مستقبل الجنيه المصري في تقرير "غولدمان ساكس"

02 فبراير 2022
شركة صرافة في القاهرة (محمد الراعي/الأناضول)
+ الخط -

بعد إلحاح من كبار مستثمريه، أصدر بنك الاستثمار غولدمان ساكس الاستثماري الأميركي تقريراً يجيب فيه على تساؤلات تتعلق بمدى قدرة الجنيه المصري على الاحتفاظ بقيمته الحالية أمام الدولار مع الإجراءات التقييدية التي يقوم بها حالياً مجلس الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" والهادفة لرفع معدلات الفائدة على الدولار، بعدما ارتفعت العملة الأميركية خلال الشهور الأخيرة أمام سلة من عملات الاقتصادات الكبرى بصورة ملحوظة، بينما لم تقو على فعل الشيء نفسه مع الجنيه.

جاءت أسئلة المستثمرين للبنك بسبب قلقهم على استثماراتهم في أدوات الدين المصرية، التي منحتهم على مدار السنوات الأخيرة عائداً يتجاوز عشرة بالمائة، فيما يطلق عليه "الأموال الساخنة".

حتى أنّ وكالة "بلومبيرغ" أصدرت عدة تقارير خلال العام الماضي أشارت فيها إلى أنّ مصر تدفع أعلى معدل فائدة حقيقي في العالم.

لكن مع توقعات رفع الفائدة على الدولار، ربما يتسبب ذلك في تراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار، وهو ما سيعني تخفيض العائد الحقيقي الذي يحصلون عليه من استثماراتهم في أذون وسندات الخزانة المصرية.

مع توقعات رفع الفيدرالي الفائدة على الدولار، ربما يتسبب ذلك في تراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار

جاء تقرير البنك الأميركي وظاهره الرحمة، ليطمئن المستثمرين على عوائد استثماراتهم بالجنيه المصري، بينما كان باطنه العذاب بما حمل من منغصات حقيقية، لا تخفى على أغلب المتابعين للسياسات الاقتصادية المصرية خلال السنوات التي تلت توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لاقتراض 12 مليار دولار، وما تلاها من خطوات تسببت في تضاعف الدين الخارجي لمصر.

حمل التقرير عنوان "خمسة أسباب لعدم توقعنا انخفاضاً ملحوظاً في قيمة الجنيه المصري هذا العام"، فكان العنوان كفيلاً بتأكيد التحليلات التي توقعت انخفاض العملة المصرية، حتى ولو لم يتم الاتفاق على حجم الانخفاض!

وأشار التقرير في أولى فقراته إلى أنّ فترة الشهور الستة الأخيرة من العام الماضي (أي التي شهدت التأكد من تحرك البنك الفيدرالي لرفع معدلات الفائدة الأميركية) شهدت انخفاض استثمارات الأجانب في أدوات الدين بالعملة المصرية من 33 إلى 25 مليار دولار، وبنسبة انخفاض تتجاوز 24% (وهو ما يزيد بالتأكيد من عجز الحساب الجاري ويضغط على الجنيه).

أكد تقرير غولدمان ساكس أنّ أول أسبابه هو أنّ النماذج التي لديهم تشير إلى أنّ الجنيه مقوم حالياً بأكثر من قيمته بنحو 15% فقط، أي أنّهم يرون أنّ القيمة العادلة لسعر الدولار مقابل الجنيه تتجاوز 18 جنيهاً، رغم أنّ السعر الحالي 15.75 جنيها.

قلل البنك من أهمية نسبة الـ15% الحالية مقارنةً بنسبة الـ40% التي كانت موجودة قبل التعويم الأخير، لكنّه تجاهل أنّ هذه النسبة كفيلة بالإطاحة بكل عائد أدوات الدين في عام كامل، وأكثر من ذلك.

وقال البنك الأميركي إنّ السبب الثاني هو أنّ تخفيض قيمة الجنيه لن يكون له إلا تأثير محدود على عجز الحساب الجاري لمصر، ومعه كلّ الحق في ذلك، إلّا أنّ هذه الحقيقة لا يمكن بحال أن تعني، من منظور تحليلي، استبعاد تخفيض قيمة الجنيه.

البنك الاستثماري الأميركي: القيمة العادلة لسعر الدولار مقابل الجنيه تتجاوز 18 جنيهاً، رغم أنّ السعر الحالي 15.75 جنيها

يقول البنك إنّ قوة الجنيه المبالغ فيها (والتي يعرف الجميع أنها تجعل السلع المستوردة أرخص للمواطن المصري، بينما تحدّ من الصادرات المصرية) لم تكن السبب وراء عجز الحساب الجاري، وإنّ تخفيض قيمة الجنيه لن يؤدي إلى إصلاحه، متجاهلاً حقيقة أنّ ذلك العجز لا يمكن إصلاحة بين عشية وضحاها، وأنّ هذا التخفيض لن يكون بالتأكيد الخطوة الوحيدة في هذا الاتجاه.

وكان ثالث أسباب البنك ارتفاع تكلفة تخفيض قيمة الجنيه على الاقتصاد المصري، في صورة ارتفاع معدل التضخم، بالإضافة إلى عودة مخاطر الدولرة، سواء على مستوى المصريين أو مستثمري أدوات الدين.

وفي حين يؤكد البنك الاستثماري أن القيود المفروضة حالياً على شراء العملة الأجنبية في مصر تزيد من احتمالية ظهور ونمو تلك المخاطر، يمكن التأكيد على أن تلك النقطة تحديداً تجعل من تخفيض العملة المصرية ضرورة في الوقت الحالي، قبل أن تتحول إلى معوق رئيسي للسياسات النقدية، وكارثة تتفاقم آثارها المتوقعة بمرور الوقت، خصوصاً أنّ الحساب الجاري لا يبدو قريباً من التحول لفائض، أو حتى تقليل العجز، في المستقبل المنظور.

وفي رابع الأسباب، أشار التقرير إلى أنّ مصر لديها من الاحتياطيات ما يكفيها للدفاع عن عملتها حال حدوث تدفقات سلبية للاستثمارات في أدوات الدين مع رفع الفائدة على الدولار، مقدراً إياها بثمانية وخمسين مليار دولار، بعد إضافة نحو 18 مليار من أصول البنك المركزي غير المضمنة في الأربعين مليارا المعلنة رسمياً.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ولا أعرف كيف يتوقع كاتب التقرير أن تدبر مصر احتياجاتها من التمويل الخارجي، والتي تجاوزت 30 مليار دولار خلال السنة المالية الحالية، مع الأخذ في الاعتبار إمكانية خروج جزء آخر من 24 ملياراً مستثمرة حالياً من الأجانب في أدوات الدين المصرية، إلّا لو كان ينصح بالاستمرار في سياسة الاقتراض الخارجي التي اتبعتها الحكومة المصرية، والتي سببت الصداع لأغلب المصريين.

وفي ما يخص المتشككين في قوة الاحتياطيات المصرية، يطمئن التقرير الجميع بأنّ النسبة الأكبر من الديون المصرية تأتي من دول الخليج، "وهو ما يعني أنّها ستجدد عند استحقاقها" كما يقول التقرير!

أما خامس أسباب البنك فهو أنّ "ميزان الضغوطات" في الحالة المصرية يبدو في طريقه إلى التحسن، من دون اللجوء إلى تخفيض جديد للعملة، مع عودة السياحة، وارتفاع أسعار الغاز، وارتفاع إيرادات قناة السويس، وزيادة الاستثمار الأجنبي، وارتفاع تحويلات المصريين العاملين خارج البلاد، وكافة العوامل التي لا أعرف على وجه التحديد إن كان كاتبو التقرير يدركون أنّ المصريين ينتظرونها منذ عقود أم لا.

التقرير إذاً، يرى أنّ ضعف العملة المصرية آتٍ، لكنّه لن يكون انهياراً كالذي حدث بعد نوفمبر/تشرين الثاني 2016، إلّا أنّه احتوى على العديد من البيانات التي زادت من قلق المصريين على مصير عملتهم، على النحو الذي سيتم عرضه في الجزء الثاني من هذا المقال.

المساهمون