مصير مجهول للمشاريع الصينية في باكستان... ورهان على أفغانستان

05 سبتمبر 2024
باكستاني يمر أمام علمي بلاده والصين في إسلام أباد، 30 يوليو 2023 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **التحديات الأمنية وتأثيرها على المشاريع الصينية في باكستان**: تواجه الحكومة الباكستانية تحديات كبيرة في حماية المشاريع الصينية، خاصة في المناطق التي يمر عبرها الممر التجاري الصيني جنوب غربي باكستان، مما دفع الجيش لشن عملية عسكرية واسعة النطاق بناءً على طلب من الصين.

- **الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في بلوشستان وتأثيرها على الاستقرار**: يعاني إقليم بلوشستان من فقر مدقع رغم غناه بالموارد الطبيعية، مما يزيد من استياء السكان المحليين ودعمهم للمسلحين الذين يستهدفون المشاريع التنموية.

- **البدائل الصينية والتوجه نحو أفغانستان**: بدأت الصين تنظر إلى أفغانستان كبديل للوصول إلى أسواق آسيا الوسطى، مما يعكس تراجع الثقة الصينية في قدرة باكستان على توفير بيئة آمنة للمشاريع.

تواجه الحكومة الباكستانية مأزقاً كبيراً في حماية المشاريع الصينية الطموحة في البلاد، لا سيما المناطق الرئيسية التي يمر عبرها الممر التجاري الصيني جنوب غربي باكستان، إذ تتزايد حالات الاستهداف والتخريب بحق العديد من المشاريع من جانب مسلحين قبليين.

وبينما انصب الاهتمام الباكستاني في الأسابيع الأخيرة على المقاطعات القبلية التي تقع على الحدود مع أفغانستان (غرب) بسبب توسع نفوذ "طالبان" الباكستانية فيها، حيث اتجهت قوات الجيش لشن عملية عسكرية واسعة النطاق أطلقت عليها "عزم الأمن والاستقرار" اعتباراً من يوليو/تموز الماضي، بناء على طلب من الصين، مقابل مضيها قدماً في مشاريعها الاقتصادية والتجارية والتنموية في المنطقة، اشتعلت فجأة الأوضاع الأمنية بشكل غير مسبوق في إقليم بلوشستان (جنوب غرب)، والذي كان يعاني من أعمال عنف بين الحين والآخر.

ويشن ما يعرف بـ"جيش تحرير بلوشستان" (الانفصالي)، هجمات على امتداد الطرق الرئيسية التي تحتضن الممر التجاري الصيني الباكستاني، ومشاريع اقتصادية وتجارية صينية مختلفة، لا سيما الواقعة بالقرب من ميناء غوادر، النقطة الأهم لكل من الصين وباكستان، ما يثير التساؤلات حول مستقبل تلك المشاريع العملاقة، التي تراهن عليها إسلام أباد كثيراً من أجل الخروج من المأزق الاقتصادي الحالي، وكذلك بكين التي تضع باكستان في نقطة محورية على مبادرة الحزام والطريق المعروفة بطريق الحرير.

تأتي التطورات الأمنية الأخيرة بالتزامن مع تحفظات وقلق الصين حيال الهجمات المتكررة، والتي دفعتها في وقت سابق من العام الجاري إلى وقف العمل في مشاريع لإقامة سدود لتوليد الطاقة الكهرومائية في إقليم خيبر بختونخوا شمال غربي البلاد وبلوشستان.

وثمة مخاوف لدى صناع القرار في باكستان، من أن بكين قد تلجأ إلى وقف العمل بشكل تدريجي في المشاريع المختلفة، في وقت تعمل فيه مع أفغانستان لفتح ممرات تجارية بديلة إلى دول آسيا الوسطى، عبر منفذ واخان في إقليم بدخشان الأفغاني تحديداً، بينما كانت تراهن من قبل على باكستان لتحقيق هدفها.

ووسط المأزق الداخلي في وضع حد لاستهداف المشاريع التنموية والتجارية ذات الصلة بالصين، تلقي إسلام أباد باللوم على دول الجوار في تأجيج الوضع، إذ تتهم الهند بمساندة الانفصاليين البلوش الذين كثفوا نشاطهم في إقليم بلوشستان، كما تتهم أفغانستان بمساندة "طالبان" الباكستانية التي باتت تسيطر على مناطق شاسعة في القبائل البشتونية المتاخمة للحدود مع أفغانستان، علما بأن المشاريع الصينية كلها تمر عبر بلوشستان وبعضها في شمال غربي باكستان.

وقال رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، في بيان له بعد اجتماع طارئ للمجلس الوزاري لمناقشة التطورات الأمنية الأخيرة مساء السابع والعشرين من أغسطس/آب الماضي، إن الهدف الأساسي وراء موجة أعمال العنف الأخيرة هو المشاريع الصينية، وإن ما يحدث في إقليم بلوشستان ليس إلا محاولة لضرب المشاريع الصينية، ولكن حكومته مصممة على المضي قدماً فيها ولن تستسلم لأعداء باكستان، وإن أولوية حكومته في الوقت الراهن هي القضاء على كل من يعبث بتلك المشاريع ويسعى لخلق عقبات في وجهها.

بدوره قال وزير الخارجية نائب رئيس الوزراء، إسحق دار، في كلمة له أمام مجلس الشيوخ نهاية الشهر الماضي، إن "أعداء باكستان لا يمكنهم أن يتحملوا خروجها من الأزمة الاقتصادية، وأعمال العنف الأخيرة هدفها واحد وهو ضرب المشاريع الاقتصادية، إذ إننا قوة نووية وعسكرية كبيرة، لكننا نواجه مشاكل اقتصادية ومعيشية، ونسعى بشكل دائم إلى أن نخرج من تلك الأزمة ونكون قوة اقتصادية بالتنسيق مع شركائنا في المنطقة، والعدو لا يتحمل ذلك ويقوم بما نشهده من حمام الدم في بلادنا".

فقر في مناطق غنية بالموارد

ورغم هذه الاتهامات إلا أنه لا يمكن إغفال دور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية في المناطق التي تشهد اضطرابات، إذ يعم الفقر بلوشستان على الرغم من غناها بالموارد الطبيعية من غاز ومعادن، وهو ما شكل مصدر غضب لسكانها الذين يشكون من عدم حصولهم على حصة عادلة من ثروات منطقتهم. وما زاد من استياء السكان المحليين تدفق الأموال إلى المنطقة عبر مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي يعد جزءاً أساسياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، فهم يعتبرون أن هذا المشروع لم يدر عليهم سوى القليل، في حين ذهبت معظم الوظائف الجديدة إلى غرباء عن المنطقة. ويوجد في بلوشستان عدد من المشروعات الكبرى التي تديرها الصين، من بينها ميناء استراتيجي ومنجم ذهب ونحاس.

وكانت المصالح الصينية في باكستان هدفاً للهجمات وأعمال العنف منذ فترة طويلة، خصوصاً بعد أن دشنت الصين وباكستان الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني في عام 2017. لكن في الآونة الأخيرة تصاعدت تلك الهجمات، ما أثار حفيظة بكين، فقد شهدت الفترةُ ما بين 10 و26 مارس/ آذار الماضي ثلاث هجمات انتحارية، استهدفت جميعها المصالح الصينية. وجاء الهجوم الأول على مجمّع أمني لميناء غوادر في إقليم بلوشستان، وتبناه حينها "جيش تحرير بلوشستان"، وهو ميناء تعمل على تطويره شركات صينية، بينما الهجوم الانتحاري الثاني كان على قاعدة توربت البحرية بالإقليم نفسه، التي تعد نقطة مهمة للممر الصيني الباكستاني.

أما الاعتداء الأبرز فهو الهجوم الانتحاري في منطقة شانغلا، بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان، في 26 مارس/آذار، وأسفر عن مقتل خمسة مهندسين صينيين وسائقهم الباكستاني. عقب ذلك علّقت الصين العمل على بناء السدود في شمال غربي باكستان ومشاريع أخرى، كما أجلت تدشين المرحلة الثانية من الممر الاقتصادي. من جهتها حاولت باكستان خلال قنوات مختلفة إقناع الصين باستئناف العمل بالمشروع، خصوصاً خلال زيارة رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف بكين في الرابع من يونيو/ حزيران الماضي، لكن الصين اشترطت اتخاذ خطوات صارمة، منها شنّ عملية عسكرية في تلك المناطق التي شهدت هجمات.

والممر الاقتصادي الصيني الباكستاني هو مشروع اقتصادي ضخم يضم عدداً من مشاريع البنى التحتية في باكستان، أبرزها تلك التي تهدف إلى إنشاء طريق بري يربط بين مدينة كاشغر في الصين وميناء غوادر الباكستاني. كما يهدف الممر إلى تطوير البنى التحتية المطلوبة لباكستان بسرعة وتعزيز اقتصادها من خلال بناء شبكات النقل الحديثة، والعديد من مشاريع الطاقة والمناطق الاقتصادية الخاصة.

وبفضل الممر سيتم تعزيز البنى التحتية للطاقة بأكثر من 33 مليار دولار، تقدمها اتحادات خاصة للمساعدة في التخفيف من النقص المزمن في الطاقة في باكستان، إضافة إلى إنشاء شبكة من خطوط الأنابيب لنقل الغاز الطبيعي المسال والنفط في جزء من المشروع، بما في ذلك إنشاء خط أنابيب بقيمة 2.5 مليار دولار لنقل الغاز من إيران، كما سيتم توليد الكهرباء من هذه المشاريع بشكل أساسي. علاوة على الممر تقوم الشركات الصينية ببناء السدود في باكستان وتصدير المعادن ومواد تجارية أخرى. ووفق مراقبين فإن الدعم الصيني هو السند الثاني لاقتصاد باكستان، بعد القروض التي يقدمها صندوق النقد الدولي لها. لذا لن تستغني باكستان عن المشاريع الصينية وستعمل من أجل توفير الحماية لها بكل ما أمكن.

القبائل لا تتعاون

يقول الزعيم القبلي محمد رمضان بلوش، لـ"العربي الجديد"، إن وقف الهجمات ليس سهلاً كما تراه الحكومة الباكستانية والجيش عبر القضاء على المسلحين في هذه المناطق، مضيفاً: "هذا الأمر غير ممكن وهو ما أثبته التاريخ، خاصة أن المسلحين من أبناء القبائل، ويستمدون دعمهم منها". ويرى أن: "الأحرى أن تسأل الحكومة الباكستانية نفسها: لماذا لا تتعاون القبائل خاصة البشتون والبلوش معها؟ بدلاً من الإصرار على العمل العسكري في ظل حرمان القبائل من كل شيء، لا كهرباء، لا غاز، لا حياة، لا تعليم، وتريد الحكومة منها أن تقف إلى جانب الجيش ضد المسلحين الذين هم أبناء تلك القبائل، هذا لا يمكن البتة".

يضيف أن "الأمر لا يقتصر على المشاريع الصينية بل كل المشاريع التنموية في خطر، لقد رأينا هذا الشهر أن قبائل محسود في وزيرستان نزعت ودمرت أنابيب الغاز التي جرى تدشينها في 2017 وتنقل الغاز من منطقة القبائل إلى إقليم البنجاب، وهي محرومة منها، وليس هذا فحسب بل تلك القبائل أعلنت أنها لن تحتفل بيوم استقلال باكستان وهو الرابع عشر من أغسطس/ آب، ورفعت أعلاماً سوداء، وفي اليوم نفسه شنت حملة من أجل نزع وتدمير أنابيب الغاز.. هنا الأمر خطير للغاية، خاصة أن وراء تلك القبائل وعلى الجانب الثاني من الحدود قبائل أفغانية تعيش في أمن ويتحسن حالها، بينما على هذا الجانب من الخط القبائل في حال مزرية، وترى أنها لن تستفيد من المشاريع الصينية، لذا لن تتعاون مع الحكومة والجيش في حماية تلك المشاريع، وبدون ذلك لا يمكن مواصلة العمل فيها".

ونهاية الشهر الماضي، أصدرت الخارجية الصينية بياناً قالت فيه إنها تراقب عن كثب ما يحدث في باكستان، وتدين الهجمات بأشد العبارات. ويقول الخبير الاقتصادي الباكستاني محمد عبيد، لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة الباكستانية وقيادة الجيش تسعيان إلى أن تقنعا الصين بمواصلة المشاريع، لكن نرى أن بكين لا ترغب كثيراً في الاستمرار، خاصة أن الأجواء غامضة جداً، وتلك المشاريع مستقبلها غير معلوم وغير مضمون.. لقد أوقفت الشركات الصينية العمل على سدود المياه".

عين بكين على البديل الأفغاني

يلفت عبيد إلى أن "الصين تنظر إلى المشاريع الجاري العمل عليها في باكستان من منظورها وليس بمنظور إسلام أباد، فمن من الأهداف الرئيسية لها، بالإضافة إلى الاستثمار في باكستان، الوصول إلى أسواق دول آسيا الوسطى، ولكلا الهدفين وجدت بديلاً، فهي الآن تعمل مع حكومة طالبان لفتح منفذ واخان الواقع في شمالي أفغانستان من أجل الوصول إلى دول آسيا الوسطى، والأعمال تجري بسرعة كما تعلن حكومة طالبان.. أيضاً هناك مشاريع كبيرة وكثيرة في أفغانستان، فالصين راغبة في الاستثمار هناك، حيث بدأت الشركات الصينية في استخراج النفط، كما جرى مؤخراً العمل على استخراج النحاس من منجم يعد الثاني على مستوى العالم، كذلك استخراج الفحم والأحجار الكريمة والمعادن المختلفة".

ويقول: "تبدو أفغانستان آمنة مقارنة بالأوضاع في باكستان، كما أن حكومة طالبان تسهل الأمور، وتديرها جهة واحدة، بينما هناك بيروقراطية وفساد في باكستان، والوضع الأمني لا يسمح بتنفيذ المشاريع، من هنا عين بكين على أفغانستان ومن خلالها ستصل إلى دول آسيا الوسطى، بينما استثماراتها في باكستان في خطر، لذا جرى وقف العمل في الكثير من المشاريع، ولا تقتنع بكين بكل الوعود التي قدمت لها من قبل كبار المسؤولين في إسلام أباد".

المساهمون