مع إعلان الرئيس الأميركي جوزيف بايدن تفاصيل خطته الضخمة لتحديث البنية التحتية في الولايات المتحدة، بتكلفة تقترب من 2.3 تريليون دولار، تشمل تجديد وبناء طرق وجسور، كما تحديث البنية التكنولوجية وتوسيع شبكات الإنترنت، وتعزيز الإنفاق على البحوث والتطوير للحفاظ على تنافسية الولايات المتحدة خلال السنوات القادمة، تستعد قطاعات الأعمال الأميركية لخوض معركتها للحيلولة دون رفع الضرائب على أرباح الشركات، وهي الطريقة المقترحة من الإدارة الأميركية الحالية لتمويل تلك المشروعات.
وفي ما اعتبره محللون مقدمة لاتجاه الرئيس المنتخب حديثاً لرفع الضرائب على أصحاب الدخول المرتفعة والشركات الأميركية، كأحد أهم الوعود التي قطعها خلال حملته الانتخابية العام الماضي، اعتبر بايدن أن خطته تمثل تحولاً كبيراً في الفكر الاقتصادي للولايات المتحدة، بعيداً عن نهج الحكومات الصغيرة والأفكار الخاصة بتخفيض الضرائب التي تم تبنيها من قبل الرؤساء الجمهوريين قبل عقود، مضيفاً "إنه استثمار يحدث مرة واحدة لكل جيل في أميركا".
ومع وصول الدين الأميركي إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، متجاوزاً 28 تريليون دولار، وتخطي عجز الموازنة 3 تريليونات دولار، نتيجة لحزم الإنفاق الضخمة التي أقرتها الإدارة الأميركية الحالية والسابقة لإنعاش الاقتصاد ومساعدة المواطنين الذين فقد عدد كبير منهم وظيفته ودخله على مواجهة أعباء الحياة، لم يكن أمام بايدن سوى التوجه نحو زيادة الضرائب على الأميركيين لتمويل نفقاته الضخمة، والتي سيكون على رأسها في الفترة القادمة مشروعات تحديث البنية التحتية التي ينوي تنفيذها.
ورغم تحمس الشركات الأميركية لفكرة تحديث البنية التحتية، التي ازدادت الشكاوى من تهالكها مؤخراً، حيث يعتبرها الكثيرون أحد أهم العوامل التي يمكنها مساعدة الشركات الأميركية على تطوير أعمالها وزيادة أرباحها خلال السنوات القادمة، يعارض الكثير من الكيانات وجماعات الأعمال والمصالح، وعلى رأسها الغرفة التجارية الأميركية والمائدة المستديرة للأعمال وتحالف RATE، رفع الضرائب على الشركات التي لم تتعاف بعد من صدمة الجائحة التي ضربتها بقوة العام الماضي، وأثرت في أرباحها بصورة سلبية.
وبعد انتشار الشائعات التي تفيد بتوجه الرئيس الأميركي لزيادة الضرائب المفروضة على الشركات الأميركية من 21% تطبق حالياً إلى 28%، وتأكيده في العديد من المناسبات أن أيا من الشركات الأميركية لا ينبغي لها الاعتراض على ذلك، اقترح السيناتور جو مانشين، الديمقراطي الذي يمثل ولاية وست فيرجينيا التي كانت تاريخياً تحت سيطرة الحزب الجمهوري، أن يتم الاكتفاء برفع الضريبة إلى 25% فقط.
وعلى نحو متصل، طالبت شركاتٌ أميركية جماعاتِ النفوذ في واشنطن بمساعدتها في معرفة ما سيكون عليه الأمر في المستقبل القريب، حتى تتمكن من إعداد خططها الخاصة بالإنتاج والاستثمار.
واقترحت تلك الشركات الدخول في تفاوض مباشر مع البيت الأبيض، من أجل تخفيض الضرائب المزمع فرضها، خاصة على الكيانات التابعة لها خارج الأراضي الأميركية، والتي يبلغ الحد الأدنى لها حالياً 10.5%، بينما يرغب بايدن في مضاعفته ليصبح 21%.
ورفض تحالف RATE، الذي يقول عن نفسه إنه يدافع عن تنافسية النظام الضريبي الأميركي ضمن مجتمع الأعمال العالمي، ويسعى لخلق أفضل مناخ للاقتصاد الوطني، ويساعد القوى العاملة والشركات التي توظفهم على النجاح، زيادة الضرائب على الشركات الأميركية.
وقال التحالف الذي يضم بين أعضائه مجموعة من عمالقة الشركات الأميركية، مثل فيديكس لتوصيل الطرود، وبنك كابيتال وان، ومُصَنِّع الطائرات والسلاح ومعدات أخرى لوكهيد مارتين، ومُصَنع السيارات اليابانية تويوتا، إنه يعمل على إبقاء معدل الضريبة على الشركات عند مستوى 21%، وإنه لن يدخر الجهد لتحقيق ذلك.
وقال السيناتور الديمقراطي بلانش لينكولن، أحد قيادات التحالف، إنه يدعم فكرة العمل على سد الفجوات ونقاط الضعف التي "تسمح للشركات ذات الربحية بالتهرب من الضرائب، أو دفع مبالغ أقل مما ينبغي".
ورفضت فيديكس، التي لم تدفع دولاراً واحداً من الضرائب في أول عام يتم فيه تطبيق التخفيضات الضريبية التي أقرها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، خطة بايدن لزيادة الضرائب على الشركات، واقترحت عوضاً عن ذلك رفع الضرائب المفروضة على البنزين والديزل لتوفير التمويل المطلوب لتحديث البنية التحتية.
وفي حديث لإحدى القنوات المحلية الأميركية، قالت إيزابيل روليسون، المتحدثة باسم الشركة، إن شركتها تدعم الإنفاق الفيدرالي على البنية التحتية عن طريق زيادة الضرائب على الوقود، مضيفة "لا نعتقد أن زيادة الضرائب على الشركات وتوسيع قاعدة الشركات التي تطبق عليها هي الاستراتيجية الصحيحة لتمويل نفقات البنية التحتية، حيث إن هذه التغييرات تؤثر على التنافسية الاقتصادية للبلاد، وتؤدي إلى تأثيرات سلبية على الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة.
ونظراً لاستهداف إدارة بايدن صناعة النفط والغاز الأميركية، من خلال إلغاء الإعفاءات الضريبية التي منحها إياها ترامب، أعلن معهد البترول الأميركي، الذي يعد أكبر جهة تمثل الصناعة، رفضه استهداف صناعات بعينها ضمن خطة زيادة الضرائب على الشركات، "لأنه يؤدي إلى إعاقة جهود إنعاش الاقتصاد الأميركي، وتعطيل خلق الوظائف مرتفعة الأجر، بما فيها تلك التي يوفرها قطاع الطاقة".
ومع رفض الشركات الأميركية لفكرة زيادة الضرائب على أرباحها، يبدو أن هناك اتجاهاً لدى بعضها لتجنب التصادم مع بايدن وخطته لتحديث البنية التحتية، التي ستكون بصورة أو أخرى مفيدة أيضاً لتلك الشركات على المدى الطويل.
ويوم الأربعاء، نقلت شبكة سي ان بي سي الإخبارية عن أحد أعضاء جماعات الضغط من ممثلي الشركات الأميركية توقعه أن تقبل بعض الشركات بالخطة، رغم ما تتضمنه من زيادة أعبائها الضريبية، كونها تنتظر منذ سنوات حدوث ذلك التحديث في البنية المتهالكة.
وقال آخر، يمثل عمالقة شركات السيارات والطيران وبعض شركات الاستحواذ الخاص الكبرى، للشبكة نفسها إنه يتوقع أن تتقبل الشركات الخطة لأن هناك الكثير من الأموال التي سيتم إنفاقها بطريقة تراعي مصالحها، مضيفاً "لو تضمن الأمر شبكات الإنترنت واسعة النطاق، والسيارات الكهربائية، إلى آخر تلك القائمة، فسيكون هناك الكثير من الإنفاق الإيجابي الذي يُرضي الشركات الأميركية".