كثيرون يعتقدون أن الحال في مصر وصل إلى القاع في العام 2016، وأن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي مرت بها البلاد هذا العام لن تتكرر في العام الجديد 2017، وربما لن تتكرر لسنوات طويلة، وأن معدل التضخم وارتفاع الأسعار المستمر سيتباطأ خلال الفترة القادمة، لأن المواطن لم يعد قادرا على التحمل، كما أن الحكومة ذهبت في علاجها للأمة الاقتصادية القائمة لأبعد مدى وهو تعويم الجنيه وزيادة أسعار الوقود وفرض ضرائب والتوسع الكبير في الاقتراض الخارجي.
لكن للأسف الواقع يقول عكس ذلك، فالأسعار مثلاً مرشحة لمواصلة قفزاتها في العام الجديد 2017 لعدة أسباب أبرزها مواصلة الحكومة سياسة خفض الدعم المقدم للسلع الرئيسية وفي مقدمتها الوقود، ومع استمرار الحكومة في تطبيق هذه السياسة فإن هذا يعني حدوث زيادات جديدة في أسعار البنزين والسولار والغاز، ومع اتفاق كبار المنتجين للنفط في العالم على خفض الإنتاج بداية العام الجديد فإن هذا يعني أن أسعار النفط سترتفع عالميا، وبما أن مصر مستورد للنفط فإن تكلفة استيراد النفط، سواء الخام أو في صورة مشتقات بترولية، سترتفع، وهو ما يعني مزيدا من الإرهاق والعجز للموازنة العامة.
هذه واحدة، أما النقطة الثانية فهي أن هناك توقعات قوية بحدوث موجة تضخمية في أسعار الأغذية في الأسواق العالمية حسب توقعات منظمة الأغذية والزراعة "الفاو"، وربما تشبه هذه الموجة ما حدث في العام 2009، وبما أن مصر أكبر مستورد للقمح والزيوت في العالم فإن الارتفاع المتوقع في أسعار الأغذية يعني زيادة تكلفة استيراد مصر للمواد الغذائية المختلفة من أغذية وسكر وأرز وعدس وغيرها، كما أن النقص المتوقع في الأرز داخل السوق المحلية خاصة مع تقليص المساحات المزروعة منه إلى النصف من 1.5 مليون إلى 750 الف فدان في العام 2017، فإن هذا يعني استيراد مصر مزيدا من الأرز وبسعر عال.
أما النقطة الثالثة فإنه مع الزيادة متوقعة في فواتير الكهرباء خلال عام 2017 بسبب خفض الدعم الحكومي والارتفاع المتوقع في أسعار الوقود بما فيها الغاز، فإن هذا سيترتب عليه زيادة أسعار السلع في الأسواق وارتفاع تكلفة الإنتاج بالمصانع، وهذا كله سيشكل عبئا على المستهلك.
أضف إلى ذلك تأثيرات فرض ضريبة القيمة المضافة البالغة 14% على الأسواق في العام الجديد، وخاصة تجاه دعم حالة الركود والكساد وزيادة تكلفة المنتج.
ولنأت إلى العامل الأقوى في المعادلة وهو ارتفاع سعر الدولار المتواصل مقابل الجنيه المصري، فإي زيادة في سعر العملة الأميركية تعني مباشرة زيادة أسعار 70% من السلع التي يتم تداولها في السوق، علما بأن السلطات لن تجد مبرراً قوياً يمكن أن تقدمه للرأي العام تبرر به هذا الارتفاع خاصة مع تعويم الجنيه واغلاق نحو نصف شركات الصرافة.
ومع انشغال البنك المركزي المصري بسداد الديون الخارجية المستحقة على البلاد في العام 2017 والبالغة نحو 8 مليارات دولار، وانشغال البنوك بتلبية الاحتياجات الدولارية للمؤسسات الحكومية المستوردة للسلع الرئيسية كالأغذية والوقود، فإن تدخل المركزي في سوق الصرف، حتى عبر البنوك الحكومية، سيكون محدوداً، وبالتالي لا يتوقع حدوث انخفاض ملموس في قيمة الدولار مقابل الدولار يكبح زيادة أسعار السلع.
وحتى إذا لجأت مصر للاقتراض الخارجي في العام الجديد 2017 لعلاج عجز الموازنة العامة وحصلت على قرض بقيمة 3 مليارات عبر طرح سندات دولية في النصف الأول من العام الجاري، فإن تكلفة هذا الاقتراض ستكون عالية خصوصا مع زيادة سعر الفائدة على الدولار في الأسواق العالمية، وحاجة مصر لاقتراض 4 مليارات في نهاية العام لسداد سندات دولية مطروحة في بورصة أيرلندا.
أضف إلى ذلك أن محاولة البنك المركزي احتواء معدلات التضخم العالية والحد من ظاهرة تآكل المدخرات المحلية وهروب المودعين إلى العملات الأجنبية يتطلب منه زيادة سعر الفائدة، وهذا سيزيد الدين الحكومي باعتبار أن الحكومة هي أكبر مقترض من القطاع المصرفي، والنتيجة أما زيادة جديدة في عجز الموازنة العامة أو خفض الدعم المقدم للمواطنين.
الوضع الاقتصادي صعب في العام الجديد 2017 ما لم تتحسن مؤشرات الاقتصاد الكلية ويزيد الإنتاج وتسترد قطاعات عافيتها مثل السياحة والصادرات والاستثمارات الأجنبية وتحويلات العاملين بالخارج، وكل ذلك بحاجة لاستقرار سياسي وأمني حقيقي.