مصر ومخاطر استيراد الغاز من الاحتلال

15 يناير 2020
الغاز المستورد من الاحتلال يهدد الأمن القومي لمصر(فرانس برس)
+ الخط -
بدأ، الأربعاء، تدفق الغاز من الاحتلال الإسرائيلي إلى مصر من حقلي تمار ولوثيان المنهوبين والواقعين قبالة السواحل الشمالية لمصر وفلسطين.

وبمعايير الأمن القومي والسياسة والاقتصاد والاجتماع فإن الغاز المتدفق يعدّ ترجمة للصفقة الأخطر والأهم في تاريخ العلاقات المصرية الإسرائيلية والتي تم إبرامها في شهر فبراير 2018 وتبلغ قيمتها نحو 20 مليار دولار.

وبمعايير السياسة فإن هذا الغاز المستورد من الاحتلال يهدد الأمن القومي لمصر بشكل مباشر، إذ إنه يربط الأمن الاقتصادي المصري وأمن الطاقة في البلاد بالغاز المستورد من دولة الاحتلال ولمدة 15 سنة متواصلة.

وبالتالي تصبح بيوت ومصانع ومخابز وشركات الكهرباء والمحال التجارية والمزارع وكافة أنشطة الإنتاج في مصر رهناً بالقرار المتخذ في تل أبيب الذي قد يقطع ضخ الغاز في أي لحظة، خاصة في حال حدوث أي خلاف سياسي بين البلدين، كأن تساند الحكومة المصرية حقوق الفلسطينيين في الدفاع عن أرضيهم المحتلة، أو تدافع عن قضية القدس المحتلة، أو ترفض سياسة الحصار التي يمارسها الاحتلال ضد قطاع غزة منذ سنوات طويلة.

وبمعايير الأمن القومي أيضاً، فإن هذا الضخ يضعف مطالبة الدولة المصرية مستقبلاً في استرداد حقوق الغاز المنهوبة من قبل الاحتلال في شرق البحر المتوسط ومن أبرزها حقلا لوثيان وأفروديت.

كما أن استيراد مصر غاز الاحتلال قد يجلب على البلاد مخاطر أمنية في منطقة سيناء هي في غنى عنها، إذ قد يتم تفجير خط نقل الغاز كما كان يجري عقب قيام ثورة 25 يناير عندما كانت مصر تصدر الغاز لإسرائيل.

وبمعايير السياسة أيضاً فإن هذا الحدث يعد أول تطبيع اقتصادي منذ اتفاقية السلام المبرمة في عام 1979، كما أن الصفقة تعني نهاية لمطالب ثورة يناير التي أجبرت الحكومة المصرية على وقف تصدير الغاز لإسرائيل خاصة مع قيام أطراف بالتدمير المستمر لخط أنبوب الغاز في سيناء.

وبمعايير المجتمع فإن المواطن المصري دافع الضرائب بات مجبراً على علاج العجز في الموازنة الإسرائيلية، وسداد فاتورة تمويل الحروب التي تشنها دولة الاحتلال على قطاع غزة من وقت لآخر.

كما سيتم إجبار الأسرة المصرية على الدخول في عملية تطبيع قسري مع عدو تاريخي وكيان مغتصب للأراضي العربية عبر استهلاك الغاز المتدفق على دولة الاحتلال ودخوله البيوت المصرية واستخدامه في طهي الطعام وقبلها توليد الكهرباء والصناعة.

وبمعايير الاقتصاد، فإن الاقتصاد المصري الذي يعاني من مشاكل كثيرة مطالب بضخ نحو 20 مليار دولار في شرايين الاقتصاد الإسرائيلي وخزانته الخاوية، كما يكشف ضخ الغاز الإسرائيلي لمصر عن شكوك حول ما يتردد على لسان المسؤولين المصريين من حدوث اكتفاء ذاتي من الغاز في مصر وتصدير الفائض إلى الخارج.

بكل المعايير، فإن مصر خاسرة من صفقة استيراد الغاز من دولة الاحتلال، خاسرة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، خاصة مع تأكيد وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتز، أن الغاز المتدفق على مصر سيوجه للاستهلاك المحلي، وهو ما يشكك في مبررات المدافعين عن الصفقة القائلين إن الاستيراد يأتي في إطار خطة لتحويل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة في منطقة الشرق الأوسط، وأن الغاز المستورد سيعاد تصديره إلى أوروبا عبر محطات الإسالة المصرية.
المساهمون