استمع إلى الملخص
- أسس بنك "غرامين" للإقراض متناهي الصغر، مما ساهم في انتشال ملايين الأسر من الفقر وانتشر عالميًا.
- عاد يونس ليقود الحكومة الانتقالية في بنغلادش، ويواجه تحديات كبيرة من الشباب الثائر وقوى تسعى لزعزعة استقرار البلاد، ويأمل في تحقيق تغييرات جذرية.
على مدى ما يزيد على نصف قرن، حلم الخبير الاقتصادي محمد يونس بانتشال دولة بنغلادش من الفقر والبطالة والمجاعات والأوبئة والاستبداد والتخلف، وأن تصبح واحدة من النمور الآسيوية الصاعدة، كما جرى في دول قريبة مثل ماليزيا وسنغافورة وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية وتايوان، فعاملته السلطات في بلاده بقسوة شديدة وكأنه مجرم، وغيبته في ظلمات السجون، وواجه أكثر من 100 تهمة تتعلق بمزاعم فساد وانتهاكات قانون العمل، وتعرّض لمضايقات قضائية متواصلة بإيعاز من النظام الحاكم، شكلت مخاوف متواصلة على أمنه وحريته، ولذا اضطر للهجرة.
آمن بحق الفقراء في حياة كريمة والتمتع بحق السكن والعلاج والتعليم المجاني والاستقلال المالي والدخل المقبول، وعمل على نشر الاقتصاد الاجتماعي وحق المواطن في ثروات بلاده، ودعا إلى نشر اقتصاد خالي من الأنانية وسيطرة رأس المال وجشع الرأسمالية والقيود والضمانات المصرفية المغالى فيها، فكان جزاؤه الملاحقة القضائية بلا أي جريمة اقترفها، كذلك حُكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر في محاكمة صورية، واستولت الحكومة على مكاتبه في "بنك الفقراء".
آمن بحق الفقراء في حياة كريمة والتمتع بحق السكن والعلاج والتعليم المجاني والاستقلال المالي، وعمل على نشر الاقتصاد الاجتماعي وحق المواطن في ثروات بلاده
وعلى مدار سنوات طويلة تعرّض لاضطهاد شديد من قبل حكومات رئيسة الوزراء الشيخة حسينة، حيث أُقيل من منصبه الجامعي والمصرفي وتعرّض للإساءة والتشهير. واتّهمته حسينة أكثر من مرة بـ"مصّ دماء" الفقراء. كما كانت تنظر إليه على أنه منافس قوي لها بسبب شعبيته الكبيرة داخل الشارع، ولذا سعت بكل قوتها إلى تغييبه عن الساحة سواء السياسية أو الاقتصادية، بل وتلويث سمعته في الخارج.
محمد يونس هو أحد أشهر الاقتصاديين والمصرفيين حول العالم، وحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 2006. زار تقريباً كل القرى والأرياف في بنغلادش، وبعدها وفي عام 1979 قرر تأسيس بنك "غرامين" ونشر فروعه على مستوى الدولة، أو ما عرف باسم بنك الفقراء، ليكون نموذجاً لمعالجة أزمات الفقر المدقع والبطالة في بلاده.
وبالفعل، انتشل ملايين الأسر من الفقر المدقع، ومكن الفقراء في أرياف بنغلادش من تأسيس مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر عبر منحهم قروضاً صغيرة تقلّ قيمتها عن 100 دولار ومن دون ضمانات، وهو ما فتح الباب أمام نشر ما بات يُعرف في العلوم المالية والمصرفية بمصطلح "الإقراض متناهي الصغر"، ليس فقط داخل بلاده، بل على مستوى العالم.
محمد يونس والحلم العالمي
وحلم يونس بأن ينشر مشروعه على مستوى العالم حيث راح يروج للفكرة شرقا وغربا، فانتزعته السلطات منه، بل وعاقبته على مبادرته وضع نهاية للفقر في بلاده التي تزخر بموارد ضخمة من الثروات البشرية والطبيعية، وتُعَدّ صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في جنوب آسيا.
فكر في خوض تجربة العمل السياسي لعله يصلح بالسياسة ما فشل فيه بالاقتصاد، فتراجع بسرعة خوفاً من التعرض للاضطهاد الشديد والاستبداد الذي قادته الشيخة حسينة ضده وضد آلاف غيره على مدى خمسة عقود أذاقت فيها المعارضين والمثقفين والحالمين بالحرية الأمرين، وألقت بهم في غياهب السجون، بدعم من النظام العسكري.
خاف على نفسه وحياته، فاستقر مقيماً في العاصمة الفرنسية باريس إثر تعرضه لتهديدات متلاحقة، بعد أن أعلن أن بنغلادش بلد محتل في عهد حسينة، لكنه عاد هذه الأيام إلى العاصمة دكا ليقود بلاده في أسوأ مراحلها الاقتصادية، حيث اختير رئيساً للحكومة الانتقالية بعد أن هربت حسينة إلى الهند، إذ رأى فيه شباب الثورة الحالم أنه المؤهل لقيادة البلاد في هذا التوقيت الحرج، فلم يتردد الرجل لحظة في قبوله بالمنصب لعل وعسى يعالج جزءاً من الأزمات المتراكمة خلال ما تبقى له من العمر، حيث يبلغ 84 سنة.
المهمة ليست سهلة على الاطلاق، فهناك شباب ثائر في الشارع داخل دكا والمدن الكبرى، وغاضب بشدة على تردي أوضاعه المعيشية والاقتصادية، وهناك من ينتظر تحقق المعجزات خلال فترة وجيزة، وهناك من يتربص بالرجل وحكومته المؤقتة، حيث يرى يونس أن "بنغلادش تمر بنقطة تحول في تاريخها، وأن أولئك الذين يملكون البلاد لعقود من الزمن سيفعلون كل ما بوسعهم لزعزعة استقرار البلاد، وأن الثورة لم تنتهِ بعد، وأن المطلوب الآن هو العمل على تغيير الأمور بعمق وبشكل جذري".
فهل ينجح محمد يونس نصير الفقراء في مهمته ويحول بلاده إلى سنغافورة جديدة، مع الاستفادة من الإمكانات الهائلة التي تمتلكها الدولة الأسيوية، ويضع حداً للفساد المستشري وحكم الفرد وقلاقل الشارع، أم يلتف عليه النظام البائد؟