استمع إلى الملخص
- **الحلول المقترحة**: دراغي يقترح إعادة النظر في قواعد المنافسة، الاستثمار في التكنولوجيات النظيفة والرقمنة، وتقليص التبعية للصين، مع استثمار سنوي يتراوح بين 750 و800 مليار يورو.
- **مسيرة دراغي المهنية**: ماريو دراغي، المعروف بلقب "سوبر ماريو"، أنقذ اليورو في 2012، وتولى مناصب هامة منها رئاسة البنك المركزي الأوروبي ورئاسة وزراء إيطاليا، مشهوداً له بخبرته وثقة المستثمرين.
لم يتردد محافظ البنك المركزي الأوروبي السابق، ماريو دراغي، في دق ناقوس الخطر مرة أخرى. فقد سلم المفوضة الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، تقريراً ينبه فيه إلى أن الاتحاد الأوروبي يواجه "تحدياً وجودياً" يعرضه لـ"احتضار بطيء" إذا لم يتغير.
رأي المصرفي الإيطالي البارز ماريو دراغي يحترمه الأوروبيون من جميع ألوان الطيف السياسي. ذلك ما دفع المفوضية الأوروبية إلى تكليفه في العام 2023 بإنجاز تقرير حول تنافسية الاتحاد الأوروبي. وهو التقرير الذي جاء في 400 صفحة يتناول فيه قدرات القطاعات الاقتصادية لذلك الفضاء الاقتصادي، وتأثيرات التشريعات الأوروبية.
يؤكد أن الاقتصاد الأوروبي يأتي وراء الاقتصادين الأميركي والصيني، مشيراً إلى أن السياسات الأوربية، بخاصة النقدية لم تحسن وضعية الأسر. ففي عقدين ونصف عقد، ارتفع الدخل الفردي الحقيقي بمرتين في الولايات المتحدة مقارنة بأوروبا.
الرجل الذي أنقذ اليورو في 2012 صرح في إبريل/ نيسان الماضي، خلال مؤتمر في العاصمة البلجيكية بروكسيل، بأن الحرب الاقتصادية ليس كلمة فارغة وأوروبا بصدد خسارتها، ينبه في تقريره إلى أن أوروبا لا تستثمر كفاية في القطاع الرقمي والتكنولوجيا المتقدمة. يضاف ذلك إلى ضعف موقع الاتحاد الأوروبي في الطاقة التي تثقل على تنافسية ذلك التكتل الاقتصادي.
قواعد المنافسة
ويرى الإيطالي الذي ينبه إلى الشيخوخة الزاحفة على أوروبا، وتعذّر توفير يد عاملة مؤهلة في بعض القطاعات، أنه إذا لم تصبح أوروبا أكثر إنتاجية، فإنها لن تستطيع أن تكون في الوقت نفسه رائدة في التكنولوجيات الجديدة ونموذجاً في المسؤولية المناخية، وفاعلاً مستقلاً في الساحة الدولية، مشدداً على أن أوروبا لن تستطيع تمويل نموذجها الاجتماعي.
يعتبر أنه يتوجب على الدول الـ27 المكونة للاتحاد الأوروبي إعادة النظر في قواعد المنافسة التي تحول دون بروز شركات عملاقة أوروبية، مؤكداً ضرورة الاستثمار في التكنولوجيات النظيفة والرقمنة، وهو مع تقليص التبعية للصين. وكي تتجنب أوروبا "الاحتضار البطيء" في مواجهة الصين والولايات المتحدة الأميركية، يتوجب عليها، بحسب دراغي، استثمار ما بين 750 و800 مليار يورو إضافية سنوياً، أي 5 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي، وهو ما يمثل ثلاثة أضعاف خطة مارشال التي طبقت بعد الحرب العالمية الثانية، بحسب ما لاحظه الاقتصادي الفرنسي طوما بيكوتي.
يتصور دراغي أنه بهدف إنجاز استثمارات مشتركة يفترض في بلدان الاتحاد إصدار أدوات اقتراض مشتركة، غير أن مراقبين يرون أن تلك التوصية تأتي في سياق متسم بوجود حكومات في بلدان أوروبية تقودها أحزاب "سيادية" تعارض إعطاء الأولوية للتوجه الأوروبي الذي يؤشر عليه مثل ذلك الاقتراض كما حدث إبان الأزمة الصحية.
يتذكر مراقبون عبارته الشهيرة "مهما كلف الأمر"، عندما تصدى باعتباره محافظاً للبنك المركزي الأوروبي لإنقاذ اليورو في 2012، عبر تطويع الأسواق المالية. غير أن أزمة منطقة اليورو، ستدفع المراقبين إلى خلع وصف "سوبر ماريو" عليه. ففي 2012، أضحت الأسواق متوجسة، ولم تعد الدول قادرة على الاستدانة لتمويل مديونيتها، وامتدت العدوى التي انطلقت من اليونان إلى دول أخرى، وأضحى اليورو في مهب الريح، غير أن دراغي سيبلور خطة إنقاذ غير مسبوقة في البنوك المركزية.
يتصور دراغي أنه بهدف إنجاز استثمارات مشتركة يفترض في بلدان الاتحاد إصدار أدوات اقتراض مشتركة
ارتأى الإيطالي، الذي وصفه الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، بول كروغمان بأنه أفضل محافظ بنك مركزي في الأزمنة الحديثة عبر تلك الخطة التي أعادت بعث إقراض الشركات والأسر، وعمد البنك المركزي إلى شراء القروض الخاصة والسندات العمومية، بهدف تحريك آلية القرض.
ماريو دراغي "أبو التقشف"
راكم الإيطالي الذي ولد في عام 1947 من أب مصرفي وأم صيدلانية، تجربة كبيرة عندما التحق بخزانة بلده في ظل أزمة جعلته على حافة الإفلاس في التسعينيات من القرن الماضي، حيث تولى إصلاحات، استحق بعدها لقب "أبو التقشف"، في إشارة إلى إصلاحات هيكلية قادها في تلك الفترة.
عمل الحاصل على دبلوم في الاقتصاد ودكتوراه من معهد ماساشوستس، في بنك الأعمال الأميركي غولدمان ساكس، وتولى أمر البنك المركزي في بلده إيطاليا، وساعده ترؤسه لمنتدى الاستقرار المالي الذي أسسه مجموع الدول السبع، قبل أن تتحول إلى الدول العشرين، على اكتساب شهرة كبيرة، قادت إلى تعيينه على رأس البنك المركزي الأوروبي في 2011.
وتولى منصب رئيس الوزراء في بلده في فبراير/ شباط 2021، وهو الذي لم يسبق له أن مارس السياسة. فقد ترأس ائتلافاً حكومياً، كي يطبق خطة للاستقرار السياسي والاقتصادي، هو الذي كان يحظى بثقة المستثمرين الأجانب والشركاء الأوروبيين، غير أنه ما لبث أن استقال في يوليو/ تموز 2022 بعدما رفضت ثلاثة أحزاب في الائتلاف الحكومي المشاركة في التصويت لسحب الثقة من الحكومة في البرلمان. رمى بحجر ثقيل في بركة الاقتصاد الأوروبي غير المستقر، بخاصة في ظل الصعوبات التي يواجهها النموذج الألماني.