مصر تفشل في بيع محطات كهرباء بسبب أزمة الغاز

مصر تفشل في بيع محطات كهرباء بسبب أزمة الغاز

23 ابريل 2024
إحدى محطات توليد الطاقة في ضواحي القاهرة (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الحكومة المصرية أجلت بيع محطتي توليد الكهرباء بالعاصمة الإدارية وبني سويف، المنفذتين بواسطة سيمنز، للمرة الرابعة منذ 2019 بسبب أزمة الغاز وفشل المفاوضات مع البنوك الألمانية حول تكلفة التمويل البالغة 4.1 مليار يورو.
- تعثرت المفاوضات مع المستثمرين بسبب تحديات تأمين الوقود واعتراض المستثمرين على تحمل مسؤولية تدبير الوقود، إضافة إلى توقف صادرات الغاز المسال وصعوبات الحصول عليه دوليًا.
- نقص الغاز بنسبة 20% من الاحتياجات وتراجع استخراجه بحقول "ظهر" بـ60% يهدد بتعطيل المحطات ويعكس غياب التخطيط الاستراتيجي للحكومة في إدارة أزمة الطاقة.

أرجأت الحكومة المصرية بيع محطتي توليد الكهرباء التي نفذتها شركة سيمنز الألمانية في العاصمة الإدارية وفي محافظة بني سويف إلى أجل غير مسمي. 

جاء تأجيل طرح المحطتين للبيع لمستثمرين أجانب، للمرة الرابعة منذ عام 2019، مدفوعا بتفاقم أزمة الغاز الطبيعي، وعدم وجود أفق زمني لمواجهة العجز الشديد في الوقود اللازم لتشغيل المحطتين، مواكبا فشل مفاوضات متوازية مع البنوك الألمانية التي مولت إقامة المحطتين على إجراءات البيع، دون أن تحصل على تكلفة التمويل المدفوع من قبل البنوك الألمانية في المشروعين بقيمة 4.1 مليارات يورو. 

وقف تصدير الغاز 

في هذا السياق، قال المتحدث باسم وزارة البترول المصرية حمدي عبد العزيز، أمس الاثنين، إن إيقاف تصدير الغاز المسال بداية من مايو/أيار المقبل هو قرار دقيق وخطط له منذ فترة وليست له علاقة بقطع الكهرباء. 

وأوقفت مجموعة بلاكستون الأميركية، التي تدير صفقة البيع بالتعاون مع بنك HSBC البريطاني، التفاوض على إجراءات البيع، التي تمت لحساب شركة "إدرا باور" الماليزية، وعدد من المستثمرين الدوليين، لحين الحصول على ضمانات من الحكومة لصالح المشترين المحتملين، تتعلق بقدرتها على توريد الوقود اللازم لتشغيل المحطات من شبكة الغاز المصرية، الموردة للمحروقات اللازمة لمحطات التوليد في أنحاء البلاد.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

حاولت الحكومة، دفع المشترين لإتمام صفقة البيع، مع تحملهم مسؤولية تدبير الوقود اللازم لتشغيل المحطات، على مدار الشهرين الماضيين، من دون جدوى. اعترض المستثمرون على تعديل بنود الاتفاق الأولي الذي قدمته الحكومة في خطة البيع المعتمدة من مجلس الوزراء، عام 2020، والمطروحة للتفاوض على القيمة المالية وسبل انتقال الملكية، عبر الصندوق السيادي المصري، مع تخوفهم من عدم قدرة وزارة البترول على توفير الوقود، في ظل صعوبة تدبيره من الأسواق الدولية، ومواجهة الدولة لأزمة غاز غير معلومة زمنيا.

رفض المستثمرون تحمّلهم مسؤولية تدبير الغاز من الأسواق الدولية، في ظل حاجة المشروعين إلى كميات هائلة، وعدم توافر بنية أساسية كافية لاستيراده، بالإضافة إلى احتياجات التمويل الإضافي التي لم تدرج في تكاليف شراء المحطتين. تبلغ القدرة الاسمية بالمحطة الواحدة 4800 ميغا وات، وتستخدم الغاز لتوليد الكهرباء بنظام الدورة المركبة الموفرة للوقود. 

صدمة للحكومة 

أكدت مصادر رفيعة في وزارة الكهرباء أن توقف صفقة بيع المحطتين يشكل صدمة للحكومة التي أصبحت عالقة بين التزامها بسداد كامل قيتهما للطرف الألماني عبر أقساط ربع سنوية، وانتقال ملكية المحطتين رسميا إلى الشركة القابضة لكهرباء مصر، بدلا من صندوق مصر السيادي، اعتبارا من يوليو/تموز المقبل 2024، بما يعني عدم قدرتها على طرحهما للبيع مرة أخرى.

أوضحت المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، أن الحكومة ستجد صعوبة في إعادة طرح المحطتين، أمام المستثمرين، لبدء العد التنازلي للعمر الافتراضي لمحطة العاصمة الإدارية، التي دخلت الخدمة بالكامل عام 2022، والتزام الشركة القابضة بتوفير الوقود اللازم لتشغيل محطة بني سويف التي مازالت تعمل في إطار التشغيل التجريبي دون طاقتها القصوى، تحت إشراف وإدارة الصيانة من قبل شركة سيمنز، لتظل جاهزة لصفقات البيع الفوري للقطاع الخاص.

تطلب البنوك الألمانية المقرضة من الحكومة، تعديل بنود اتفاق التمويل، لرفع سعر الفائدة المخفضة على القروض التي تصل إلى 6 مليارات يورو عن محطات بني سويف والعاصمة الإدارية والبرلس، في حالة بيع المحطات للقطاع الخاص، لحصولها على تسهيلات مالية من الحكومات الأوروبية، جراء بيعها لصالح نظيراتها المصرية، على أن تتحملها البنوك المقرضة في حالة توجيه تلك القروض للقطاع الخاص، مع خفض مدة سداد القرض من 12 سنة إلى 7 سنوات كحد أقصى. 

مستحقات الشركات 

أوضح البرلماني السابق والخبير الاقتصادي محمد فؤاد لـ"العربي الجديد" أن الدولة تواجه نقصا في الغاز يقدر بنحو 20% من الاحتياجات السنوية، تزداد خطورتها مع عدم وجود طاقة إنتاجية جديدة من حقول الغاز المحلية، يمكن أن تحدد متى تنتهي الأزمة في الفترة المقبلة.

بين خبير التمويل والاستثمار أن أزمة الغاز استفحلت مع تراجع استخراج الغاز بحقول غاز "ظهر" العام الماضي، بنسبة 60%، دفعت شركة "ايني" المستثمر الرئيسي في الحقول إلى تعديل توقعاتها الإنتاجية المرحلية إلى ثلث الطاقة الإنتاجية، بالتوازي مع توقف العمل بمشروعات استخراج الغاز المسندة لشركة برتيش بتروليم البريطانية BP والشركات الأخرى بمناطق غرب الدلتا، بسبب تأخر الحكومة في دفع مستحقات تلك الشركات عن قيمة الغاز ومشتقات النفط الموردة لها خلال العام الماضي.

بلغت مستحقات تلك الشركات نحو 7 مليارات دولار، وفقا لوكالة رويترز، إذ أعلنت الحكومة عن سداد 2.5 مليار منها عقب حصولها على الدفعة الأولي من صفقة بيع مدينة رأس الحكمة للإمارات بقيمة 35 مليار دولار، مع وعد بجدولة باقي المستحقات خلال العام الجاري.

أضاف فؤاد أن الدولة تحتاج إلى تدبير نحو 7 مليارات دولار أخرى لمواجهة العجز المستمر في عمليات استخراج الغاز الطبيعي، مشيرا إلى حاجة محطات التوليد وتشغيل شبكات الغاز للمصانع والمنازل والسيارات، إلى 6.5 مليارات متر مكعب يوميا، بينما الإنتاج تراجع إلى نحو 5.3 مليارات متر مكعب.

يذكر فؤاد أن العجز في إنتاج الغاز انتقل بالأزمة من مرحلة دولة ظلت تعاني صعوبة من القدرة على توليد الطاقة لنقص بعدد محطات التوليد بها إلى مشكلة دولة لديها محطات هائلة بقدرة 64 ألف ميغا وات، تعادل ضعف الحاجة للاستهلاك، لا تتوافر لديها الغاز الكافي للتشغيل، بما يهدد بتعطيل 50% من قدراتها التشغيلية أو الاستفادة من فائض الطاقة للتصدير.

يحمّل خبير التمويل والاستثمار الحكومة مسؤولية عدم التخطيط المسبق لإدارة أزمة الغاز، مؤكدا غياب التخطيط الاستراتيجي لقطاع الطاقة، رغم أن المشكلة مطروحة أمام المسؤولين منذ عامين، بعد تعرّض حقل ظهر لمشاكل فنية، وبدا في الأفق وجود عجز في إنتاج الغاز، يقدر بنحو 1.2 مليون متر مكعب، يتطلب توفيره يوميا عبر زيادة سعة خط استيراد الغاز بين عسقلان والعريش أو الاعتماد على شراء شحنات الغاز المسال، التي تستدعي وجود دورة مستمرة من استكشاف الغاز، وإقامة محطة إسالة دائمة بالقرب من منفذ شبكة الغاز المحلية، ليسهل نقله إلى محطات التوليد. 

الحرب على غزة 

يؤكد فؤاد أن الحرب الإسرائيلية على غزة، أوقفت عمليات التوسعة بخط غاز عسقلان - العريش، لمدد غير معلومة، مع صعوبة الحصول على الكميات المطلوبة للغاز في المستقبل القريب، إلا عبر الشراء الفوري للشحنات بأسعار مرتفعة، مع لجوء الدول إلى شراء صفقات التحوط المستقبلية، بكميات هائلة تحول دون قدرة الدولة على تحمّل أعبائها المالية.

يقدر الخبراء حاجة الحكومة إلى استيراد 15 شحنة من الغاز المسال خلال شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز المقبلين، لمواجهة الزيادة المتوقعة في استهلاك الكهرباء خلال شهري يوليو وأغسطس/آب 2024، تضمن عدم اضطراب نظام قطع الكهرباء المخطط ما بين ساعتين إلى 3 ساعات يوميا، بينما أعلنت وزارة البترول عن سعيها لاتفاق على استيراد شحنتين شهريا، بما يرفع معدلات انقطاع التيار ما بين 4 إلى 5 ساعات يوميا، وفقا للخبراء. 

استيراد بأسعار مرتفعة 

قالت مصادر لـ"العربي الجديد" إن الحكومة لجأت مؤخرا إلى شراء الغاز المسال LNG من الجزائر والولايات المتحدة بسعر الدفع الفوري المرتفع لمواجهة العجز في توليد الطاقة خلال الشهرين المقبلين، عقب فشلها في الحصول على الغاز بمستويات أسعار أقل من دولة قطر والأسواق الآسيوية، مع وجود مخاوف لدى شركات الشحن من المرور بالبحر الأحمر، في ظل استمرار حالة الحرب الإسرائيلية في غزة.

خفضت الحكومة أهدفها للعام الجاري، من بيع الشركات العامة والأصول الحكومية من حصيلة مستهدفة في فبراير/شباط الماضي بقيمة 6.5 مليارات دولار إلى مليار دولار فقط، ترتفع إلى 1.5 مليار دولار عام 2025، وفقا لتصريحات وزيرة التخطيط هالة السعيد. تستهدف الحكومة بيع حصتها في محطات توليد الرياح بجبل الزيت والزعفرانة بالبحر الأحمر، بقدرة 1.2 غيغا وات إلى مستثمر استراتيجي خليجي، خلال 4 أشهر، بعد أن حددت موعدا للبيع في مارس/آذار الماضي.

ويفضل المستثمرون الإقبال على شراء محطات الطاقة الجديدة لتوظيفها في مشروعات إنتاج الطاقة الخضراء والاستفادة من مشاريع التمويل التي تطرحها المؤسسات المالية الدولية، للابتعاد عن الوقود الأحفوري في توليد الكهرباء، ودعما لبرامج تحسن المناخ.