مصر تهرول نحو صندوق النقد عبر تنازلات اقتصادية ومعيشية

25 يوليو 2024
الحكومة تتجه إلى زيادة أسعار الوقود (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **جهود الحكومة المصرية للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي**: تسعى الحكومة المصرية للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي، مع تقديم تنازلات تشمل بيع مدينة رأس الحكمة للإمارات مقابل 35 مليار دولار، وسط تراجع عوائد قناة السويس والسياحة والصادرات.

- **تفويض رئيس الوزراء المصري بصلاحيات واسعة**: منح الرئيس المصري رئيس الوزراء صلاحيات واسعة للتصرف في الأصول العامة، بهدف زيادة موارد العملات الصعبة ودعم الجنيه، من خلال تصفية بنك الاستثمار القومي ونقل أصوله إلى صندوق مصر السيادي.

- **ضغوط صندوق النقد الدولي وخفض الدعم الحكومي**: يضغط صندوق النقد على الحكومة لتدبير موارد مستدامة وخفض النفقات العامة، مما دفع الحكومة لخفض دعم الوقود وزيادة أسعار الغاز والكهرباء، رغم اضطراب الأوضاع الداخلية.

تواصل حكومة مصر جهوداً حثيثة، لتقديم تنازلات لصندوق النقد قبل جلسة مجلس إدارة محافظي الصندوق الاثنين المقبل، أملاً في قرض جديد واعتماد نهائي للمراجعة الثالثة أجراها خبراء الصندوق على الموازنة العامة وإصلاح اقتصادي يسير ببطء يتجرّع فيه المواطنون مزيداً من الآلام.
تظهر الحكومة تحسناً ظاهرياً للاقتصاد، في بيانات رسمية، يرجعه خبراء إلى حصيلة بيع مدينة رأس الحكمة لدولة الإمارات مقابل 35 مليار دولار، بينما يرصد صندوق النقد انهياراً في عوائد قناة السويس وتراجعاً في الدخل السياحي وقيمة الصادرات، تدفعه إلى مطالبة الحكومة بالبحث عن موارد مستدامة للعملة الصعبة، ترتكز على خفض النفقات العامة والدعم السلعي والإسراع في بيع الأصول والشركات الحكومية، وعدم تقييد البنك المركزي لمرونة سعر الصرف.
جاء شطب مجلس إدارة الصندوق لمناقشة منح الشريحة الثالثة بقيمة 820 مليون دولار، من إجمالي ثمانية مليارات دولار، منذ أيام ثم إعادة القضية إلى جدول الأعمال، عنصراً ضاغطاً على الحكومة التي تواجه حملة شعبية موسعة، تطالب بعدم التصرف ببيع الأصول العامة وشركات قطاع الأعمال، بينما الحاجة تدفعها إلى هذا الاتجاه، خشية تكرار الأزمات الخانقة التي تعرضت لها خلال ثلاثة أعوام، شهدت شحاً هائلاً بالدولار واضطراباً بكافة القطاعات الإنتاجية والخدمية.


تفويض مجلس الوزراء مصر

نشرت مؤسسة الرئاسة قراراً جمهورياً في الجريدة الرسمية الاثنين الماضي، يمنح رئيس مجلس الوزراء تفويضاً في سبعة مجالات، منها التصرف في أملاك الدولة دون مقابل ونزع الملكية، والقرارات المرتبطة بالموظفين والعاملين بالجهات الحكومة، والمتعلقة بالهيئات العامة والشركات التابعة للقطاع العام، وقطاع الأعمال العام. يُمكن التفويض رئيس الوزراء باتخاذ قرارات تتعلق بالمرافق العامة والجمعيات ذات النفع العام والشؤون الإدارية والمحلية، وحالات الطوارئ، واتخاذ قرارات بشأن تأشيرات الموازنة المالية.

يظهر القرار الرئاسي المفاجئ من نوعه الصلاحيات الواسعة التي منحها الرئيس لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي بالتصرف منفرداً في الأصول العامة، عبر التنازل للغير أو البيع للمصريين والأجانب، واستبعاد التبعات السياسية والقانونية عن شخص الرئيس، جراء عمليات البيع أو التنازل، عن الملكية العامة، أمام البرلمان والشعب، المقرر تنفيذها خلال الفترة المقبلة.
استبقت الرئاسة التفويض الفريد لرئيس الوزراء بقرار إزالة صفة النفع العام عن بعض أملاك الدولة، ونقل ملكية عشرات المباني وأراضٍ شاسعة تشمل مقرات وزارات التربية والتعليم والإنتاج الحربي والإسكان والداخلية والصحة والعدل والسياحة والنقل والمالية بوسط العاصمة، بالإضافة إلى أراضي ومبنى مجمع التحرير والحزب الوطني بكورنيش النيل، والقرية التعليمية والكونية بمدينة أكتوبر وحديقة الحيوان بطنطا وسط الدلتا، إلى أصول صندوق مصر السيادي، تمهيداً للتصرف في ما يزيد عن 20 أصلاً تاريخياً باستثمارها بالبيع أو المشاركة في الإدارة والملكية، مع مستثمرين محليين وأجانب.
تخطط الحكومة لتصفية بنك الاستثمار القومي، الذي تقلص دوره في تمويل خطة التنمية الاقتصادية للدولة، على وجه السرعة، بعد وقف تمويله من حصيلة صناديق التأمين الاجتماعي للعاملين بالدولة والقطاع الخاص، والمنح الأجنبية، وحظر شهادات الاستثمار التي كان يصدرها والبنوك العامة، نيابة عن البنك.

فرصة عدم التهافت على القرض

يؤكد عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس الشيوخ، عن حزب التجمع "يسار"، أحمد شعبان، أن تفويض رئيس الجمهورية لرئيس مجلس الوزراء بالتصرف في الأصول العامة، والمتعلقة بالموظفين والتصالح في المال العام، تستهدف تخفيف الأعباء اليومية المترتبة على تعامل الرئاسة مع مصالح المواطنين، ليتفرغ الرئيس للأمور الكبرى، مشيراً إلى أن الإدارة في بيع الأصول العامة ستجرى في ظل قواعد تشاركية، فمنها ما يجب عرضه على البرلمان، وأخرى يمكن البت بأمرها من مجلس الوزراء، على أن يخضع المجلس للمحاسبة في حالة ظهور نتائج عكسية.
يظهر شعبان لـ "العربي الجديد" عدم وجود مخاوف من منح التفويض لرئيس الوزراء، مشيراً إلى أهميته لعدم تعطيل مصالح المواطنين والمستثمرين، بالإضافة إلى التزام البرلمان بمراقبة كل الاتفاقات التي تجرى بين الدول والتي تخص الجهات الدولية والحكومة.
يرجع شعبان رغبة الحكومة في تمرير مجلس إدارة صندوق النقد، للمراجعة الثالثة للاقتصاد والموازنة، من أجل الحصول على شهادة الاعتماد لبرنامج الإصلاح الموقع مع الصندوق، لتحسين سمعة مناخ الاستثمار. يشدد عضو الغرفة الثانية للبرلمان على أن تحسن الاحتياطي النقدي وميزان المدفوعات، وزيادة التدفقات النقدية بالعملة الصعبة مؤخراً، يمنح الحكومة فرصة عدم التهافت على القرض المقرر من الصندوق، وأن ما يجب على الحكومة حالياً هو تحسين مناخ الأعمال، وتوجيه الاستثمارات نحو القطاعات الصناعية والزراعية والإنتاجية، وإقامة مشروعات مدرة للعملة الصعبة قادرة على توليد وظائف جديدة.

على النقيض من ذلك، يؤكد اقتصاديون ممارسة صندوق النقد ضغوطاً على الحكومة، لرغبته في الحد من خطر أن تؤدي التدفقات المالية عن بيع أصول وأراضٍ من دولة الإمارات وغيرها، إلى تقليل حوافز الدولة لإصلاح اقتصادها بما يتماشى مع شروط صفقة الصندوق المعدلة في مارس/ آذار الماضي، والمخاطر التي تواجهه جراء شح الدولار ومزيد من التراجع بقيمة الجنيه وانخفاض معدلات النمو.

وعود حكومية بخفض الدعم

وعدت الحكومة صندوق النقد بخفض المبالغ المخصصة لدعم الوقود من مستوى 3.5 مليارات دولار إلى 3.2 مليارات دولار، وزيادة أسعار الغاز والمحروقات والكهرباء خلال شهر يوليو/ تموز الجاري، فإذا باضطراب الأوضاع الداخلية، جراء القطع القسري للتيار الكهربائي وتخفيض الإنارة العامة، الأسابيع الماضية، يجبر الحكومة على شراء غاز ومازوت بكميات إضافية خلال العام المالي الجاري بنحو 1.2 مليار دولار وتأجيل رفع أسعار الكهرباء، مع احتمال تضاعف القيمة في ظل تراجع الواردات من الغاز الإسرائيلي، إذا ما توسعت الحرب الإسرائيلية على غزة، لتشمل دولاً أخرى.
وضع صندوق النقد سقفاً لتمويل الاستثمارات الحكومية عند تريليون جنيه، على أن يتم تمويلها من الموارد العامة. ذكرت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي جولي كوزاك وجود "أخطار سلبية كبيرة تواجه الاقتصاد المصري، لا سيما بعد انهيار عائدات قناة السويس، مع وجود تحديات بنيوية محلية تتطلب أن تظل مصر على المسار الصحيح للسياسات الاقتصادية التي تخدم الشعب على أفضل وجه".
يحظر الصندوق على البنك المركزي دعم الفائدة على القروض الممنوحة لأي جهة حكومية أو خاصة، بما منع بنك الاستثمار من تقديم قروض مدعومة لتمويل مشروعات البنية الأساسية والعامة، وأنهى دوره شبه المصرفي.
ظل بنك الاستثمار المورد الأساسي لتمويل خطط التنمية للحكومة والتي تنفذ عبر الوزارات والهيئات العامة، على مدار 44 عاماً، وتوقف إثر صدور قرار عام 2019، بنقل أموال المعاشات من بنك الاستثمار القومي إلى وزارة التضامن الاجتماعي، المكلفة بسداد نحو تريليون جنيه، مستحقات صناديق المعاشات، على أقساط شهرية لمدة 60 عاماً.
نشرت صحيفة البورصة الاقتصادية، التي تديرها مجموعة "المتحدة للإعلام" التابعة للأجهزة الأمنية، تفاصيل عمليات التصفية لبنك الاستثمار منذ أيام. أكد محلل الاقتصاد الكلي ورئيس البحوث بمجموعة "هيرمس" المالية، محمد أبو باشا، في تصريحه للصحيفة، رغبة صندوق النقد في إنهاء دور بنك الاستثمار القومي، بعد أن لفت البنك انتباه خبراء الصندوق، حول دوره في دعم الفائدة على القروض الممنوحة للهيئات العامة، عبر طرحه شهادات استثمار بأعلى من السائدة في السوق، وقيامه بتمويل شراء أذون وسندات حكومية بشكل كثيف، حتى عام 2019، ومنحه امتيازات خاصة عن البنوك الأخرى، تشمل الإعفاء من الضرائب وتجنيب أمواله في البنك المركزي.
 

نقل أصول مصر

قالت خبيرة التمويل والاستثمار حنان رمسيس، لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة تعمل حالياً على نقل أصول الشركات المملوكة جزئياً أو كلياً لبنك الاستثمار، إلى صندوق مصر السيادي، بهدف الاستفادة من قيمتها الضخمة، وعرضاً للبيع أو الاستحواذ من قبل مستثمرين استراتيجيين وصناديق سيادية خليجية وكيانات اقتصادية عالمية.
تؤكد رمسيس أن الحكومة تسعى من خلال إتمام عملية التصفية إلى زيادة مواردها من العملات الصعبة، بما يمكنها من دعم قوة الجنيه مقابل الدولار، والظهور أمام صندوق النقد بالتزامها تطبيق بيع الأصول العامة المدرجة بوثيقة ملكية الدولة المتفق عليها مع إدارة صندوق النقد مارس 2024.
توضح خبيرة سوق المال أن بنك الاستثمار من البنوك القليلة التي لها ميزة إصدار سندات وأدوات استثمارية لكيانات اقتصادية، تابعة لها لتسهيل عمليات التمويل، ويشارك في ملكية أصول أكثر من 30 كياناً اقتصادياً مقيّداً وغير مقيد في البورصة المصرية، بحصص رأسمالية تتراوح ما بين 80% إلى 45% بشركات تمتلك أصولاً ثابتة مرتفعة القيمة، وفقاً للأسعار الحالية السائدة بالسوق.

تبين رمسيس أنه نظراً لأن قيمة أصول البنك تتخطى مئات المليارات بالعملة المحلية، فإن الأفكار التي طرحت لاستغلاله من قبل، استهدفت إعادة هيكلته وتحويله إلى بنك تجاري، ونقل تبعيته للقطاع الخاص لضمان حسن توظيف موارده، مشيرة إلى أن الحكومة تعجلت الأمر بإحالة ملفه إلى لجنة تصفية الأصول والشركات العامة التي استحدثت مؤخراً بقرار جمهوري، ونقل أسهم الشركات التابعة له للصندوق السيادي ليتولى عرضها للبيع والاستحواذ من مستثمري القطاع الخاص المصري والأجنبي.
تشير خبيرة التمويل والتسويق إلى أن النظرة الإيجابية من عملية البيع التي تركز على قيمة العائد بالدولار يقابلها مزيد من الضغط على موازنة الدولة، جراء تكلفة تسريح العمالة بالشركات المطروحة للبيع، مع خشية عدم التسعير العادل للأصول، أو البيع بسعر متدنٍ لإحدى الجهات أو الأفراد المطروحين كبدلاء للاستثمار الحكومي، ويزيد الأمر سوءاً عندما لا تحل محل تلك الكيانات الاقتصادية مشروعات بديلة.

تدبير الموارد

يدفع صندوق النقد الحكومة إلى الإسراع في تدبير موارد مستدامة لتمويل الموازنة العامة، في ظل توقعه انخفاض معدل نمو الاقتصاد للعام المالي الجاري 2024/ 2025، من 4.4% إلى 4.1%، مع استمرار تدهور الأوضاع الجيو-سياسية بالمنطقة، وانخفاض إيرادات قناة السويس وزيادة واردات النفط والغاز، وعدم قدرة السياحة على زيادة الدخل من العملات الصعبة.
تشير بيانات البنك المركزي إلى تراجع الدين الخارجي، ليصل في نهاية مايو/ أيار 2024 إلى 153.86 مليار دولار، بانخفاض 8.43% منذ ديسمبر/ كانون الأول 2023، حيث بلغت 168 مليار دولار، متأثراً بحصول مصر على 35 مليار دولار تمثل عوائد بيع أرض مدينة رأس الحكمة للصندوق السيادي بدولة الإمارات، وزيادة تدفقات تحويلات المصريين بالخارج، عقب التعويم الأخير للجنيه، في مارس 2024، وتحسن العائد على سندات مصر الدولارية المستحقة 2027، بما قلص تكلفة الإقراض من السوق الدولية.
يحذر اقتصاديون من التعويل على البيانات المتفائلة التي نشرها البنك المركزي، مشيرين إلى أن التراجع في العجز النقدي السنوي من مستوى متوقع عند 555 مليار جنيه للعام المالي 2023/ 2024، ليبلغ بنهاية يونيو/ حزيران الماضي 505 مليارات جنيه فقط، يظل مجرد افتراض كبير بالنظر إلى انهيار قيمة الجنيه في مارس الماضي.
تتعرض إيرادات الدولة من العملة الصعبة للتآكل متأثرة بتراجع إيرادات قناة السويس بنسبة 59%، إلى أدنى مستوياتها خلال 16 عاماً، ورغم زيادة أعداد السائحين، لم تتحسن عوائد السياحة.