مصر: عاصفة تشاؤم تخيم على قطاع الأعمال

02 أكتوبر 2023
الركود يضرب مختلف الأنشطة الاقتصادية (Getty)
+ الخط -

تسيطر أجواء متشائمة على مجتمع الأعمال مع نهاية الربع الثالث من العام الحالي، وسط توقعات معظم شركات القطاع الخاص، ثبات الأداء المتردي بالقطاعات الإنتاجية والخدمية، خلال الفترة من يوليو/ تموز إلى نهاية سبتمبر/ أيلول 2023، مدفوعة باستمرار الصعوبات التي تواجهها من زيادة بمعدلات التضخم وشح العملة، ووجود أكثر من سعر للدولار، ونقص المواد الخام، ومنافسة شركات الجيش للقطاع الخاص.

يتوقع مجتمع الأعمال تراجع الصادرات، في ظل ضعف الأداء التنافسي للسوق المصري بالأسواق الدولية، والارتفاع المستمر بأسعار المنتجات. ويتجه قطاع التشييد والبناء نحو الركود، مع انتهاء فترة الوهج التي مر بها على مدار الأعوام الماضية، مدفوعا بندرة السيولة، والركود في الطلب وارتفاع أسعار المنتجات المحلية والمستوردة، وشح الدولار، وبطء اتخاذ الحكومة قرارات تحسن من أداء القطاع، لتأخرها في إصدار قانون المصالحة في مخالفات البناء، ووجود منافسة شديدة بين الهيئة الهندسية التابعة للجيش والقطاع الخاص.

كشف المركز المصري للدراسات الاقتصادية، عن مواصلة تراجع مؤشر أداء الأعمال، في ظل استمرار أزمة الدولار والتضخم، باعتبارهما أكبر التحديات التي تواجه الشركات الخاصة حاليا.

تأتي أزمة الشركات الخاصة وسط مخاوف محللين من تخفيض تصنيف مصر الائتماني، ووضعها تحت المراقبة السلبية، من قبل مؤسسات تمويل دولية كبرى، خلال الربع الأخير من العام الحالي، ولحين تمديد اتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي، يقضي بمنحها الدفعة الثانية من قرض قيمته 3 مليارات دولار.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

يعتبر مسؤولو الشركات الذين أدلوا ببيانات مؤشر أداء الأعمال، تصاعد معدلات التضخم، وبلوغه مستويات قياسية، خلال الفترة من إبريل/نيسان إلى يونيو/حزيران 2023، من أهم المعوقات التي أدت إلى تراجع الطلب على المنتجات، وارتفاع تكلفة الإنتاج، وتراجع العرض وانخفاض حجم الأعمال وعدم توافر سيولة نقدية للاستثمار.

اعتبر مسؤولو الشركات أن تغير سعر الصرف باستمرار، يسبب لهم معاناة نتيجة تدهور قيمة الجنيه مقابل الدولار، بما يرفع أسعار معظم السلع والخدمات، ويحول دون قدرة المواطنين على الشراء، وفي ظل تشوه سعر الصرف، وعدم وضوح سياساته السعرية، ووجود أكثر من سعر للدولار بالأسواق الرسمية والموازية، يشكل الأمر صعوبة بتقدير أسعار المنتجات للتعاقدات الآجلة.

سجل "بارومتر الأعمال" الذي يصدره المركز المصري للدراسات الاقتصادية كل 3 أشهر منذ عام 1998، استمرار تراجع مؤشر أداء الأعمال خلال الربع الثاني من العام الجاري، قدره 5 نقاط عن المستوى المحايد -50 نقطة- أقل من مثيله من يناير/ كانون الثاني إلى مارس/ آذار الماضي، والمناظر 2022.

رصد المؤشر عودة مشكلة نقص المواد الخام ومستلزمات الإنتاج المستوردة لعدم توافر العملة الأجنبية ووجود سوق سوداء بأسعار متعددة، بالإضافة إلى معاناة المصانع من انقطاع الكهرباء وعدم توافر الوقود.

كشف مسؤولو الشركات تراجع الطلب الخارجي على المنتجات المصرية، لعدم القدرة على الوفاء بالالتزامات التصديرية بموعدها نظرا لعدم حل مشكلات نقص المواد الخام ومستلزمات الإنتاج، الأمر الذي دفع عملاء هذه الشركات إلى البحث عن أسواق تصديرية بديلة للسوق المصري.

وبين مسؤولو الشركات ارتفاع تكاليف الإنتاج مع زيادة أسعار مستلزمات الإنتاج بخاصة المستوردة، وأسعار الشحن البحري في ظل اضطراب سلاسل الإمداد العالمية ونقص الخامات وزيادة أسعارها، مما ترتب عليه عدم القدرة على المنافسة في الأسواق الخارجية وضعف المبيعات في الأسواق المحلية. وشكل ارتفاع التضخم نسبة 100% من حجم المعوقات التي تواجه مجتمع الأعمال.

وتواجه الشركات ضعفا بالقوة الشرائية الناتجة عن التضخم، مع ارتفاع معدلات الضرائب وتعدد الأوعية الضريبية للمشروعات وبيروقراطية الجهاز الإداري بالدولة، وتأخرا بالإجراءات، وطول المدة التي تستغرقها لإنهاء الأعمال، علاوة على استمرار التحديات المرتبطة بزيادة رسوم الخدمات الحكومية دون أن يقابلها تحسن حقيقي فيها، ومنها رسوم التأمينات الجمركية ورسوم الطرق والكباري ورسوم التراخيص والتسجيل، والرسوم الخاصة بهيئات تنمية الصادرات وسلامة الغذاء والأمن الصناعي، وفقا للمؤشر.

يتفق مسؤولو الشركات من القطاعات الاقتصادية المختلفة، في تحديد الأولويات، بأن تبدأ الحكومة بمعالجة معدلات التضخم، والاهتمام بسياسات الاستثمار والتحول الرقمي. وأجمع مسؤولو الشركات على أن تحسين مناخ الأعمال بنسبة 100% يتطلب وقف التضخم، وتتفاوت مواقفهم من باقي الأوليات حيث منحوا نسبة 83% لتعديل سياسات الاستثمار، و78% للتحول الرقمي للخدمات الحكومية، وتسهيل الإجراءات الحكومية 75%، والمنظومة الضريبية 69%، وتخفيض الرسوم المفروضة على الخدمات الحكومية 59%، وتخفيض أسعار الطاقة 49%، وتوفير العمالة المؤهلة 47%، وسعر الفائدة 44%، حسب مؤشر الأعمال.

وفي هذا السياق، قال وزير المالية الأسبق، أحمد جلال، لــ"العربي الجديد" إن حالة التشاؤم السائدة لدى مجتمع الأعمال، ترجع إلى عدم وجود رؤية واضحة في إدارة الاقتصاد، مع الدفع بدور غير مبرر للدولة في إدارة قطاعات تعهدت الحكومة بالخروج منها، وفقا لوثيقة ملكية الدولة الصادرة نهاية العام الماضي، وتركها للقطاع الخاص، بينما تتوسع في ملكية شركات جديدة، في وقت تسعى فيه إلى التخلص من عبء شركات قائمة.

أشار جلال إلى "ضرورة أن تحسم السياسة دور الدولة في الاقتصاد، مع حساب تكلفة قرارات يتطلب اتخاذها عاجلا، قبل أن يمر الوقت ولا نقدر على تحمل تبعاتها السيئة في مراحل تالية".

وتواجه الحكومة أسوأ موجة نقص بالعملة الأجنبية المستمرة منذ سنوات، أدت إلى خفض قيمة الجنيه 3 مرات متتالية، أفقدت العملة المحلية، أكثر من 50% من قيمتها، منذ فبراير/ شباط 2022.

يتوقع مجتمع الأعمال تراجعا جديدا بقيمة الجنيه مقابل العملات الصعبة، تحت ضغوط العجز الدائم بين قيمة الواردات والصادرات، وشح الدولار، وعدم قدرة الحكومة على تنفيذ اتفاق مع صندوق النقد الدولي، يسمح لها بالحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار، يمكنها من إعادة جدولة الديون الخارجية، خاصة قصيرة الأجل، مقابل الإسراع في بيع شركات عامة، وتوحيد سعر الصرف، وترك السعر وفقا لآلية العرض والطلب في البنوك.

تعاني الحكومة من فجوة تمويل تقدر بنحو 11 مليار دولار سنويا تنتهي عام 2028، وفقا لـ"غولدمان ساكس"، و17 مليار دولار، طبقت لرؤية خبراء اقتصاد تواصلت معهم "العربي الجديد". تشير وكالة "بلومبيرغ" إلى مخاوف من عدم قدرة الحكومة على الوفاء بديونها للمستثمرين، بقيمة أكثر من 45 مليار دولار، تمثل مدفوعات سندات وفوائد مستحقة، واجبة السداد على الحكومة على مدار السنوات العشر المقبلة.

يتوقع البنك الدولي تباطؤا بالنمو، ليصبح في حدود 4%، خلال عامي 2023-2024، يرتفع إلى 4.7%، 2025، مدفوعا بالنقص الحاد في موارد البلاد من العملة الصعبة، وتدهور بقيمة الجنيه، وتوجيه نحو 50% من إيرادات الموازنة العامة لسداد فوائد وأقساط الديون الدولية التي بلغت 165 مليار دولار يونيو/ حزيران 2023.

وضعت بلومبيرغ مصر الشهر الماضي، في المرتبة الثانية بعد أوكرانيا من بين البلدان الأكثر خطرا بالقدرة على سداد ديونها. جاء الجنيه الأسوأ أداء بين الأسواق الناشئة، بعد بوليفيا والإكوادور، وفقا لتحليلات صادرة من بلومبيرغ الشهر الماضي.

تصاعدت معدلات التضخم منذ يناير 2022، لتسجل 36.8%، في يونيو الماضي، مقابل 14.7% عن نفس الفترة 2022، واجهها البنك المركزي برفع سعر الإيداع والإقراض للعمليات الرئيسية بالبنك، لليلة واحدة إلى 19.25% و20.25% و19.75%، على الترتيب. ظهرت آثار الضغوط التضخمية، على أسعار المواد الغذائية والمشروبات والأثاث والأجهزة المنزلية والخدمات الفندقية والمطاعم، وفقا لبيانات جهاز التعبئة والإحصاء الحكومي.

المساهمون