محمود نواجعة: %80 من الشركات الإسرائيلية الناشئة تضررت بفعل المقاطعة

27 سبتمبر 2024
محمود نواجعة (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- حجم الاستجابة الشعبية وتأثير المقاطعة: منذ بداية الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023، شهدت حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) استجابة كبيرة، حيث تضررت 80% من الشركات الناشئة الإسرائيلية وتراجعت الاستثمارات الأجنبية بنسبة 32%.

- أنشطة حركة المقاطعة وأهدافها: نظمت حركة (BDS) فعاليات لدعم غزة، مطالبة بوقف العدوان وفتح معبر رفح، وركزت على مقاطعة الشركات المتورطة في الاستعمار الإسرائيلي، ودعت لفرض حظر عسكري شامل على إسرائيل.

- نجاحات وتحديات حركة المقاطعة: حققت الحركة نجاحات مثل سحب استثمارات الصندوق السيادي النرويجي وشركة KLP، ودعم الجامعات العالمية، لكنها تواجه تحديات من إسرائيل وحلفائها الذين يشنون حرباً قانونية وإعلامية ضدها.

قال المنسق العام لحركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) محمود نواجعة في مقابلة مع "العربي الجديد" إن حجم الاستجابة الشعبية لدعوات مقاطعة الاحتلال ومنتجاته كان جيداً منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وأوضح أنه منذ ذاك اليوم، عانت أكثر من 80% من الشركات الناشئة (start-ups) الإسرائيلية من الأضرار، مع إعلان أن أكثر من 50% من تلك الشركات لديها من المال ما يكفي ستة أشهر فقط.

وفيما يلي نص الحوار:

- ما هي أبرز النشاطات التي قامت بها حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) منذ بدء حرب الإبادة على شعبنا في غزة؟

منذ بداية الحرب على شعبنا في قطاع غزة، دعت اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل، أوسع تحالف في المجتمع الفلسطيني، وقيادة حركة المقاطعة (BDS) عالمياً، للمشاركة في كافة الفعاليات والحملات الشعبية المُساندة لأهلنا في قطاع غزّة، والاستمرار في الحشد والضغط رافعين مطالب بوقف العدوان (إطلاق النار) الفوريّ، وفتح معبر رفح وإدخال المساعدات الطارئة لقطاع غزة بشكل فوري، بما يشمل الوقود والكهرباء وتوفير الحماية الدولية لشعبنا.

وذلك جنباً إلى جنب مع تعزيز حملات مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها على كل الأصعدة، بدءاً بمقاطعة الشركات المتورطة في نظام الاستعمار والأبارتهايد الإسرائيلي، ووصولاً إلى المقاطعة الأكاديمية والثقافية والفنية والرياضية لهذا العدوّ، إضافة إلى تكثيف حملات التصدي الشعبي لكل أشكال التطبيع في الوطن العربي وتصعيد حملات الحظر العسكري وفرض العقوبات الموجّهة عالمياً، وحشد النشطاء وتزويدهم بأدوات فعالة للضغط على صناع القرار في بلدانهم.
 

- ماذا عن حجم تجاوب الشعوب مع حملات المقاطعة على الصعيدين العربي والدولي؟

حظيت حملات المقاطعة بتفاعل كبير منذ بداية الحرب الإبادية الإسرائيلية ضد شعبنا في غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وشاهدنا نهوضاً جماهيرياً واسعاً يهدف إلى تكبيد بعض أهم الشركات المتواطئة في الجرائم الإسرائيلية خسائر بسبب تواطئها، من خلال تفعيل سلاح المقاطعة وسحب الاستثمارات ضد الجهات التي أيدت أو دعمت إبادة شعبنا في قطاع غزة المحاصر. ولدينا الآن أرضية شعبية خصبة لنشر الوعي حول الحملات المستهدفة التي تعمل عليها حركة مقاطعة إسرائيل، والتي تعني التركيز على عدد محدّد من الأهداف الأكثر تواطؤاً والأكثر أهمية، من أجل مضاعفة الأثر، سواء كانت في أوقات تصعيد العدوان على الشعب الفلسطيني.

وبطبيعة الحال يرتفع الزخم لتفعيل أداة المقاطعة في أوقات تصعيد جرائم الاحتلال لأنها أهم سلاح شعبي يستطيع الجميع أن يمارسه بسهولة حول العالم. وتعتبر حركة المقاطعة اليوم من الأشكال الرئيسية للمقاومة الشعبية والمدنية الفلسطينية، كما تعتبر أهم حركة تضامن عالمية على الإطلاق مع نضال شعبنا من أجل حقوقنا غير القابلة للتصرف، وأهمها عودة اللاجئين والتحرر من الاستعمار وتقرير المصير.

- إلى أي مدى تأثر الاحتلال الإسرائيلي بالمقاطعة؟ وما أبرز القطاعات التي انعكست عليها؟

نحن نعلم أن هذا النظام الاستعماري عصبه الاقتصاديّ هو الشركات الناشئة... ويشهد الاقتصاد الإسرائيلي تراجعاً وضرراً بوتيرة متسارعة، وقد لعبت حركة المقاطعة دوراً جزئياً في ذلك من خلال إظهار وجه إسرائيل الحقيقي بأنه نظام استعماري إبادي متوحش، مما ضرب سمعة "وسم إسرائيل" (Brand Israel) ككل (حملة تديرها حكومة الاحتلال لتحسين صورة إسرائيل).
فمنذ السابع من أكتوبر، عانت أكثر من 80% من الشركات الناشئة (start-ups) الإسرائيلية من الأضرار، مع إعلان أن أكثر من 50% من تلك الشركات لديها من المال ما يكفي لستة أشهر إضافيّة فقط. وسجل نمو رأس المال المستثمر في الشركات الإسرائيلية انخفاضاً نسبته 32% على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2024.
وخلص استطلاع للرأي أجري في حزيران/يونيو 2024 (شمل 15 ألف مستهلك في 15 بلداً) إلى أن واحداً من كل ثلاثة أشخاص يقاطعون ماركات تجارية بسبب الإبادة الجماعية التي يرتكبها النظام الإسرائيليّ بحق 2.3 مليون فلسطيني في غزة.
ويواجه نظام الاستعمار الاستيطانيّ والإباديّ الإسرائيليّ انهياراً اقتصادياً، مع سحب أكبر الصناديق الاستثماريّة والصناديق السياديّة استثماراتها من السندات والأصول الإسرائيليّة. على سبيل المثال:
1. في فبراير/ شباط الماضي، أعلن الصندوق السيادي النرويجي، الذي تبلغ قيمة استثماراته العامة 1.6 تريليون دولار، عن سحبه جميع استثماراته من السندات الحكومية الإسرائيلية (Israel Bonds). وكان شركاء حركة مقاطعة إسرائيل من النقابات العمالية النرويجية البارزة قد أطلقوا حملة ضغط على مدى سنوات للمطالبة بسحب هذه الاستثمارات.

2. في يونيو/ حزيران الماضي، وفي أحد أكبر إنجازات حركة مقاطعة إسرائيل حتى الآن، أسهمت الحركة في تراجع شركة إنتل (Intel) عن بناء مصنع جديد بقيمة 25 مليار دولار في مستعمرة كريات غات الإسرائيلية، وفقاً لمصادر إعلامية مالية إسرائيليّة. ولا تزال "إنتل" متواطئة إلى حد بعيد في رفد الميزانيّة الحربية الإسرائيليّة، وبالتالي دعم ماكينة الإبادة الجماعيّة المستمرّة ضد 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزّة.
3. في يونيو الماضي، سحبت أكبر شركة استثمار للتقاعد في النرويج (KLP) استثماراتها البالغة 69 مليون دولار من شركة كاتربيلر (Caterpillar) الأميركية لتواطئها في جرائم الحرب الإسرائيلية.
4. في أغسطس/ آب الماضي، تخلّص أكبر صندوق تقاعد خاصّ في المملكة المتحدة (USS) من أكثر من 100 مليون دولار من الأصول الإسرائيليّة، بما في ذلك السندات الحكوميّة الإسرائيليّة، بعد ضغوط مستمرّة من أعضائه، وبالذات من نقابة أساتذة الجامعات (UCU).
 

- هل هناك تقديرات مالية ونسب مئوية بحجم التراجع؟

حققت حملات المقاطعة نجاحات كبيرة في المنطقة العربيّة -على سبيل المثال- مما أجبر عدداً من الشركات على إغلاق فروعها، ودفع عواصم عدّة حول العالم لإلغاء تعاونها مع البلديات الإسرائيليّة.
ويمنع نظام الأبارتهايد الإسرائيليّ صدور أيّة أرقام، وهذا جزءٌ من حربه النفسيّة، ولكن تخفيض التصنيف الائتمانيّ لدولة الاحتلال ينذر بشكل وحجم التراجع في الاستثمارات الأجنبيّة، والمقاطعة الاقتصاديّة التي مُنيت بها مُنتجات المستعمرات الإسرائيليّة غير القانونيّة.
 

- ما هي الاختلافات بين الأنشطة المحلية والعربية والدولية؟

تختلف الأنشطة باختلاف المكان والمساحة وطبيعة العمل، فمن مبادئ حركة المقاطعة الحساسية للسياق.
ونطالب شعبنا الفلسطينيّ بمقاطعة منتجات العدو الإسرائيليّ، إلا تلك السلع الأساسية التي لا توجد بدائل لها بسبب الاحتلال، كما نعمل على إنهاء التعامل معه بأي شكل باستثناء الحالات القسرية التي يفرضها الاحتلال. من ضمن ذلك، ندعو لرفض التعامل مع وسائل الإعلام التي تنقل السردية الإسرائيلية والصهيونيّة، وتكثيف الضغط الشعبي على المستوى الرسمي الفلسطيني للالتزام بالإجماع الوطني بدءاً بوقف ما يسمى بـ"التنسيق الأمني" المشين.

عربياً: ندعو شعوبنا إلى مقاطعة الشركات الأكثر تواطؤاً، وإلى تكثيف الضغط على حكوماتها من أجل قطع العلاقات مع العدو الإسرائيلي، وفرض العقوبات عليه وسحب الاستثمارات من الشركات المتواطئة في جرائمه. كما نطالب الشعوب العربيّة بتكثيف الضغوط على الجهات والمؤسسات والجامعات التي تدعم العدو الإسرائيليّ. ونعمل مع شركائنا على مناهضة التطبيع بكل أشكاله، وتنظيم الاحتجاجات والأنشطة والفعاليات السلميّة، كلٌ في سياق عمله، التي ترمي إلى تعطيل سير الأعمال على النحو الاعتياديّ.
دولياً: تدعو حركة المقاطعة إلى ممارسة أقصى قدر من الضغط الشعبيّ والمؤسساتيّ على جميع الدول والأمم المتحدة والهيئات الإقليميّة من أجل:
● فرض حظر عسكريّ شامل على إسرائيل على الفور، بما في ذلك تصدير واستيراد ونقل الأسلحة والمعدات العسكريّة والمواد ذات الاستخدام المزدوج، وكذلك إنهاء كافّة أشكال التعاون العسكريّ بما فيها التدريب والأبحاث المشتركة والاستثمارات.
● فرض عقوبات قانونيّة موجّهة ضد إسرائيل، بما في ذلك العقوبات الدبلوماسية والاقتصاديّة والماليّة والأكاديمية.
● وضع حدّ فوريّ لجميع أشكال التواطؤ مع الاحتلال العسكريّ الإسرائيليّ غير الشرعيّ، والإبادة الوحشيّة التي يمارسها في قطاع غزّة، والسبب الجذري لكل هذا: نظام الاستعمار الاستيطانيّ والأبارتهايد الإسرائيليّ القائم منذ 76 عاماً.
● إعادة تفعيل لجنة الأمم المتّحدة الخاصّة بمناهضة الأبارتهايد للمساعدة في القضاء على نظام الأبارتهايد الإسرائيليّ ومحاسبة المسؤولين عنه.
● تعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة وتجريدها من امتيازاتها وحقوق عضويتها، كما حدث مع نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا.
● تعليق مشاركة إسرائيل في الألعاب الأولمبيّة وبطولات "فيفا" وجميع المحافل والفعاليات الدوليّة والإقليميّة.

- هل هناك أنشطة وفعاليات متصاعدة خلال الفترة المقبلة؟

ستواصل الحركة ومع استمرار العدوان الإسرائيلي توجيه كل القوة الشعبية التي بنيناها مع شركائنا حول العالم خلال عقدين تقريباً نحو الضغط على صانعي القرار من أجل إجبار المعسكر الإبادي الأميركي-الإسرائيلي، المدعوم أوروبياً، على وقف الحرب وإنهاء الحصار على غزة. وجزء من هذا الضغط يأتي بشتى الطرق السلمية، من خلال تصعيد حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات، وأيضاً من خلال الضغط المباشر على أعضاء البرلمانات والحكومات والشركات ووسائل الإعلام المتواطئة من خلال "الاحتلال السلمي" لمقراتها وإرباك عملها المعتاد، بسبب تواطئها المستمر.
فمثلاً، نعمل بشكل وثيق مع نقابات عمالية، بالذات العاملة في مجال الشحن البحري، لإعاقة شحن الأسلحة إلى العدوّ الإسرائيلي، وهذا ما قامت به نقابات عدة في بلجيكا وكتالونيا وإيطاليا واليونان وتركيا وحتى في كاليفورنيا بالولايات المتحدة.
كما نضغط بقوة على حكومات صديقة لشعبنا من أجل فرض حظر عسكري على إسرائيل، والعمل على طردها من عضوية الجمعية العامة للأمم المتحدة ومن "فيفا" وغيرهما.
 

- هل هناك تقدم أم تراجع على صعيد الاستجابة الشعبية لأنشطة المقاطعة؟

ما لاحظته الحركة هو نهوض جماهيري واسع ومستدام طوال الأشهر الماضية، يهدف إلى أن تدفع أهم الشركات المتواطئة في الجرائم الإسرائيلية ثمن تواطئها، من خلال تفعيل سلاح المقاطعة وسحب الاستثمارات. ولدينا الآن أرضية شعبية خصبة لنشر الوعي حول الحملات المستهدفة التي تعمل عليها حركة مقاطعة إسرائيل، والتي تعني التركيز على عدد محدّد من الأهداف الأكثر تواطؤاً والأكثر أهمية، من أجل مضاعفة الأثر، سواء كانت في أوقات تصعيد العدوان على الشعب الفلسطيني أم لا، وليس على المقاطعة غير المستهدفة.
على الصعيد المحلي، مثلاً، في شهر يوليو/ تموز الماضي، كشفت وزارة الاقتصاد الفلسطينية عن انخفاض شراء المنتجات الإسرائيلية في الأسواق المحلية. وأوضحت أن نسبة شراء المنتجات الإسرائيلية من العصائر والمشروبات تراجعت بنسبة 82%، كما انخفضت نسبة شراء منتجات الحليب والألبان إلى 60%. وأشارت إلى تحقيق نجاحات حقيقية للمقاطعة في مختلف القطاعات خلال الأشهر الأخيرة، مما أنعش حصة الشركات الفلسطينية في قطاع المشروبات ومواد التنظيف والكيماويات، حيث شهدت زيادة في إنتاجها تصل إلى 200-300% بسبب مقاطعة منافساتها الإسرائيلية.
 

- ما هي أبرز المعيقات التي تواجه حركة المقاطعة؟ وإلى أي مدى تتأثر حركة المقاطعة بقرارات الملاحقة والحجب التي تصدرها بعض الدول؟

تشن إسرائيل وحلفاؤها على حركة المقاطعة حرباً قانونية واستخباراتية وإعلامية حول العالم، وتحاول الضغط عليها والتضييق على نشطائها وملاحقتهم، ولا سيما من خلال سن قوانين تشيطن الحركة وتحاول قمع بعض جوانبها بما يقوّض حرية التعبير والحقوق الديمقراطية لمناصري القضية الفلسطينية. لكن ذلك لا يعكس إلا حالة الإفلاس والإحباط التي وصلت إليها حكومة الاحتلال والأبارتهايد، فقد أثبتت حركة المقاطعة قدرتها على تخطي هذه العقبات والاستمرار في النمو والانتشار وزيادة تأثيرها وإحراز المزيد من النجاحات، فضلاً عن تنامي عزلة النظام الإسرائيلي، في مؤشر على نجاح أدوات الحركة.
كما أن الحرب الإسرائيلية ضد حركة المقاطعة مثل حظر دخول النشطاء إلى فلسطين المحتلة وسن قوانين ضد المقاطعة، تستفز حتى التيارات الليبرالية غير المؤيدة للمقاطعة من قبل، وتثير روح التحدي عند المؤيدين، خاصة الشباب.
 

- هل دعمت التظاهرات الدولية موقف حركة المقاطعة؟

بكل تأكيد، فالحركة مع شركائها العالميين هي جزء لا يتجزأ من حركات الاحتجاج الواسعة والأكثر استراتيجية. فنظرية التغيير التي تتبناها الحركة تقوم على بناء القوة من الأسفل إلى الأعلى للتأثير على القرارات السياسية وإنهاء التواطؤ مع إسرائيل ونظامها الاستعماري.
فمن خلال زراعة بذور التضامن لما يقارب العقدين، بنت الحركة تحالفات عالمية تمثل عشرات الملايين، مما أدى خلال الإبادة إلى ترجمة الدعم العفوي الجماهيري للنضال الفلسطيني ضد الإبادة إلى تصعيد غير مسبوق في حملات المقاطعة، وسحب الاستثمارات وحتى لبداية فرض العقوبات من دول مثل تركيا وكولومبيا وماليزيا. إن حجم المظاهرات واستمرارها لأشهر دون توقّف أرسل رسالة واضحة إلى إسرائيل وحلفائها، من حكومات وشركات ومؤسسات متواطئة، أن هذه الطاقات الشعبية الهائلة ستُوَجّه بحكمة إلى رفد حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، وهو بالفعل ما حصل ويحصل.


إن الانتفاضة الطلابية الأخيرة، التي بدأت في جامعة كولومبيا في نيويورك وامتدت منها إلى أرجاء العالم، هي خير شاهد على نجاح نظرية زراعة البذور وبناء القوة تدريجياً من القاعدة إلى القمة، فقد أضحى الشعار الناظم لهذه الانتفاضة الطلابية: مقاطعة الجامعات الإسرائيلية وسحب الاستثمارات من الشركات المتواطئة. وقد أثار ذلك الرعب لدى معسكر أعداء شعبنا، إذ أدرك أن الطاقة التضامنية العاطفية باتت طاقة تغيير فعلي، تؤثر بقوة على المؤسسات والشركات وحتى الحكومات.
وتتصدر حركة المقاطعة اليوم عناوين رئيسة في الإعلام وتلعب دوراً مهماً في التأثير على الرأي العام تجاه القضية الفلسطينية، كما أنها تشكل الاتجاه السائد لحركة التضامن في العالم.
 

- ما الجديد في حملة المقاطعة؟ وهل هناك توقعات بتجاوب طلاب الجامعات الأميركية والأوروبية مع الحملة، والضغط على إدارات الجامعات لسحب استثمارات صناديقها من البنوك والشركات الإسرائيلية والمستوطنات؟

لطالما لعبت الحركة الطلابية دوراً حاسماً ومحورياً في النهوض بالنضالات التحررية في منطقتنا العربية وحول العالم، وكانت فلسطين ونضال شعبها الحر على الدوام إحدى ركائز هذا النضال، على اختلاف التوجهات السياسية. ولم يكن التزام الحركات الطلابية العربية بقضية فلسطين يوماً نابعاً فقط من أحقية هذه القضية، بل أيضاً من وعي تلك الحركات الراسخ بأنّ خطر المشروع الصهيوني الاستعماري في منطقتنا العربية لا يقتصر على فلسطين والفلسطينيين فحسب، بل يمتدّ إلى مقدّرات ومصالح أوطانهم أيضاً.
وفي هذه المرحلة بالذات، لا يتمحور دورنا حول رفع الوعي فقط، بل أيضاً من واجبنا تصعيد العمل والتنظيم، وتحريك جميع عوامل الضغط من أجل إسناد النضال الفلسطيني حتى وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وكسر الحصار عنه، ومحاسبة داعمي العدو الإسرائيلي وممكّني الإبادة ضدّ شعبنا من حكومات وشركات ومؤسسات.
وخلال الفترة التي شهدت إقامة المخيمات الطلابية المناصِرة لغزة على امتداد العالم وما بعدها، وتلبية لدعوة رؤساء الجامعات الفلسطينية كافة والحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل إلى فرض عزلة عالميّة على الجامعات الإسرائيلية وسحب الاستثمارات من الشركات المتواطئة، التزمت 30 جامعة على الأقل من شتى أرجاء العالم بإنهاء علاقاتها بالمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية المتواطئة، أو بسحب استثماراتها من الشركات المتواطئة في انتهاكات إسرائيل لحقوق الفلسطينيين.
ومن بين تلك الجامعات التي قطعت علاقاتها، جامعة المكسيك الوطنية المستقلة، وهي واحدة من أكبر الجامعات في العالم، إضافة إلى ست جامعات في مختلف أنحاء جنوب أفريقيا، بما فيها جامعة فورت هير، وجامعة غنت في بلجيكا، والأكاديمية الملكية للفنون في هولندا، وست جامعات نرويجية، وسبع في إسبانيا. وصادق المعهد اللاهوتي الاتحادي التابع لجامعة كولومبيا على سحب استثماراته من الشركات المتواطئة.

وتعهدت 20 جامعة أخرى بمباشرة الخطوات التي تهدف إلى إنهاء تواطئها في الجرائم الجسيمة التي يرتكبها العدو بحق الفلسطينيين، بما فيها حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزّة.

- هل تلاحظون أن هناك تجميداً لمشروعات التطبيع عقب قيام الحرب؟

لا شكّ بأنّ حرب الإبادة التي يشّنها العدو الإسرائيلي ضد شعبنا وشعوب المنطقة قد أدّت إلى تعطيل عمليات التطبيع في المنطقة، خاصةً في ظل استعادة القضية الفلسطينية مكانتها على الأجندة العالمية والإقليمية، كما أدت أيضاً إلى تجديد أسباب عداء شعوب المنطقة مع إسرائيل، في وقتٍ يجد فيه الخطاب التطبيعي الذي يروّج التحالف مع إسرائيل نفسه مأزوماً أمام الحقائق الفجّة التي تثبتها إسرائيل ومطامعها الاستعمارية في المنطقة يوماً بعد يوم.
وأبرز ما تدعو له حركة مقاطعة إسرائيل في المنطقة هو إسقاط المعاهدات مع العدو الإسرائيلي، من خلال الضغط على الحكومات ومراكز القرار من أجل إغلاق سفارات العدو، وإنهاء جميع الاتفاقيات التطبيعية والتحالفات العسكرية-الأمنية التي أبرمتها بعض الأنظمة العربية الديكتاتورية مع إسرائيل، وعلى رأسها التجارة العسكرية معه، وهو ما عبّرت عنه جماهير المنطقة العربية الرافضة للتطبيع، من المحيط إلى الخليج. على سبيل المثال، أعلنت الحكومة الأردنية تجميد اتفاق "الكهرباء مقابل المياه" مع إسرائيل بعد ضغط كبير من الجمهور الأردني، وقد لعب شركاؤنا ("الأردن تقاطع") دوراً رئيسياً في هذا الضغط.
بالمقابل، علينا أن نعي خطورة اللحظة اليوم، فلولا تواطؤ أنظمة التطبيع والخيانة العربية الاستبدادية في إدامة الإبادة والعدوان، لما استمرّ نظام الاستعمار-الاستيطاني والأبارتهايد الإسرائيلي بحربه الإبادية لما يقارب العام، ولما تجرأ على شعبنا في الضفة والشعب اللبناني الشقيق بهذه الوحشية غير المسبوقة منذ عقود.
فهذه الأنظمة، بعكس الشعوب العربية الشقيقة من المحيط إلى الخليج، لم تصمت على جرائم الإبادة في غزة وحسب، بل تواطأت مع النظام الإسرائيلي بأشكال عدة، أهمها تجنيد مواردها العسكرية للمساهمة في حمايته، وصولاً إلى تزويده بالأغذية من خلال الممر البري المشين بينما يفرض المجاعة على شعبنا في غزة!

 

- لماذا لا تركز الحملة على الاستثمارات الخليجية داخل دولة الاحتلال والمستوطنات والضغط عليها للانسحاب؟ فعلى سبيل المثال، استثمرت الإمارات قرابة 10 مليارات دولار في الاحتلال ما الموقف منها؟ وما طبيعة الاستثمارات؟ 

للتصحيح، كانت حركة المقاطعة، منذ اللحظة الأولى لتوقيع اتفاقيات أبراهام، قد دعت، ومعها عشرات الأحزاب والنقابات والجمعيّات والقوى الشعبية ومنظّمات حقوق الإنسان في المنطقة العربية، إلى حصار الإمارات وعزلها لتخليها عن القضية الفلسطينية، وتحالفها الوثيق وغير المسبوق مع العدوّ الإسرائيلي.

وذلك عبر مقاطعة جميع المحافل والفعاليات والأنشطة التي تنظم تحت رعايتها، ومقاطعة جميع الشركات والأطر الإماراتية والعربية والدولية المتورّطة في هذا التحالف الإماراتي- الإسرائيلي.

وقد قدنا حملاتٍ عديدة مع شركائنا في المنطقة، في مختلف الميادين الأكاديمية والثقافية وحتى الاقتصادية، لاستهداف شركات وجهات متورطة في تطبيق هذه الاتفاقية، مثل حملة مقاطعة إكسبو دبي، والتي نجحت بشكل مميز في خفض المشاركة في المعرض بشكل لا يقبل الجدل، ورفعت منسوب المقاطعة التجارية والثقافية والفنية والأكاديمية والسياحية للإمارات ومؤسساتها. نحن لا نتكّلم عن اتفاقية على المستوى الرسمي فحسب، كما شهدنا في الأردن ومصر، إنّما عن تحالف أمني استراتيجي عسكري اقتصادي وتجاري بين الإمارات والعدوّ الإسرائيلي، لا يحاول نقل التطبيع إلى مستويات شعبية فحسب، إنّما يعبّر عن وقوفها الفعلي إلى جانب إسرائيل مرةً تلو الأخرى.

ومنذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على شعبنا في غزة، جدّدت اللجنة الوطنية نداء مقاطعة الإمارات، معتبرةً مقاطعتها لا تنفصل عن مقاطعة إسرائيل، خاصةً في ظل تطبيع هذه الأنظمة وتحالفاتها العسكرية-الأمنية، مثل الإمارات والمغرب والبحرين؛ إذ قُدّرت قيمة الصادرات العسكرية الإسرائيلية لهذه الدول بنحو 3 مليارات دولار قبل عام واحد فقط من بدء الإبادة ضدّ شعبنا. كما انطلقت حملات عديدة لمقاطعة الشركات العربية (الإماراتية وغيرها) التي تساهم في دعم النظام الإسرائيلي ومدّه بالعون خلال الحرب.