"المهم نأخذ اللقطة يا أفندم".
لعلنا نذكر هذه الكلمات الثلاث التي جاءت على لسان اللواء عباس كامل في تسريبات مكتب السيسي.
نعم، المهم أن نأخذ اللقطة ومعها أضواء الفضائيات وفلاشات الكاميرات ومانشيتات الصحف وأغلفة المجلات وبعدها يحدث ما يحدث، لأن الناس ستنسى بعد فترة، ولن يحاسبنا أحد.
ولقطة مشروع قناة السويس الجديد و"تفريعته" السابعة لا تقل في جاذبيتها وبريقها عن لقطة مؤتمر شرم الشيخ الذي عقد في منتصف شهر مارس/آذار الماضي، وربما تكون اللقطة الحديثة أكثر اقناعاً وبريقاً، لأننا أمام مشروع يدر على البلاد 5.6 مليار دولار سنوياً وبما يعادل 43.8 مليار جنيه، كما أننا لسنا أمام مشروعاً وهمياً واستثمارات وأرقام موجودة فقط في خيال الحكومة وتصريحاتها الوردية.
يوم 15 مارس 2015 وعقب انتهاء المؤتمر مباشرة خرج علينا رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب ليعلن أن المؤتمر حقق "نتائج مبهرة"، وأن حصيلته النهائية هي موافقة مستثمرين عرب وأجانب على ضخ أموال واستثمارات في مصر بقيمة 182 مليار دولار منها 60 مليار دولار استثمارات وقروض، و12.5 مليار دولار قيمة تعهدات بدعم خليجي لمصر مقدمة من السعودية والكويت والإمارات وسلطنة عمان.
بالإضافة إلى التوقيع على عقود استثمارية لمشروعات يتم إقامتها فى مصر بقيمة 36.2 مليار دولار، والاتفاق على مشروعات ممولة بـ18.6 مليار دولار، و5.2 مليارات دولار ممنوحة من صناديق ومؤسسات دولية ترغب في الاستثمار في البلاد.
ساعتها أيضاً رفعت المجموعة المالية هيرمس، واحدة من أكبر بنوك الاستثمار في مصر، الأرقام والانجازات، حينما قالت إن مؤتمر شرم الشيخ شهد أيضاً وإضافة للأرقام السابقة، توقيع عقود استثمارية بقيمة 33.2 مليار دولار، وإبرام اتفاقات مبدئية بقيمة 89 مليار دولار، وقالت المؤسسة المالية إنه من المرجح أن تترجم هذه الأرقام إلى استثمارات في مشروعات الطاقة والنقل والدعم اللوجيستي والتطوير العقاري، وغيرها من القطاعات المحورية بالاقتصاد المصري.
ولم نكتف بذلك من أرقام، بل خرج وزراء بحكومة إبراهيم محلب ليضيفوا لهذه الأرقام أرقاماً أخرى وبعشرات المليارات، حينما أكدوا أن إجمالي الاستثمارات وحدها التي تم الاتفاق عليها خلال مؤتمر شرم الشيخ، بلغت 124 مليار دولار، منها 65 مليار دولار لمشروعي إنشاء عاصمة إدارية جديدة لمصر، وفي رواية أخري 90 مليار دولار للعاصمة، إضافة إلى بناء مدينة سكنية في مدينة 6 أكتوبر غرب القاهرة.
ساعتها قلنا إن كل مشاكل مصر المزمنة من بطالة وطاقة وكهرباء ونقص في المشروعات الخدمية من مدارس ومستشفيات وغيرها تم حلها بمؤتمر واحد وبضربة معلم.
ومرت 5 شهور ولم تصل مليارات شرم الشيخ، و"صفصفت" الـ 182 مليار دولار قيمة الاستثمارات التي تم الاعلان عنها في المؤتمر على مجرد وصول قروض خليجية، وليس مساعدات ومنح، بقيمة 6 مليارات دولار ستقوم خزانة مصر بسداها بعد 5 سنوات، مضاف إليها سعر فائدة 2.5% سنوياً.
بعدها لم يسأل أحد عن مصير المليارات التي تم الإعلان عنها في مؤتمر شرم الشيخ، ولم يسال أحد أيضاً عن مصير الصفقات والعقود البالغ قيمتها ما يقرب من 200 مليار دولار، ولم يتأكد أحد من مدى تحقق وعود المستثمرين الأجانب بضخ مليارات الدولارات في شرايين الاقتصاد المصري، أو التعرف على ملامح الحياة الرغدة التي قيل وقتها إنها تنتظر المصريين، بل ولم يصل من بعض دول الخليج مثل البحرين وسلطنة عمان "الرز" والاستثمارات والمساعدات الذي وعدا به خلال المؤتمر؛ لأنهما في حاجة لمن يساعدهما من الأصل.
الآن يتكرر هذا المشهد، ولكن بأرقام أقل حيث يخرج علينا البعض ليتحدث عن زيادة إيرادات قناة السويس من 5.6 مليارات دولار إلى 13 ملياراً وربما 20 ملياراً بحلول العام 2023، ويرفع البعض الرقم إلي 100 مليار دولار عقب تنفيذ مشروع تنمية قناة السويس، إضافة إلي توفير مليون فرصة عمل.
وأي كان الرقم الدقيق لإيرادات قناة السويس المتوقعة في العام 2023، فإننا أمام أرقام مبالغ فيها، أو علي الأقل غير واقعية، لأسباب عدة تتعلق بأمور فنية واقتصادية منها حجم التجارة العالمية خلال السنوات القادمة والذي ربما لن يشهد قفزة لعوامل تتعلق بانخفاض مبيعات أوروبا وأميركا من نفط الخليج بسبب طفرة النفط الصخري، واستمرار أزمة منطقة اليورو، وتراجع معدل نمو الاقتصاد الصيني الذي يدور حالياً حول 7% سنوياً مقابل 12% قبل سنوات.
شخصياً أتمنى أن تتدفق هذه المليارات وغيرها على مصر، وأن تتضاعف إيرادات القناة بحيث تكون قادرة على سداد التزاماتها المالية ومنها مستحقات أصحاب المدخرات البالغة 102 مليار جنيه منها 64 مليار جنيه أصل المبلغ والباقي فوائد، وأتمني كذلك أن تنمو التجارة الدولية فتزيد إيرادات القناة، ولكن أخشى من تكرار "لقطة" مؤتمر شرم الشيخ، أو أن تكون اللقطة الأخيرة نهاية لمشروع تنمية قناة السويس وليس بداية له.
اقرأ أيضا:
حكومة السيسي تُهدي ضيوف "السويس" 22.5 ألف عملة ذهبية
التفريعة الجديدة لقناة السويس..جدوى غائبة وتقديرات عشوائية للعائدات
4 مليارات جنيه خسائر إجازة افتتاح تفريعة قناة السويس