أدى القرار الحكومي بوقف البناء في مصر، والتشديدات المتعلقة بتملك الأراضي والبناء في سيناء على وجه الخصوص، إلى حرمان أكثر من ثلاثين ألف مواطن مصري في محافظة شمال سيناء، شرقي البلاد، كانوا يعملون في مجال المعمار، من مصدر دخلهم الوحيد، ما أدخلهم في ظروف حياتية قاسية، وعدم وجود اهتمام حكومي لتعويضهم عن الخسارات التي يتعرضون لها بسبب الإجراءات الحكومية المتعلقة بعملهم.
وفي التفاصيل، يقول صاحب شركة معمار في شمال سيناء، أحمد عيسى، يعمل فيها أكثر من 50 عاملا، إن الحالة الاقتصادية باتت متردية جدا، نتيجة توقف العمل، في بناء المنازل، أو المباني التجارية، منذ عدة أعوام، بناءً على قرار حكومي، بوقف إعطاء التراخيص في مصر عموما، وفي سيناء على وجه الخصوص، في ظل المساعي الحكومية لتقنين أوضاع الأراضي في شمال سيناء وإثبات الملكية، من جميع المواطنين القاطنين في المحافظة، وكذلك تماشيا مع توجهات حكومية لتنظيم أعمال البناء في مصر، في حين أن فترة إيقاف البناء في المحافظات الأخرى اقتصرت على ستة أشهر فقط، بينما في سيناء لا تزال سارية المفعول، ولا يوجد قرار جديد بخصوص استئناف البناء.
وأضاف أن الوضع الاقتصادي للعوائل التي تعتمد على المعمار كمصدر دخل وحيد بات في الحضيض، ولا يمكن السكوت عنه، في ظل عدم إيجاد الحكومة أي بدائل للعاملين في هذا المجال، بينما الشركات الكبرى التي هي على علاقة بمشاريع الهيئة الهندسية في القوات المسلحة المصرية، والجهات الحكومية المختلفة، لم تتأثر بالقرار الحكومي.
وبيّن أن من له علاقات شخصية بالمسؤولين في سيناء يحصل على توصية للعمل في مشاريع الجيش في سيناء، حيث إن الهيئة الهندسية هي الجهة الوحيدة المكلفة بتنفيذ المشاريع الحكومية في سيناء، بالتعاون مع الشركات المحلية، بينما من ليس له علاقات فلا نصيب له من هذا العمل، وعليه انتظار انتهاء حظر البناء، وتسوية أوضاع الأراضي في سيناء.
ويشار إلى أن الأوضاع الاقتصادية بشكل عام في شمال سيناء تمر بأسوأ أحوالها، وفي سوء مضاعف عن بقية المحافظات المصرية، بعدما عاشت عقدا من الزمن في ظروف أمنية غير مستقرة، في ظل هجمات دامية لتنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم داعش الإرهابي، وعمليات عسكرية لقوات الأمن المصرية، إلى أن انتهى المطاف بطرد التنظيم الإرهابي العام المنصرم، بجهود من القبائل البدوية في سيناء، وتنسيق مع الاستخبارات المصرية وقوات الجيش. بينما لا تزال آثار الحرب ماثلة للعيان، دون أي تعويض أو تغيير يذكر، وسط وعود حكومية ورئاسية بتنمية حقيقية في سيناء وتعويضها عن سنوات الإهمال والتقصير.
وفي التعقيب على ذلك، يقول مصدر مسؤول في مجلس مدينة العريش لـ"العربي الجديد" إن للوضع في سيناء والقرارات الحكومية فيها، مسارا خاصا، نظرا لارتباطها بالجانب الأمني، وضرورة موافقة الجهات الأمنية كافة على أي قرار حكومي تنفيذي، لا سيما ما يتعلق بأراضي سيناء أو البناء عليها، وهذا ما أدى إلى حظر البناء في شمال سيناء، إلا في أضيق الحدود، وبعد مشاورات ودراسات لكل حالة وملف بناء على حدة، فلا يوجد قانون يجمع كل الحالات في سيناء، نظرا للاختلاف بين المناطق، وتحويل مناطق كثيرة في سيناء من استخدامات مدنية إلى عسكرية، بموجب قرارات عسكرية وسيادية، لا يمكن التعليق عليها.
وأضاف أن العاملين في مجال المعمار على حق في حديثهم عن الضرر الواقع عليهم نتيجة هذه المعادلة المعقدة، والتي تربط العمل الحكومي بالأبعاد الأمنية، إلا أنه لا يمكن تجاوز هذه المعادلة، وفي نفس الوقت لا بد من إيجاد حل للعوائل المتضررة من وقف البناء، من خلال فرص عمل في المشاريع الحكومية والتابعة للقوات المسلحة في سيناء، خصوصا في ظل البدء في تمشيط المناطق التي كان فيها تنظيم داعش وإزالة الأنقاض، ورصف الطرق، وإعادة الحياة إلى مناطق واسعة من شمال سيناء، خلال الفترة الحالية.
وتابع: للمتضررين من القرارات الحكومية المرتبطة بالجانب الأمني أولوية قصوى في هذه المشاريع الجديدة.
ووفقا لتقارير توطين أهداف التنمية المستدامة التي تصدرها وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، فقد بلغت نسبة السكان تحت خط الفقر فى محافظة شمال سيناء 38.4% في عام 2018/2017 ، وهي تزيد عن المستوى الوطني لنفس العام، مشيرةً إلى ارتفاع كبير في مؤشرات معدل بطالة الذكور والإناث خلال الأعوام الماضية، مع التوصية بضرورة إيجاد حلول لتخفيض نسب البطالة، وتحسين الظروف الاقتصادية والحياتية.
من جهة أخرى، كشف أحد العاملين ضمن شركات الهيئة الهندسية للقوات المسلحة لـ"العربي الجديد" أن الأولوية في إرساء العطاءات والمشاريع في سيناء، تختص بشركات أبناء سيناء بأسمائها المختلفة وأذرعها العاملة في كافة المجالات، وهي التابعة لرجل الأعمال السيناوي إبراهيم العرجاني المقرب من دوائر السلطات المصرية، ومن ثم الأولوية لشركات من سيناء، يخضع ملاكها إلى تعليمات قيادة الجيش في سيناء، بينما الشركات الصغيرة لا تقوى على المنافسة في دوائر العطاءات والمشاريع في الهيئة الهندسية، مصيرها الإغلاق والاندثار دون أي تعويض أو بديل.
وأوضح أن الشركات في سيناء حاليا تنفذ مشاريع خارج الاختصاص لصالح قوات الجيش، كالإفطار الجماعي على شاطئ مدينة العريش في نهاية شهر رمضان، وكذلك احتفالات تحرير سيناء التي شملت حضور ممثلين وفنانين مصريين للمرة الأولى إلى شمال سيناء، خلال الأيام القليلة الماضية، حيث يعمل قائد الجيش الثاني الميداني اللواء محمد ربيع على تنشيط الوضع في سيناء، وإظهارها هادئة مستقرة، على حساب الشركات ورجال الأعمال في سيناء، في مقابل إعطائهم حصة في المشاريع الاقتصادية الحالية والقادمة في سيناء، في إطار خطة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في إحداث نقلة نوعية في البنى التحتية والعمرانية في شمال سيناء.