مصر : الشركات الداعمة للاحتلال تلعب بورقة التشغيل لتخفيف المقاطعة

مصر : الشركات الداعمة للاحتلال تلعب بورقة التشغيل لتخفيف المقاطعة

30 نوفمبر 2023
مهنة توصيل الطلبات توفر فرص عمل لآلاف المواطنين (خالد الدسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

خلال هدنة مؤقتة في قطاع غزة، تشتد حرب نشطاء المقاطعة في مصر على الشركات الداعمة للعدوان الإسرائيلي، تذكر المستهلكين بالمجازر الوحشية التي ارتكبها جنود الاحتلال، ضد الفلسطينيين، وحجم التبرعات التي قدمتها الشركات الخاضعة للمقاطعة، لمساعدة إسرائيل.

ينادي النشطاء بأن تكون المقاطعة أبديّة لكسر شوكة الاحتلال، بينما يتخوف آخرون من سقوط عمال الشركات الداعمة للاحتلال في دائرة البطالة المتصاعدة، التي تحرم 64% من الشباب من فرصة عمل تدفعهم للاستمرار في الحياة، حسب بيانات رسمية.

وجهت شركات تحمل علامات تجارية أميركية رسائل إلى الجمهور، عبر إعلانات مدفوعة الأجر، تظهر دورها في دعم الاقتصاد المحلي، وعدم علاقتها بما اتخذته إدارتها بالخارج من دعم لإسرائيل، ورغم تعهدها بالحفاظ على حقوق العاملين، ما تبدّى عبر تصريحات صحافية لرجال أعمال وإعلاميين وكأنه تهديد مبطن بخطورة المقاطعة على معدلات التشغيل.
في دولة تحظر إجراء "استطلاع رأي" دون العودة إلى أجهزة المخابرات والأمن الوطني، يصعب رصد ظاهرة المقاطعة بدقة، حيث تظل الأرقام رهينة الإحصاءات الرسمية التي تظهر نتائجها بعد فترات زمنية طويلة.
تقدر الحكومة عدد البطالة من عدد الباحثين عن عمل فقط، بينما تقدر قوة العمل للمشتغلين والمتعطلين بنحو 32 مليون نسمة، 82% منهم من الرجال، و18% من النساء.

سجل جهاز التعبئة والإحصاء ارتفاعا بمعدل البطالة بنسبة 7.1% في الربع الثالث من العام الحالي بزيادة 0.1% عن الربع الثاني، وانخفاض بنحو 0.3%، مقارنة بنفس الفترة من عام 2023. ترتفع معدلات البطالة بين الشباب من عمر 15-29 عاما لتمثل 64.3%، من إجمالي المتعطلين، في الربع الثالث من عام 2023، مقارنة بنحو 61.8% في الربع الثاني من نفس العام.
تمر الشركات المحلية بحالة من الركود المستمر منذ 3 سنوات، متأثرة بأزمة سلاسل التوريد أثناء انتشار وباء كوفيد-19، زادت حدتها منذ فبراير/ شباط 2022، الذي شهد تراجعا حادا في قيمة الجنيه الذي تراجع من مستوى 15.7 جنيها مقابل الدولار إلى 51 جنيها في السوق الموازية، أدت إلى مستويات غير مسبوقة من التضخم، وعدم قدرة الشركات على التوظيف.
تشير وكالة "رويترز" إلى تراجع معدلات الشراء من مطاعم "ماكدونالدز" الأميركية، بنسبة 70% خلال شهري أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني بالمقارنة بنفس الفترة من عام 2022. رصدت "العربي الجديد" عزوفا واسعا من الجمهور عن ارتياد مقاهي "ستاربكس"، وشاهدت محلات تابعة لــ"كنتاكي" مغلقة بعدة مدن، إثر دعوات تنبه المواطنين لذويهم بعدم شراء منتجات بعينها خاضعة للمقاطعة.
ظهرت آثار المقاطعة على المحلات التجارية في مناسبات تخفيضات الجمعة البيضاء الأخيرة والمقاهي، التي ما زالت تحتفظ بعمالتها دون تغيير رغم مرور 55 يوما على بدء العدوان الإسرائيلي على غزة. تظل طائفة عمال التوصيل والعمالة غير المنتظمة الأكثر تأثرا، في ظل سوق تشغيل شحيح الفرص.

"الطيارون" لقب منحوه لأنفسهم، وهم عمال توصيل الطلبات "دليفري" من المطاعم والمحلات إلى العملاء، وهم أكثر الفئات التي تأثرت بالمقاطعة. يعتمد "الطيارون" على تلقي أكبر عدد من أوامر التوصيل لجني أجر يومي، من عوائد توصيل الطلبات، المحددة وفقا لنوعية السلعة ومسافة التوصيل، عدا "البقشيش" الذي يتكرم به العملاء. نشطت تلك المهنة بشدة، منذ عام 2020، مع انتشار وباء كوفيد 19، حيث أصبح الطيارون هم الفئة المسموح لها بالتجول في ساعات الحظر الطبي، لنقل احتياجات الجمهور من السلع والخدمات. شارك بعضهم أحيانا في نقل الجمهور على دراجات بخارية.
يقول "أحمد"، شاب عشريني كان يعمل بإحدى شركات الألبان الداعمة للمقاومة الفلسطينية، إن قرار المقاطعة صب في مصلحة شركته المحلية الوليدة، حيث يدعو الجمهور إلى عدم شراء منتجات ألبان "دانون" الفرنسية، فزادت طلبات الشراء للمنتج المحلي، وتحمس الجمهور، بمجرد وضع علم فلسطين على حقائب المشتريات.
يشير المحلل الاقتصادي سعيد توفيق لـ"العربي الجديد" إلى صعوبة دراسة أثر المقاطعة دون وجود إحصاءات رسمية، تظهر حجم التأثر الذي طاول الشركات والعاملين، مبينا أن الشركات الخاضعة للمقاطعة تمارس في أغلبها أنشطة هامشية غير مؤثرة بعمق لدى عامة الشعب، بما يسهل على الدولة تدبير بدائل للأعمال المتضررة من قرارات المقاطعة.
يقول السفير -بالمعاش- أيمن زين الدين: "من الصعب حاليا معرفة أثر المقاطعة، قبل مرور عدة أشهر، ودراسة التقارير التي تصدرها الشركات عن أرقام مبيعاتها، وتأثيره على الفروع التابعة لها في مصر والشركات الأم في دول المنشأ، متوقعا ألا يكون له تأثير ضخم على حجم الأعمال وقوة العمل بتلك الشركات".
يؤكد المسؤول السابق بوزارة الخارجية لـ"العربي الجديد" أن رسالة المقاطعة أحدثت تأثيرا هائلا في الغرب وظهر دورها جليا بوسائل الإعلام ولدى صناع السياسات، وتراجع بحجم الرواد للمحلات والإقبال على البضائع الخاضعة للمقاطعة، في مقابل تزايد المشتريات من الجهات المحلية المنافسة.
يؤكد "زين الدين" أن أثر المقاطعة المالي لن يكون لحظيا، وإنما ستدفع ملّاك الشركات والعلامات التجارية إلى إعادة تقييمهم للشعب المصري، الذي أصبحت لديه وجهة نظر وموقف يمكن أن يضر مصالح تلك الشركات، مشيرا إلى أن تعويض العمال المتضررين يجب أن يبدأ من وكلاء هذه الشركات، بتعويض العمالة، ومخاطبة الشركات الأم في الخارج، لدفعها إلى تغيير مواقفها، وإخطارها بأن دعمها لإسرائيل أدى إلى نتائج سلبية على حجم أعمالهم وعمالهم.

"الطيارون" لقب منحوه لأنفسهم، وهم عمال توصيل الطلبات "دليفري" من المطاعم والمحلات إلى العملاء، وهم أكثر الفئات التي تأثرت بالمقاطعة


يشير "زين الدين" إلى أن قدرة الوكلاء على تحويل موقف الشركات الأم لوقف دعمها لإسرائيل والوقوف على الحياد، سيدفع الجمهور تلقائيا إلى تغيير مواقفه من مقاطعة منتجات تلك الشركات تلقائيا.
تنتشر دعوات المقاطعة بكثافة على وسائل التواصل الاجتماعي، انتقلت آثارها إلى بعض الصحف الحكومية والخاصة التي تدار عبر قبضة أمنية مشددة. تدعو الأصوات الغاضبة من العدوان الوحشي الإسرائيلي على غزة إلى اتخاذ موقف جماعي تجاه الشركات الدولية الداعمة للعدوان الإسرائيلي، توسع بعضها إلى دعم المنتج الوطني، لـ"مواجهة غطرسة الشركات الغربية التي تساعد إسرائيل على إظهار تفوق حضاري على العرب والمسلمين، بدعم منتجات تعتبرها من أهم مفردات الحضارة الحديثة، ليقلدها الآخرون".
يتعامل المقاطعون بحذر في الأماكن العامة، حيث يخشون دعوة الناس إلى المقاطعة في الشوارع خوفا من بطش الأمن، الذي انتشر بكثافة في الميادين العامة والشوارع والمراكز التجارية. يكتفي المقاطعون بمشاهدة المحلات الخاضعة للمقاطعة التي تراجعت بها حركة العملاء، ومنهم من تدفعه الحمية إلى تصوير الأماكن الخاوية على عروشها خلسة لنقل ما يدور بها إلى الرأي العام على وسائل التواصل.
يقيس خبراء قدرة المجتمع على الصمود في حرب المقاطعة، بمدى إمكان تحديه للسلطة التي تحظر حرية التعبير والتظاهر السلمي، ومقارنته بما يحدث في المجمعات الغربية التي تتاح لها حرية التعبير عن آرائهم علنا، دون خوف من بطش السلطة، مؤكدين أن المقاطعة تحولت إلى سلاح شعبي في مواجهة سلطة النظام، وسطوة رجال الأعمال، الذين يشاركون في إدارة شؤون الدولة في غياب صوت الشعب.

المساهمون