متاعب الفائدة الأميركية... الاحتياطي الفيدرالي يتسبب في صداع عالمي رغم القلق من الصين

20 سبتمبر 2023
أسواق المال تترقب قرارات البنك الفيدرالي حيال أسعار الفائدة (Getty)
+ الخط -

تشير التوقعات باتجاه إبقاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي " البنك المركزي الأميركي" على أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماعه المقرر، اليوم الأربعاء، لكنه سيترك الباب مفتوحاً أمام زيادات جديدة مقبلة قبل نهاية 2023 والعام المقبل في إطار سياسة التشديد النقدي التي ينتهجها لكبح التضخم، ما يفاقم الصعوبات التي تواجهها الكثير من الدول لاسيما الأكثر فقراً ومديونية، إذ ينظر كثيرون إلى أن "الفيدرالي الأميركي" أضحى مصدر الصداع للعالم أكثر من متاعب الصين الاقتصادية.

ومن المتوقع على نطاق واسع أن تبقي لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية، اليوم، سعر الفائدة القياسي عند أعلى مستوى منذ 22 عاماً، مما يمنح "المركزي الأميركي" مزيداً من الوقت للحكم على التقدم بشأن سياسات استهداف التضخم عند مستوى 2%.

فرفع أسعار الفائدة يزيد تباطؤ الاقتصاد ويُعرض المكاسب الوظيفية التي جرى تحقيقها بشق الأنفس خلال الفترة الماضية للخطر وفق مراقبين. وحتى المسؤولون الذين سعوا إلى احتواء التضخم عبر رفع أسعار الفائدة بشكل كبير خلال الأشهر الماضية أصبحوا يشعرون بالقلق إزاء تشديد السياسة النقدية أكثر مما ينبغي، وهو التطور الذي من شأنه أن يعقد القرارات المستقبلية للبنك الفيدرالي ويجعل الاجتماع المقبل لتحديد سعر الفائدة الذي يبدأ في 31 أكتوبر/تشرين الأول مثار اهتمام بالغ.

وقال ديفيد ويلكوكس، الذي قاد قسم الأبحاث والإحصاءات في بنك الاحتياطي الفيدرالي حتى عام 2018 وكبير الاقتصاديين في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أمس الثلاثاء : "كان من الواضح أنهم بحاجة إلى رفع سعر الفائدة.. كانوا بحاجة إلى القيام بذلك بقوة، لكن ثمة سؤال حالياً حول إذا ما كانوا قد فعلوا ما يكفي".

وبينما يعتقد فاعلون في السوق على نطاق واسع أن الاحتياطي الفيدرالي سيبقي أسعار الفائدة عند المستوى الحالي بين 5.25% و5.5% حتى نهاية العام، فإن استطلاع رأي أجرته فايننشال تايمز، شاركت فيه مجموعة من كبار الاقتصاديين الأكاديميين، بالشراكة مع مركز كينت كلارك للأسواق العالمية في كلية بوث لإدارة الأعمال في جامعة شيكاغو، أشار إلى أن الفيدرالي الأميركي سوف يتحدى توقعات المستثمرين ويرفع أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة أخرى على الأقل.

وتوقع أكثر من 40% ممن شملهم الاستطلاع أن يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة مرتين أو أكثر من المستوى القياسي الحالي. ويرى ما يقرب من نصف الاقتصاديين الذين شملهم الاستطلاع أن من المتوقع أن يصل سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى ذروته عند 5.5% ـ 5.75%، ما يشير إلى زيادة أخرى في سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية.

ويتوقع 35% أن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي بتحريك درجتين إضافيتين بمقدار ربع نقطة، مما يدفع سعر الفائدة الرئيسي إلى 5.75% ـ 6%، فيما يعتقد 8% من الخبراء أن سعر الفائدة الرسمي سيتجاوز 6%.

وهناك ما يدفع المسؤولين الصقور في البنك الفيدرالي إلى إبقاء الباب مفتوحاً أمام رفع أسعار الفائدة، حيث يقلل إنفاق المستهلكين حدوث تباطؤ اقتصادي أكثر وضوحاً. وتحدث رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول عن هذا الأمر الشهر الماضي في ندوة البنك المركزي في جاكسون هول في ولاية وايومنغ.

وقالت كريستين فوربس، المسؤولة السابقة في بنك إنجلترا المركزي والتي تقوم الآن بالتدريس في جامعة هارفارد بالولايات المتحدة:" أعتقد أنه لا يزال لديهم زيادة أخرى في أسعار الفائدة في مرحلة ما، فقط لأنه لا يزال هناك زخم أكبر بشأن التضخم الأساسي".

وتشعر فوربس مثل معظم الاقتصاديين الذين استطلعت فايننشال تايمز آراءهم مؤخراً، بالقلق إزاء الارتفاع السريع في أسعار النفط، وتأثيرات ذلك على مستويات التضخم. وينظر محافظو البنوك المركزية عادة إلى انعكاسات هذا الارتفاع على تقلبات أسعار السلع الأساسية، ما يؤثر على تقييمهم لسياسات التشديد النقدي.

وقال بريان ساك، الرئيس السابق لمجموعة الأسواق التابعة لبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك: "يجب أن نتوقع بعض الوعورة على مسار التضخم، لذا فإن المفتاح هو كيفية تصفية بنك الاحتياطي الفيدرالي للبيانات الواردة وكيف تؤثر على توقعات التضخم لعام 2024.. في هذه المرحلة، لا أعتقد أننا رأينا أي شيء يشير إلى مراجعة كبيرة لذلك".

في السياق، قال بيتر هوبر الخبير المخضرم في بنك الاحتياطي الفيدرالي الذي يعمل الآن في دويتشه بنك الألماني: "على الرغم من أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، إلا أنهم يجب أن يكونوا على أهبة الاستعداد بشأن أي شيء يمكن أن يبدأ في رفع توقعات التضخم".

وقلق الأسواق من استمرار سياسة رفع أسعار الفائدة لا يقتصر على الولايات المتحدة، وإنما الاقتصادات العالمية لاسيما الأكثر مديونية وتأثراً بتراجع عملاتها الوطنية، فالآثار الجانبية لارتفاع أسعار الفائدة في أميركا تسبب خسائر في بلدان عديدة بما يفوق التباطؤ في الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وبينما تسود مخاوف من تمدد عالمي لتداعيات متاعب الصين الاقتصادية، فإن سياسات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي تعد مصدر المصاعب في جانب كبير من العالم في الوقت الحالي، وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية.

بدأ المستثمرون يستوعبون أن سعر الفائدة على أموال الاحتياطي الفيدرالي قد يظل ثابتاً عند مستواه الحالي الذي يعد الأعلى خلال 22 عاماً، إلى ما بعد بداية العام المقبل. كما تضطر دول نامية ومتوسطة الدخل عديدة لتأجيل خططها لخفض أسعار الفائدة، حتى لو كان ذلك ينطوي على كبح النمو، وذلك نظراً لأن الخفض قد يكون سبباً في إطلاق موجة تدفقات خارجة لرأس المال من شأنها أن تزعزع الاستقرار.

نقلت بلومبيرغ عن دايفيد لوفينغر، العضو المنتدب في مجموعة الأسواق الناشئة في شركة "تي سي دبليو غروب" لإدارة الأصول الذي كان متخصصاً في الشأن الصيني بوزارة الخزانة الأميركية قوله: "يصعب الانفصال عن الاحتياطي الفيدرالي بشكل كامل".

تشعر الدول بتأثير قرارات الاحتياطي الفيدرالي بأشكال مختلفة. إذ تزيد أسعار الفائدة الأميركية المرتفعة من جاذبية الأصول المقومة بالدولار، فيسحب ذلك الأموال من أسواق أخرى ويتسبب بانخفاض قيم عملاتها. ويضيف ذلك الوضع إلى ضغوط التضخم ويزيد صعوبة سداد السندات الدولارية.

يخلق تباطؤ الاقتصاد في الصين دون شك رياحاً معاكسة لعدد من الاقتصادات، خصوصاً في آسيا، التي تواجه دولها الآن طلباً متراجعاً على صادراتها. لكن حديث الجميع في عواصم الدول، من جاكرتا إلى برازيليا، في الآونة الأخيرة يدور عن أسباب عدم تحرك البنوك المركزية بسرعة أكبر لخفض تكاليف الاقتراض.

وقال لوفينغر: "من حيث مسألة من هو الطرف المسؤول عن قلقلة الأسواق على مستوى العالم؟ فإن الجواب يقيناً هو الاحتياطي الفيدرالي.. رغم كل القلق، فإن التراجع الذي تشهده الصين حالياً ليس بضخامة ما كان عليه الحال في 2008 و2020 و2022".

الصين نفسها هي إحدى الدول المتأثرة بأسعار الفائدة الأميركية المرتفعة. ويدافع بنك الشعب الصيني ( البنك المركزي) بقوة عن اليوان على نحو متزايد، إذ يطرح البنك الدولار للبيع بغرض دعم اليوان ويحذر من أنه سيفرض عقوبات على المضاربين. رغم ذلك، فقد تراجع اليوان إلى أدنى مستوياته منذ العام 2007.

وفي اجتماع نظمته السفارة الصينية في واشنطن في الخامس من سبتمبر/أيلول الجاري، قال المتحدث باسمها ليو بينغيو: "تبنّت الاقتصادات المتقدمة الكبرى سياسات انكماشية لها تداعيات ممتدة"، وهي عبارة دبلوماسية تعني أن بنك الاحتياطي الفيدرالي هو السبب.

يتسبب تباطؤ الاقتصاد الصيني في تداعيات على المستوى الدولي، حيث يتخلص مستثمرون أجانب من الأسهم القيادية الصينية منذ أشهر، وقد لعب ذلك دوراً في أطول فترة مسجلة من التدفقات الخارجة من الأسهم الصينية. كما لمحت شركات، من بينها مجموعة "مرسيدس-بنز" الألمانية وشركة "كاتربيلر" الأميركية العاملة في مجال تصنيع معدات البناء والتعدين خلال إعلان الأرباح إلى الطلب المتراجع في الصين، كما شهدت كوريا الجنوبية وألمانيا تراجعاً في صادراتهما إلى الصين.

ورغم ذلك، ما يزال يُتوقع أن ينمو الاقتصاد الصيني بنحو 5% هذا العام. كما يلاحظ أنه رغم انزلاق اليوان أمام الدولار، لم يؤجج ذلك اضطرابات مالية على المستوى العالمي كتلك التي شهدها العالم في العام 2015، حين أفزع تخفيض بنك الشعب الصيني المفاجئ للعملة المستثمرين حول العالم.

وقالت جانيت موي، رئيسة قسم تحليلات السوق في مؤسسة "آر بي سي بروين دولفين" الاستثمارية في لندن إن أهمية الصين أمر جليّ، لكن ما يزال المستثمرون يؤمنون في نهاية المطاف بأن الحكومة الصينية ستحصّن الاقتصاد وتحول دون حدوث عدوى مالية.

المساهمون