ما لنا والدولار

28 يوليو 2022
المواطن العربي يعاني من زيادة قيمة الدولار/geety
+ الخط -

لمَ كل هذا الاهتمام المتزايد بالدولار في الفترة الأخيرة، ارتفعت قيمته أم انخفضت، تذبذبت أم بقيت على حالها، ما علاقتنا نحن كأفراد بهذا التحرك السعري.

ما علاقتنا بالاقتصاد الأميركي سواء دخل في حالة ركود تضخمي أم كساد. هذا عمل تجار العملة والمضاربين وأسواق الصرف الأجنبية.

زاد سعر الفائدة على العملة الأميركية، أم تراجع أم حتى أستقر وتم تثبيته، ما الذي يفيدنا من هذا التحرك على المستوى الشخصي.

لمَ هذه المتابعة اللحظية لاجتماعات مجلس الاحتياط الفيدرالي " البنك المركزي الأميركي" التي تبحث اتجاهات سعر الفائدة على الدولار من وقت لأخر، وكأن هذه الاجتماعات هي مباراة كرة قدم بين فريقين أوروبيين كبيرين، أو برنامج كوميدي.

لمَ كل هذه المتابعة اللحظية لاجتماعات مجلس الاحتياط الفيدرالي، وكأننا أمام مباراة كرة قدم لفريقين كبيرين

ببساطة، ما لنا وللدولار في قضية لا ناقة لنا فيها ولا جمل، حيث إن هذه عملة الولايات المتحدة، أما تعاملاتنا داخل بلادنا فتتم بالعملة المحلية؟

بالطبع لا أتحدث هنا عن شريحة المضاربين في الدولار والمتعاملين في السوق السوداء والذين حولوا السمسرة في العملات الأجنبية إلى مهنة مربحة.

الأسئلة السابقة وغيرها تتبادر إلى ذهن الكثيرين خاصة مع احتلال قضية الدولار حيزاً كبيراً من اهتمامات الجمهور العادي الذي كان ينظر في السابق لتلك القضية على أنها شأن اقتصادي ومالي بحت لا علاقة للمواطنين به من قريب أو بعيد، خاصة هؤلاء الذين لا علاقة لهم بعالم المال والاستثمار وإدارة الأموال والمصارف.

ولم تعرف أقدام هؤلاء يوما طريقها إلى أحد فروع البنوك، والبورصة تمثل لهم لغزا كبيرا وصالة قمار يتنافس عليها أصحاب الثروات والمليارديرات والناس "الفاضيين".

ولم يفكر ذلك المواطن يوما في تكوين محفظة مالية أو التعامل مع شركات استثمار وسمسرة وإدارة محافظ وصناديق مالية، ولم يسمع في حياته عن العملات المشفرة، والأصول غير القابلة للاستبدال "إن أف تي" وغيرها من الأدوات المالية والاستثمارية الحديثة.

لكن لو تمعن هؤلاء النظر قليلا فسيكتشفون أن حياتهم ومعيشتهم باتت مرتبطة بشدة بالدولار، العملة الأقوى في العالم حاليا، وبالتالي فإن متابعة تحركاته وأسعار الفائدة عليه لم تعد مضيعة للوقت وتخص أصحاب المدخرات فقط.

حياة المواطن ومعيشته باتت مرتبطة بشدة بالدولار، وبالتالي فإن متابعة تحركاته وأسعار الفائدة عليه لم تعد مضيعة للوقت

فالدولار يتم استخدامه في سداد واردات الدولة من القمح والذرة والسكر والشاي والزيوت والسجائر والأدوية واللحوم والملابس والسيارات وغيرها من السلع الغذائية والضرورية.

وبالتالي فإن أي زيادة في قيمة الدولار تنعكس مباشرة على أسعار تلك السلع خاصة في الدول التي تستورد معظم احتياجاتها من السلع الغذائية من الخارج، وتتجاهل حكوماتها ملفات مهمة منها الأمن الغذائي وصناعة الأدوية وقطاع الصناعة.

أيضا صفقات واردات الدولة من المشتقات البترولية من بنزين وسولار وغاز طهي ومازوت يتم سدادها بالدولار، وبالتالي فإن أي حركة على سعر هذه العملة تنعكس بسرعة على الأسواق وميزانية الدولة والميزان التجاري.

والدولة تستدين معظم قروضها الخارجية بالدولار، ولذا فإن زيادة سعر الفائدة على العملة الأميركية يترتب عليها زيادة أعباء سداد تلك الديون، بل وصعوبة الاقتراض الخارجي في بعض الأوقات.

لأن الأموال الساخنة تهرب من دول العالم، خاصة من الدول النامية، متجهة نحو البنوك الأميركية للاستفادة من سعر الفائدة العالي والمخاطر المتدنية والضمان، وهنا قد لا تجد الدول التي تعاني شحا في السيولة الدولارية من يقرضها بسعر فائدة متدن. كما تجد صعوبة في النفاد إلى أسواق الدين العالمية.

المواطن هو من يسدد من جيبه وضرائبه ودخله أعباء وأقساط وقيمة الديون الخارجية في النهاية وليس الحكومة

والمواطن هو من يسدد من جيبه وضرائبه ودخله أعباء وأقساط وقيمة الديون الخارجية في النهاية وليس الحكومة، فإذا زادت تلك الأعباء فإن أول ما تفكر فيه الحكومات هو العمل على زيادة حصيلة الإيرادات العامة.

وأسهل الطرق هنا هي فرض مزيد من الضرائب والرسوم الحكومية، وزيادة ما هو مطبق منها بالفعل، ورفع أسعار سلع رئيسية، وخفض الدعم المقدم لسلع جماهيرية مثل البنزين والسولار والغاز، وزيادة فواتير الكهرباء والمياه والمواصلات العامة وغيرها.

موقف
التحديثات الحية

كما أن زيادة أعباء الديون الخارجية يمكن أن تدفع الحكومات نحو تقليص مخصصات الصحة والتعليم والإنفاق على الاستثمارات العامة والبنية التحتية لتدبير موارد إضافية توجه لسداد تلك الأعباء.

حتى المستثمرون ورجال الأعمال يتعرضون لمشاكل كبيرة في حال زيادة قيمة الدولار ورفع سعر الفائدة عليه، فتكلفة الاقتراض بالدولار تزيد على أصحاب الشركات.

وهؤلاء مضطرون للاقتراض بالنقد الأجنبي لتمويل شراء وارداتهم من السلع الوسيطة والمواد الخام من الخارج، وهذه الكلفة الإضافية ممكن أن تدفع شركات نحو الإفلاس والتعثر المالي، كما قد تدفع أصحاب الشركات نحو زيادة أسعار المنتجات والسلع وبشكل يضغط على القدرة الشرائية للمستهلك.

الآن، هل عرفت أهمية الدولار في حياتك؟ ولما كل هذا الرعب من الزيادات المتواصلة في سعر الفائدة عليه؟

المساهمون