استمع إلى الملخص
- أسعار الذهب والقمح والنفط تسجل ارتفاعات قياسية نتيجة المخاطر الجيوسياسية، تعقيدات سلاسل التوريد، وتأثيرات الجفاف وموجات الحر، مما يعكس حالة من عدم الاستقرار في الاقتصاد العالمي.
- البنوك المركزية تواجه صعوبة في التوفيق بين دعم النمو الاقتصادي ومخاطر التضخم المتزايدة، مع تغير التوقعات حول توقيت خفض أسعار الفائدة، مما يعمق من حالة عدم اليقين ويزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي.
تتجمع الكثير من السحب الكثيفة في سماء الاقتصاد العالمي لتدفع البنوك المركزية الكبرى نحو تأجيل اطلاق شارة خفض سعر الفائدة، وهو القرار الذي سيشكل صدمة للأسواق إن حدث، إذ كانت الاقتصادات المختلفة تنتظر الخفض على أحر من الجمر لتنشيط معدلات النمو، وخفض كلفة الأموال، وإتاحة قروض بسعر أرخص للمستثمرين والأفراد، وهو ما يخدم قطاعات الاستثمار والإنتاج والصناعة الحيوية وسوق التجارة والتجزئة.
من أبرز تلك السحب عودة التضخم للارتفاع في العديد من الاقتصادات الكبرى، وهو ما يشكل ضغوطا إضافية على صنّاع السياسة النقدية، الذين حاربوا طوال ثلاثة أعوام لخفض التضخم والحيلولة دون دخول الاقتصادات في دائرة الركود وربما الكساد الجهنمية، عبر إجراء زيادة متواصلة وقياسية في سعر الفائدة وسحب السيولة النقدية من الأسواق.
وبعد أن ظن العالم أنه بات على مقربة من طيً مرحلة خفض التضخم المرتفع والعنيد، ووقف قطار هائج وبلا مكابح، ووضع حد لموجة الغلاء الجامح في الأسواق الكبرى التي زادت حدتها خلال أزمة جائحة كورونا وعقب اندلاع حرب أوكرانيا، عاد التضخم ليطل برأسه من جديد في شكل قفزات في أسعار الحبوب والأغذية والمواد الخام والسلع الأساسية والمعادن مثل النحاس.
أسعار الذهب أصيبت بالجنون في الفترة الأخيرة بعد أن وصلت إلى مستوى قياسي لم تصله من قبل، وباتت أسعار المعدن الأصفر خارج نطاق التوقعات
فأسعار الذهب أصيبت بالجنون في الفترة الأخيرة بعد أن وصلت إلى مستوى قياسي لم تصله من قبل، وباتت أسعار المعدن الأصفر خارج نطاق توقعات العديد من مؤسسات وبنوك الاستثمار العالمية وتجار الذهب.
وأسعار القمح وصلت إلى أعلى معدل خلال 10 أشهر وبزيادة تفوق 20% منذ شهر إبريل/نيسان الماضي، وهناك ارتفاع في أسعار النفط مع زيادة حدة المخاطر الجيوسياسية واستمرار زيادة التوترات في الشرق الأوسط وقرار تحالف "أوبك+" تمديد خفض إنتاج النفط حتى نهاية عام 2025 بدلا من نهاية العام الجاري.
كما شهد العالم تعقداً في سلاسل التوريد وتباطؤا في حركة التجارة وأنشطة الشحن البحري بسبب حرب غزة واضطرابات البحر الأحمر وحرب الرقائق المتصاعدة بين واشنطن وبكين، وهناك أزمات أخرى تشعل التضخم، منها انتشار الجفاف وموجات الحر حول العالم، وهو ما يهدد إنتاج المحاصيل الزراعية في العديد من الدول الكبرى المنتجة للحبوب.
وبالنظر إلى أحدث تقارير صادرة عن وزارة الزراعة الأميركية، نجد أنها تتوقع أن تتقلص إمدادات الحبوب العالمية في الموسم الزراعي المقبل، وأن مخزونات القمح العالمية لموسم 2024-2025 في أدنى مستوى في ثماني سنوات، ما يمهد الطريق لارتفاع أسعار السلع الزراعية، في ظل معركة الاقتصادات مع الضغوط التضخمية.
وبنظرة أيضا على الأرقام، نجد أن معدلات التضخم الحالية لا تزال تلقي بمفاجآتها في وجه صانعي السياسة النقدية، فقد أعلنت تركيا، اليوم الاثنين، أن التضخم بلغ 75.45% في شهر مايو/ أيار الماضي، وهو واحد من أعلى المعدلات في العالم.
حديث عن تراجع ثقة رئيس البنك الفيدرالي جيروم باول بتحقق هدف خفض التضخم بعد ارتفاع الأسعار بشكل أسرع من المتوقع خلال الربع الأول من العام
وفي ضربة لمجهودات البنك المركزي الأوروبي الرامية لخفض أسعار الفائدة هذا العام وبشكل سريع، تسارع معدل التضخم في منطقة اليورو ليبلغ 2.6% خلال شهر مايو الماضي، مع تجاوز تضخم أسعار الخدمات مستوى 4% مجدداً، وهو الأمر الذي يزيد من ضبابية المشهد ويعمق حالة عدم اليقين على المسار المتوقع للبنك، خاصة في اجتماع يوم الخميس المقبل. وارتفع التضخم كذلك في ألمانيا، صاحبة أقوى اقتصاد في أوروبا، إلى 2.8% في مايو.
وفي الولايات المتحدة، كانت كل التوقعات تشير إلى أن البنك الفيدرالي سيبدأ مشوار خفض الفائدة على الدولار بداية من شهر مارس/آذار 2024، أو شهر يونيو/حزيران الجاري بحد أقصى، لكن هذه الآمال تلاشت، وباتت التوقعات تتحدث عن شهر سبتمبر/أيلول المقبل، وقد تتأخر إلى نهاية العام وربما بداية عام 2025، وسط حديث عن تراجع ثقة رئيس البنك المركزي جيروم باول بتحقق هدف خفض التضخم بعد ارتفاع الأسعار بشكل أسرع من المتوقع خلال الربع الأول من هذا العام.
المشهد بات معقداً من جديد، والبنوك المركزية تخطو خطوة نحو خفض أسعار الفائدة لأنها ترى أن الرفع الحالي مثير للقلق ويضغط على الاقتصاد العالمي خاصة على المدى المتوسط والبعيد، ويعيد شبح الركود والإفلاس والتعثر المالي والبطالة وتراجع فرص العمل، لكنها سريعاً ما تخطو خطوات نحو التراجع عن تلك هذه الخطة التي طال انتظارها خوفاً من غول التضخم، الذي قد يأكل الأخضر واليابس ويترك آثاراً محتملة على الاستقرار الاقتصادي والمالي والنقدي العالمي في حال استمراره في العناد، ويدخل الأسواق والمستهلك في متاهة من الصعب الخروج منها.