطاعين الخاص والحكومي وكم تبلغ نسبة البطالة؟

ما يصرف على الرواتب في القطاع الحكومي في العراق يفوق الدخل المتحقق من الإنتاج بنحو كبير، وهذا الأمر لا يناسب القطاع الخاص. والحقيقة أن سوق الأعمال في العراق يحتاج إلى تنظيم، ومعدل البطالة يصل إلى 16% لعموم القادرين على العمل في العراق من مختلف الأعمار ويصل إلى 23% في فئة الشباب، وهذا رقم خطير إذا قسناه بالمعدل العالمي البالغ 3%.

والسبب وراء ارتفاع معدل البطالة أن قاعدة امتصاص قوة العمل حرفية وتتعلق بالصناعات المرتبطة بالمشاريع المتوسطة والصغيرة وضربت في الصميم بسبب إغراق السوق بالمواد المستوردة، إذ لم يعد الصناعيون الحرفيون قادرين على إنتاج ما يوازي المستورد من ناحية الكلفة، وهذه القاعدة كانت مسؤولة عن تشغيل 60% من اليد العاملة، وهذا يعني أنه بات من الضروري إعادة البناء المهني في العراق تنظيمياً وتكنولوجياً عبر توفير أدوات عمل للجمهور رخيصة وصغيرة تسرع العمل وتقلل تكاليف الإنتاج بالنسبة لأصحاب الحِرف لنعيد دوران عجلتهم ونجعل ما ينتجونه أرخص من الموجود في السوق.

- ما حجم الأموال الموجودة لدى الجمهور وغير المستثمرة في العراق؟

صعب إعطاء رقم دقيق بخصوصه، لأن الأموال تتراكم عاماً بعد آخر، لكن يمكن القول إنها تصل إلى 50 مليار دولار حالياً. وللأسف غالبية هذا المبلغ "خاملة"، أي لا تدخل في دوران عجلة العمل والاقتصاد، والسبب هو عدم الثقة بالجهاز المصرفي والمؤسسات بسبب غياب التحفيز والتوعية، و75% من الإصدار النقدي للأسف لا يدخل في الاقتصاد للسبب الذي ذكرته ولا يعود للمصارف.

- ما عدد السندات الحكومية العراقية المطروحة في الأسواق العالمية وحجم أموالها؟

هنالك 3 أنواع من السندات، الأول بقيمة 2.7 مليار دولار ويتعلق بتسوية نادي باريس التي أشرنا إليها وصدر في عام 2006 ويطلق عليه اسم "عراق 2028"، وعليه فائدة سنوية 5.8% ويتم تداوله في أسواق لندن وأسواق ثانوية حول العالم، وهناك سندان آخران، الأول تحت اسم "دجلة" بفائدة 2.4% ومضمون من حكومة الولايات المتحدة الأميركية وصدر عام 2016 وهو بقيمة مليار دولار وتم إصداره دعماً لموازنة العراق في حينها، والثاني "الفرات" وصدر في العام نفسه وبالقيمة ذاتها من قبل الحكومة العراقية بعد إنجاز تصنيف ائتماني خاص عام 2015 وبفائدة 6.8%، لأن الضامن هو العراق، ويفترض أن يُطفأ السندان في عام 2023، وهما يُداران من كبريات المصارف العالمية، وقيمة السندات الثلاثة مجتمعة تبلغ 4.7 مليارات دولار.

ولدينا أيضاً سندات داخلية تصل قيمتها إلى 50 مليار دولار لدى المصارف الحكومية، وتحقق الأمر بعد إنجاز التصنيف الذي أشرنا إليه بالتعاون مع مؤسسات عالمية، هي S&P 500 وفيتش غلوبل وموديز، وهي خلصت لنتيجة أن وضع العراق آمن.

وما زالت حتى الآن على التوجه ذاته، والسبب يعود للتدفقات النقدية الهائلة للعراق جراء صادراته النفطية وأيضاً لأن تاريخنا في التسديد الائتماني نظيف، وهذا الأمر ساعد على تخفيض سعر الفائدة للسندات الصادرة في العراق إلى 6.8% وما دون ذلك.

وأضيف إلى ذلك، خروج العراق من قائمة الاتحاد الأوروبي للدول عالية المخاطر في بداية العام الجاري، 2022، والذي حقق مكاسب للمصارف العراقية، لأنه ساعدها على فتح فروع حول العالم والحصول على ائتمانات بأسعار مخفضة وتوسيع تجارة العراق الخارجية وتسهيل التبادل النقدي وتدفق الأموال، لأن القيود رُفعت، ما قلل من كلفة التعاملات العراقية – الدولية.

المساهمون