مصر: تجارة "اللحم الحلال" في قبضة الفاسدين

26 سبتمبر 2023
المواطنون يعانون من قفزة كبيرة في الأسعار (فاضل داود/Getty)
+ الخط -

فضيحة سياسية واقتصادية كبرى فجرتها تطورات قضية حصول رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، روبرت مينينديز، وزوجته نادين أرسلانيان، على رشى من 3 رجال أعمال قائدهم مصري، وآخر من أصل فلسطيني مدان بالاحتيال، وثالث من أصول لاتينية اعترف بممارسة النصب وسرقة الأموال.

اهتمت وسائل الإعلام العالمية بالسقوط المدوي لقيادة سياسية لامعة من رموز الحزب الديمقراطي الحاكم في الولايات المتحدة، مركزة على الدراما التي خلفتها القضية من توافر عناصر التشويق الدرامي، لفيلم هوليوودي بامتياز، في وجود امرأة تبسط نفوذها، شغفاً بالمال والشهرة، وزعيم سياسي يبحث في خريف العمر، عن النفوذ والذهب والدولار، وجماعة وثيقة الصلة بمافيا دولية، تحاول لعب دور مهم في إنهاء صفقات سلاح ومعونات أميركية بمئات الملايين من الدولارات، مقابل منحهم شركة احتكارية تحقق لهم دخلاً قانونياً، ينفقونه ببذخ على لعبة فساد واسعة النطاق.

ورجال الأعمال المذكورون في لائحة الاتهام، والتي كُشف عنها في محكمة مانهاتن الفيدرالية، هم فريد دعيبس، وهو مطور عقاري بارز في نيوجيرسي وجامع أموال لصالح مينينديز؛ فضلاً عن وائل حنا، وهو صديق قديم لزوجة مينينديز، والذي أسس شركة لإصدار شهادات اللحوم الحلال، وخوسيه أوريبي، الذي يعمل في مجال النقل بالشاحنات والتأمين.

تظهر التحقيقات التي أشرفت عليها المباحث الفيدرالية ومدّعون عامون، أن الفساد السياسي المنظم الذي يديره مسؤولون بالقاهرة، وواشنطن، أدى إلى رفع أسعار السلع

ويدير المشهد من مصر اثنان من الجنرالات يحملان رقم "1" و"5" في القضية، تبدو صورهما مطموسة، في ملف التحقيقات، رغم ممارستهما دوراً خطيراً، في إدارة المشهد الهوليودي، بالولايات المتحدة ومصر، يمنح المتهمين الخمسة سلطة التربح من بيع اللحم "الحلال".

وتظهر قوة الجنرالين في تحريكهما للنظام السياسي والاقتصادي داخل الدولة المصرية، حيث تصدر قرارات حكومية، تشارك فيها وزارات الأوقاف والصناعة والتجارة، والزراعة، والمالية، بمنح شركة قائد المتهمين الثلاثة وائل حنا، سلطة احتكارية ليست متعلقة باستيراد اللحوم فقط، وإنما باستيراد وتصدير كافة اللحوم والمنتجات الغذائية من وإلى أنحاء العالم التي تحتاج إلى موافقة شرعية بأنّها منتجات "حلال" بما يعني تحكمها في تجارة حجمها يزداد سنوياً، تقدر بنحو 16 مليار دولار.

منح الامتياز الاحتكاري الشركة الوليدة، سلطة رفع الأتعاب بنحو 1100% دفعة واحدة، أدى إلى زيادة فورية بأسعار اللحوم وكافة منتجاتها محلياً، بنحو الضعف خلال عامي 2020 و2021، وزادت بعد الحرب الروسية في أوكرانيا (فبراير/ شباط 2022) بنحو ثلاثة أضعاف، مع تراجع قيمة الجنيه، مقابل الدولار وزيادة الأسعار دولياً.

تظهر التحقيقات التي أشرفت عليها وزارات الخارجية والعدل والزراعة الأميركية والمباحث الفيدرالية ومدّعون عامون، أن الفساد السياسي المنظم الذي يديره مسؤولون بالقاهرة، وواشنطن، أدى إلى رفع أسعار السلع، بما يهدد مصالح رجال الأعمال، بينما تغافل الجميع عن تأثير الزيادات على المواطن البسيط الباحث عن قطعة لحم حلال ولو مثلجة.

يتوقع المدّعون العامون الأميركيون أن تؤدي التحقيقات إلى حبس المتهمين 45 عاماً وفقاً للقانون الأميركي، لمشاركتهم في جرائم الاحتيال والنصب والتربح من الابتزاز، بينما يظل الفاسدون بالداخل في مقاعدهم، من دون خوف من محاسبة أو تحمل مسؤولية جرائمهم.

دعم حكومي للمتورطين

بدأ دور الحكومة المصرية في دعم المتهمين بالقضية بإلغاء إدراج المراكز الإسلامية المعتمدة للذبح الحلال، واعتمدت بدلاً منها شركة وائل حنا المولود بالقاهرة والحاصل على الجنسية الأميركية "آي إس إي جي حلال" وسط اعتراض وزارة الزراعة الأميركية.

يتوقع المدّعون العامون الأميركيون أن تؤدي التحقيقات إلى حبس المتهمين 45 عاماً وفقاً للقانون الأميركي

في نفس التوقيت، وجهت الحكومة وفداً يرأسه نائب وزير الزراعة لشؤون الحجر الصحي الذي زار 7 مجازر لذبح الأبقار، والتقى بالقائمين عليها، وبالمسؤولين الأميركيين ليعلمهم بقرار الحكومة الجديد.

وجهت الحكومة خطاباً للسفارة الأميركية بالقاهرة، في إبريل/ نيسان 2023، تؤكد فيه قبولها وجود جهة واحدة، هي الشركة الإسلامية المصرية للحلال "آي إس إي جي حلال" لإصدار شهادات الحلال لشحنات اللحوم ومنتجاتها الواردة لمصر من بين 8 جهات قائمة على اعتماد هذه التجارة من الولايات المتحدة، من دون أن تخطر وزارة الزراعة الأميركية، بالمعايير التي استخدمتها وزارة الزراعة المصرية لقبول أو رفض القائمين اعتماد تجارة الحلال.

كانت الشركة قد بدأت إصدار شهادات الحلال على الواردات إلى مصرمن الولايات المتحدة وكندا، في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، ورفعت أسعار إصدار شهادات الحلال، من 10 دولارات إلى 20 دولاراً لكل طن، بارتفاع يبلغ 1100% دفعة واحدة.

غلاء واحتكار

شهدت تلك الفترة زيادة هائلة بأسعار اللحوم المستوردة في مصر، إذ صعد متوسط سعر كيلوغرام اللحم المستورد بالمحلات من 45 إلى 90 جنيهاً بالمتوسط، أعقبته زيادات هائلة بأسعار المستهلكين، مع تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار منذ فبراير/ شباط 2022 ليتراوح سعر كيلوغرام اللحم المستورد حالياً بين 230 و280 جنيهاً.

أصبحت مصر الدولة الوحيدة بالعالم، التي لديها شركة احتكارية، تستورد 60% من احتياجات البلاد من اللحوم سنوياً، عدا الأغذية واللحوم المصنعة والاستهلاكية المشابهة لها.

تبين إحصاءات وزارة الزراعة أن معدل استهلاك اللحوم خلال العام المالي 2022-2023 المنتهي يوليو/ تموز الماضي، بلغ 900 ألف طن، منها 430 ألف طن مستورد و470 ألفاً منتجة محلياً، بقيمة 249.8 مليون دولار للمستورد من اللحوم المثلجة، بتراجع 54.3% عن عام 2021-2022.

أصبحت مصر الدولة الوحيدة، التي لديها شركة احتكارية، تستورد 60% من احتياجاتها من اللحوم سنوياً، عدا الأغذية واللحوم المصنعة والاستهلاكية المشابهة لها

يؤكد نائب رئيس شعبة القصابين باتحاد الغرف التجارية هيثم عبد الباسط لـ"العربي الجديد" أن إنتاج اللحوم الحية المذبوحة المحلية لا يتعدى 40%، من إجمالي استهلاك المواطنين من اللحوم سنوياً، بما فيها الأبقار والجمال والضأن المستوردة حية من الخارج.

يشير عبد الباسط إلى أن حاجة الدولة لاستيراد اللحوم الحية تزداد سنوياً، يواكب ذلك تراجع في الإنتاج المحلي بسبب نقص الأعلاف وزيادة تكاليف التشغيل وتربية الماشية، وانتشار الأكلات السريعة التي تعتمد على اللحوم المثلجة والأغذية التي تحتوي على مكوناتها، لافتاً إلى أنّ جميع المطاعم والفنادق، تعتمد كلياً على اللحوم والأغذية المستوردة، وفقاً لقانون يمنعها من استهلاك اللحوم الحية البلدية، بهدف تخفيف الضغط على الإنتاج المحلي من اللحم الحي.

تعد مصر خامس أكبر مستورد للأغذية الحلال في العالم بقيمة بلغت 14.22 مليار دولار عام 2020، بينما احتلت السعودية المركز الأول بقيمة 21.5 مليار دولار، ومن بعدها ماليزيا ثم الإمارات وإندونيسيا.

تورد البرازيل أكبر كميات من اللحوم الحلال إلى مصر، بنحو 150 ألف طن، سنوياً بقيمة 476.8 مليون دولار، ثم الهند 100 ألف طن، بقيمة 303 ملايين دولار، والولايات المتحدة 56.8 مليون دولار، وأستراليا 18.9 مليون دولار، وفقا لتقديرات رسمية لعام 2020.

وحسب مراقبين، فإن الأخطر أن العقد المبرم بين الحكومة المصرية وحنا المتهم الرئيس في قضية السيناتور الأميركي يمنح الشركة المصرية المستوردة "آي إس إي جي حلال" وفقاً لما تنشره على موقعها بالإنترنت، حق الإشراف على كلّ الواردات من اللحوم المصنعة والمواد الغذائية واللحوم الواردة إلى مصر من تشاد والصومال والسودان، والتي تأتي حية لذبحها على المناطق الحدودية أو تنقل بواسطة شركات الجيش التي تقدر قيمتها بنحو 900 مليون دولار.

تفضل الفنادق وشركات الاستيراد للفئة الأولى في مصر، اللحوم الهولندية عالية الجودة، رغم ارتفاع سعرها، يأتي من بعدها اللحم البرازيلي ثم الهندي والسوداني والأميركي والأسترالي والصومالي والأرجنتيني والجنوب أفريقي.

اللافت أن الشركات المصنعة للحوم خفضت الكميات المستوردة من الولايات المتحدة، مع بدء إشراف شركة "آي إس إي جي حلال" على الواردات منها، بسبب زيادة سعر الإشراف على الذبائح، وإصدار شهادة حلال، ووقف التعامل مع الشركات غير الراغبة في الخضوع لقرار احتكارها لسوق اللحوم.

تحركات الشركة المستوردة

تذكر الشركة المملوكة لحنا على موقعها بالإنترنت باللغتين العربية والإنكليزية الذي تديره من مكتبها بالقاهرة الجديدة، شرق العاصمة، أنها المؤسسة الوحيدة بالدولة، لاعتماد منتجات الحلال حول العالم.

وتشير إلى إنشائها 3 مكاتب اعتماد في كل من أميركا الشمالية والهند وأوروغواي، وفي سبيلها لفتح 5 مكاتب أخرى بكل من أستراليا ونيوزيلاندا والصين وأوكرانيا وفرنسا، للتصديق على جميع اللحوم الحلال ومنتجاتها المستوردة بمشاركة وزارة الصناعة والأوقاف والزراعة المصرية.

تروج وزارة الأوقاف المصرية، عبر مرصدها الإعلامي، صحة تناول المأكولات التي يشرف على ذبحها مسيحيون أو يهود، باعتبارهم أهل كتاب، في الوقت الذي تجاهلت فتاوى أكثر قدماً تؤكد ضرورة ألا تقترن عمليات الذبح بفساد أو تستبعد عمداً المشرفين المسلمين.

تعد مصر خامس أكبر مستورد للأغذية الحلال في العالم بقيمة بلغت 14.22 مليار دولار عام 2020، بينما احتلت السعودية المركز الأول

وجهت شركة "آي إس إي جي حلال" إنذاراً عبر صحف محلية أممت لصالح الشركة المتحدة للإعلام المملوكة لجهات سيادية، في أغسطس/ آب 2022، تخطر فيه المصدرين والمستوردين، بأنها الجهة المسؤولة دون غيرها اعتباراً من شهر يناير/كانون الثاني 2023، عن اصدار شهادات الحلال للمنتجات الغذائية، المنتجة داخل البلاد والمصدرة للخارج، ومنح شهادات الاعتماد الرسمي، للمنتج الحلال بالأسواق المحلية الصادرة والواردة من جميع دول العالم.

وقال عضو مجلس إدارة الشركة أحمد عبد الكريم في تصريحات صحافية إن الشركة عممت تعليماتها، على جميع الدول التي تورد اللحوم ومنتجاتها إلى مصر، وتولت إصدار الشهادات الخاصة بالاستيراد من دول المنشأ، بداية من أغسطس/ آب 2022، منوها إلى أن التعميم نفسه سيطبق على الصادرات.

نفت المديرة التنفيذية للمجلس التصديري للصناعات الغذائية، مي خيري، وصول أي قرارات، بهذا الشأن للمجلس، في حينه، بينما أقرت مصادر رفيعة بالمجلس في اتصال لــ"العربي الجديد" بوجود شركة "آي إس إي جي- حلال" ضمن الجهات المشرفة على تصدير المنتجات، مع جهات أخرى عديدة بالدولة، بما يعني أنها بدأت تتحكم في مسارات التصدير بعد أن هيمنت بالكامل على الواردات الغذائية متضمنة اللحوم والأغذية التي تأتي من جميع أنحاء العالم.

موقف
التحديثات الحية

وزعت الهيئة القومية للسلامة الغذائية المكلفة بالرقابة على الصادرات، منشورا، مطلع 2022، يبين أنّ شركة "آي إس إي جي- حلال" ستصبح مسؤولة العام الجاري عن الرقابة على صادرات الأغذية، التي تحتاج إلى شهادات حلال، سواء في اللحوم أو الأغذية المصنعة المحتوية على مواد غذائية تحتاج إلى التأكد من ذلك، مما أغضب الشركات السعودية والخليجية التي تنتج هذه النوعية في مصر، لتعيد تصديرها إلى أسواقها المحلية والعربية.

بدأت علاقة وائل حنا بالبعثة الدبلوماسية المصرية، وفقاً لمصادر "العربي الجديد" في نيويورك، عام 2014، موظفاً مهمته تنظيم قوافل جماهيرية مدعومة مالياً من أقباط المهجر وبعض المصريين المقيمين بالقرب من مقر الأمم المتحدة، تحمل الأعلام للترحيب بالوفود الرسمية بنيويورك.

توطدت علاقات حنا كسمسار عقاري، في نفس التوقيت، كما تظهر التحقيقات، مع قيادات البعثة الدبلوماسية بتوسطه، في شراء مبنى كبير للرهبان الفرنسيسكان، في 4 شارع جيرسي، بمنطقة يونيون سيتي بولاية نيوجيرسي، لحساب البعثة بالولايات المتحدة، بمبلغ مليون و675 ألف دولار.

عندما رغبت القنصلية المصرية في نيويورك بتوسعة المبنى لزيادة عدد غرف النوم من 12 إلى 20 غرفة، رفض مجلس المدينة طلب البعثة تجاوز عدد المقيمين المقررين بالتصميم المعماري داخل المبنى عما هو مصرح به، وفقاً للارتفاعات والمساحة الأرضية، والبصمة البيئية.

تذكر لائحة الاتهام أنّ نادين أرسلانيان، زوجة مينينديز، تعرفت إلى حنا بمنطقة يونيون سيتي التي كان يرأس مجلس البلدية بها

تذكر التحقيقات أن وائل حنا (40 عاماً) أسس مكتب عقارات مطلع عام 2017، سرعان ما تحول إلى شركة "IS" لإصدار شهادة الذبح الحلال مقرها في نيوجيرسي، نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، من دون أن يكون له أي سابق خبرة في صناعة اللحوم أو إصدار شهادات الذبح الحلال، أو التعامل مع المراكز الإسلامية، باعتبار أنّ مالكها مسيحي مصري، وشركاءه العقاريين مسيحيون ذوو أصول أرمينية.

تفاصيل جديدة بالتحقيقات

تشير التحقيقات إلى معرفة حنا بنادين أرسلانيان زوجة السيناتور الأميركي، قبل أن تبدأ بالتعرف إلى السيناتور مينينديز، بفترة طويلة، بحكم وجودهما بنفس الحي الذي تقع به شركته ضمن جماعات واسعة من المسيحيين المصريين وذوي الأصول الأرمينية المتواجدة بكل من القاهرة ولبنان منذ الحرب العالمية الأولى، وتواصلهم جميعاً في جلسات خاصة بمطاعم مقاطعة بيرغن، بولاية نيوجيرسي، داخل دائرة ضيقة من الأصدقاء.

بدأ حنا المولود بالقاهرة، في إعادة تشكيل شركة لإصدار شهادات اللحوم الحلال بنيوجيرسي، ربيع 2019 فأصبحت شركة "آي إس إي جي حلال" IS EG Halal، مطلع عام 2020، من مكتبها بمبنى صغير يطل على نهر هدسون ضمن مكاتب شركة "إيدج ووتر" التي يملكها ويديرها صديقه فريد دعيبس، هي الكيان الوحيد المرخص له من قبل الحكومة المصرية للتصديق على اللحوم وأي منتج غذائي "حلال".

أغضبت الشركة وكلاء استيراد اللحوم المحليين الذين فوجئوا بزيادة كبيرة في تكلفة إصدار شهادة "حلال" من جهة وليدة، غير معلومة، ولكن ما أثار غضب المسؤولين بوزارة الزراعة الأميركية، أن تلك الشركة التي لا تحتاج موافقة من الحكومة الأميركية، تسببت في خسارة لــ 4 شركات تعمل داخل الولايات المتحدة، طالما تقاسمت العمل معا لسنوات.

أجرى مكتب التحقيقات الفيدرالي تفتيشاً لمنزل حنا ومكتبه، عام 2019، بالمبني الذي يملكه فريد دعيبس، في "إيدج ووتر" المطل على نهر هدسون، وصادر أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة والأوراق والمجوهرات، بهدف التحقق عن علاقته بالسيناتور، وكيفية حصوله على عقد احتكار إصدار شهادة "الحلال".

تذكر لائحة الاتهام أنّ نادين أرسلانيان، زوجة مينينديز، تعرفت إلى حنا بمنطقة يونيون سيتي التي كان يرأس مجلس البلدية بها، أثناء تلك الفترة من رحلة صعوده السياسي.

تتحدث أرسلانيان الفرنسية التي تعلمتها في بيروت، حيث تربت صغيرة مع والديها اللذين فرا إلى الولايات المتحدة، خلال الحرب الأهلية اللبنانية، لتحصل على ماجستير في اللغة الفرنسية من جامعة نيويورك.

طلبت أرسلانيان من مينينديز في شهر إبريل/نيسان 2018، وقف التحقيقات التي تجري مع خوسيه أوريبي، شريك حنا، بتهمة الاحتيال في مجال التأمين

تشير التحقيقات أن أرسلانيان كانت عاطلة من العمل حتى فبراير 2018. بدأت بمواعدة مينينديز، بعلم صديقها حنا، الذي اصطحبها في مارس/ آذار 2018، لمقابلة السيناتور بمكتبه في مجلس الشيوخ الأميركي، دون وجود موظفيه الذين يحيطون به دوماً، لمناقشة، حجب السلطات الأميركية 195 مليون دولار من الدعم العسكري لمصر وإلغاء 65.7 مليون دولار من التمويلات الأخرى، تقررت في 16 نوفمبر 2017.

اتساع دور أرسلانيان

طلبت أرسلانيان من مينينديز في شهر إبريل/نيسان 2018، وقف التحقيقات التي تجري مع خوسيه أوريبي، شريك حنا، بتهمة الاحتيال في مجال التأمين، أعقبها في مايو/ أيار 2018، تناول عشاء فاخر حضره مينينديز وحنا ومسؤول مصري رفيع المستوى بسفارة مصر بواشنطن "والمصنف رقم 1 في القضية".

طلب المسؤول المصري، من مينينديز مساعدته في رفع الحظر عن الأسلحة الخفيفة وذخائر لمصر. في نفس الشهر وجهت أرسلانيان رسالة للمسؤول المصري تطلب إرسال نص مقترح يلقيه مينينديز أمام أعضاء مجلس الشيوخ للإفراج عن 300 مليون دولار، مقتطعة من المعونة الأميركية احتجاجاً على سوء أوضاع حقوق الإنسان في مصر.

نظمت أرسلانيان حفل عشاء فاخرا لمينينديز وحنا، في يوليو/تموز 2018، ليخبره بنجاح مسعاه بالإفراج عن صفقات أسلحة بقيمة 99 مليون دولار، توظف لمكافحة الإرهاب في سيناء، وتبدي حاجتها إلى سيارة بعد أن تحطمت سيارتها في حادث سير، وتعيد الطلب بلغة آمرة، يوم 29 يناير/ كانون الثاني 2019، كما تذكر التحقيقات.

خلال الفترة من 2018 إلى 2019، لم يقم حنا بدفع أي أموال وعد بها أرسلانيان، لعدم توفر أي إيرادات، بشركة "آي إس جي إي حلال" ومع إصرارها على تلبية مطالبها، تحدث معها شريك حنا الثالث، خوسيه أوريبي، مؤكداً الاستجابة لطلبها شراء السيارة، في 5 إبريل/ نيسان 2019 بمقدم 15 ألف دولار، مع صكوك تأمين مزيفة بباقي المبلغ.

أرسلت أرسلانيان موافقة السلطات على أن تكون شركة "آي إس إي جي حلال" هي جهة التصديق الوحيدة على واردات الحلال من الولايات المتحدة، اعتباراً من 8 إبريل 2019، مع صدور تعليمات موازية، من السلطات المصرية تخص الشركة باحتكارها حصرياً شهادة اللحوم المصدرة من الولايات المتحدة إلى مصر.

بدأ أحد المقرضين إجراءات الحجز على منزل أرسلانيان المكون من طابقين بمنطقة أنغليوود كليفس بنيو جيرسي، مايو/أيار 2019، فقام خوسيه أوريبي شريك حنا، بسداد قرض نادين، أعقبه تدخل مينينديز يوم 23 مايو 2019، لدى مسؤول رفيع المستوى بوزارة الزراعة، يطلب منه التوقف عن التدخل في احتكار شركة "آي إس إي جي حلال" ليحافظ على وضعها الاحتكاري.

كونت أرسلانيان شركة استشارية للأعمال الدولية في يونيو/حزيران 2019، لتتحصل على الأموال من تعاملاتها بطريق رسمية، ودفع حنا مبلغ 23 ألف دولار، لسداد الرهن العقاري الخاص بمنزل أرسلانيان.

أظهرت السجلات الفيدرالية أنّ الزوجين باعا 14 رطلاً من الذهب بقيمة 400 ألف دولار خلال عام 2020

دفعت الشركة لأرسلانيان 10 آلاف دولار في 30 أغسطس/آب 2019، لمساعدة خوسيه أوريبي في إنقاذه من المحاكمة بتهمة الاحتيال في أعمال التأمين التي يقوم بها. تظهر التحقيقات شراهة أرسلانيان للمال وكثرة طلباتها، وحصرها في تدبير لقاءات بين حنا والسيناتور في حضور مسؤولين كبار من بينهم ضابط كبير بالمخابرات، في نيويورك، وواشنطن.

بعد أشهر قليلة من الزواج، قدم زوجها نماذج إقرار ضريبي تبين أن زوجته امتلكت في عام 2020، سبائك من الذهب بقيمة 250 ألف دولار، وهي نفس الفترة التي تعرضت فيها للإفلاس، وحجز منزلها.

أظهرت السجلات الفيدرالية أنّ الزوجين باعا 14 رطلاً من الذهب بقيمة 400 ألف دولار خلال عام 2020. في أوائل 2021 لم تتورع عن طلب جهازين للتدريبات الرياضية وجهاز تنقية هواء بالمنزل أعقبها تقديم عدة كيلوغرامات من الذهب وعشرات الآلاف من الدولارات، من شركة اللحوم مقابل الخدمات التي تقدمها.

عندما أطبق رجال المباحث الفيدرالية على منزل السيناتور وزوجته، في يونيو/ حزيران 2022، عثر لديهما على سبيكتين من الذهب وزن كيلو غرام و9 سبائك وزن واحد: أونصة، و10 مظاريف نقدية بكل منها 10 آلاف دولار، تحمل بصمات فريد دعيبس والسيناتور، وعدة خزائن تحتوي على أموال نقدية وذهب بما قيمته نحو 480 ألف دولار.

وما زالت القضية مطروحة أمام القضاء الذي سيبتّ فيها على وجه السرعة، لخطورتها وتحولها إلى قضية رأي عام واسعة بالولايات المتحدة، بينما يحظر نشر أي معلومات عنها داخل مصر، لتظل حاضرة بالإعلام الدولي والعربي وعلى قائمة وسائل التواصل الاجتماعي المفضلة للمواطنين.

المساهمون